على الرمال الناعمة بمحاذاة الشارع جلست بين الفتاتين
بعدما أعيانا طول الوقوف و الانتظار..
و من حولنا أناس كثر متفرقون .. نسمع بكاء النساء و
الأطفال ..
أرى رغد تفرك يديها ببعضهما البعض بقوة و باستمرار و تهف
عليهما طالبة شيئا من الدفء . لقد كانت ترتجف بردا.. أكاد أسمع اصطكاك أسنانها
بعضها ببعض..
أما دانة فكان وجهها مغمورا تحت ثنايا القميص و مستسلمة
لصمت موحش..
لم تكن الشمس قد أشرقت بعد.. و كان التعب قد أخذ منا ما
أخذ و نرى رجال الشرطة يجولون ذهابا و جيئة و أعيننا متشبثة بهم..
التفت ناحية رغد و سألتها:
" أتشعرين بالبرد؟"
الصغيرة أجابت بقشعريرة سرت في جسدها..
أنا أيضا كنت أشعر بالبرد لا يدفئ جدعي سوى سترتي
الداخلية الخفيفة..
لكن إن تحمّلت أنا ذلك ، فأنّى لفتاة صغيرة تحمّله ؟؟
ألقيت ُ نظرة على مجموعة من رجال الشرطة المتمركزين قرب
السيارات ثم قلت:
" دعانا نذهب إلى السيارة "
و وقفت فوقفت الفتاتان من بعدي و سرت فسارتا خلفي تمسك
كل منهما بالأخرى حتى صرت قرب رجال الشرطة..
نظروا إلى بتشكك.. و سألني أحدهم عما أريد
" أود البقاء في سيارتي فقد قرصنا البرد"
" عد من حيث أتيت يا هذا "
" لكن الجو بارد ٌ جدا لا تتحمل قسوته الفتاتان "
الشرطي نظر إلى الفتاتين و لم يعلّق.
فقال آخر
:
" ابقوا حيث الآخرين"
قلت بإصرار:
" ستموتان بردا! "
ثم أضفت
:
" هل تعتقدون أننا سنهرب ؟ سأعطيك مفتاح السيارة
لتتأكد"
و أدخلت يدي في جيبي و استخرجت ُ مفاتيحي و مددتها إليه...
الشرطي تبادل النظرة مع زملائه ثم همّ بأخذ المفاتيح بما
احتواها.
لقد كانت المفاتيح مضمومة في ميدالية أهدتني إياها رغد
ليلة العيد.. انتزعت مفتاح السيارة من بينها و قدّمته إلى الشرطي و احتفظت بالميدالية و
بقية المفاتيح.
حين أعطيته المفتاح ، سمح لنا بالتوجه إلى السيارة.
عندما فتحت الباب الأمامي الأيمن وقفت الفتاتان عنده
تنظران إلى بعضهما البعض، ثم تنحت رغد جانبا سامحة لدانة بالدخول .. و فتحت هي
الباب الخلفي .
حينما جلسنا في السيارة ، أخذنا الصمت فترة طويلة.. و
بدأت أجسادنا تسترد شيئا من دفئها المفقود...
لم يكن أحدنا يعرف كيف يفكر ، كنا فقط في حالة ذهول و
عدم تصديق .. منتظرين ما يخبئه لنا القدر خلف ظلام الليل..
أسندنا رؤوسنا إلى المقاعد علّها تمتص شيئا من الشحنات
المتعاركة في داخلها..
و من حين لآخر ، ألقي نظرة على الفتاتين أطمئن عليهما..
رغد اضطجعت على المقاعد الخلفية و ربما غلبها النوم...
أطل من خلال النافذة على السماء فأرى خيوط الفجر تتسلل
خلسة.. فيلقي الله في نفسي ذكره..
" الصلاة "
قلت ُ ذلك و التفت إلى دانة التي تجلس إلى جواري ملقية
بثقل رأسها على مسند المقعد. نظرت إلي، ثم أغمضت عينيها.
أما رغد فلم تتحرك.
نظرت إلى الناس فوجدت بعضهم يركعون و يسجدون..على الرمال
قلت :
" سأذهب لأصلي "
فتحت عينيها مجددا ثم أغمضتهما.
" توخيا الحذر ، دقائق و أعود"
و مددت ُ يدي إلى مقبض الباب ففتحته و خرجت.. أغلقت
الباب و مشيت بضع خطى مبتعدا قبل أن أسمع صوب باب ينفتح بسرعة و أسمع من يناديني..
" وليــــد "
التفت إليها فرأيتها تخرج من السيارة مسرعة، تقصدني
أتيت إليها فأبصرت في وجهها الفزع المهول
" إلى أين تذهب ؟ "
قالت لاهثة ، فأجبت مطمئنا :
" سأصلّي مع الناس "
و أشرت إلى الطرف الآخر من الشارع حيث المصلين..
رغد هتفت بسرعة :
" لا تذهب "
قلت :
" سأصلي و أعود مباشرة "
" لا تذهب ! لا تتركني وحدي "
قلت مطمئنا
:
" دانة معك ، لحظة فقط "
رغد حركت رأسها اعتراضا و إصرارا و هي تقول :
" لا تذهب .. ألا يكفي ما نحن فيه ؟ لا تبتعد وليد
أرجوك "
لم أستطع إلا أن أعود أدراجي ، و أتيمم و أؤدي الصلاة
ملتصقا بالسيارة.
ما إن فرغت ُ من ذلك ، حتى سمعنا ضجيجا يقتحم السماء..
نظرنا جميعنا إلى الأعلى فأبصرنا طائرة تخترق سكون الفجر...
صرخ بعض الموجودين :
" قنابل
! "
و هنا .. بدأ الناس يتصايحون و يصرخون و يركضون فارين ..
محدثين ضجة و جلبة شديدين..
رأيتهم جميعا يجرون على الشارع مبتعدين.. فتحت ُ بابي
السيارة بسرعة و هتفت
" هيا بنا "
و أمسكت بيدي الفتاتين و جررتهما ليركضا معي بأسرع ما
أوتينا من قوّة..
" أركضا.. أركضا بسرعة "
اقتحمنا أفواج الهاربين الصارخين المستصرخين .. هذا يدفع
هذا و هذا يسحب هذا و ذاك يصطدم بالآخر .. و آخر يدوس على غيره.. و الحابل مختلط
بالنابل..
نحن نركض و نركض دون التعقيب.. دون أي التفات إلي
الوراء.. و دوي الطائرة يعلو سماءنا.. و يجلجل أرضنا المهتزة تحت أقدامنا الراكضة..الحافية..
أسمع صراخا من كل ناحية.. أسمع صراخ دانة و رغد.. و صراخي أنا أيضا.. و أشد قبضي
عليهما و أطلق ساقي ّ للريح..
يتعثر من يتعثر.. ينزلق من ينزلق.. يتدحرج من يتدحرج..
يقع من يقع و ينكسر ما ينكسر و يداس ما يداس.. لا شيء يستدعيني لأوقف انجراف رجليّ
.. أسابق الزمن.. و أكاد أسبقه
..
كان ذلك من أشد الأوقات هولا و فظاعة.. لن يفوقهما شدة
إلا هول يوم الحشر...
سيارات الشرطة و سيارات أخرى رأيناها تشق الطريق فرارا
سابقة إيانا.. و سمعنا أصوات رشق ناري زادنا رعبا على رعب و صراخا فوق صراخ..
قطعت مسافة لا علم لي بطولها، أسحب الفتاتين خلفي و هما
عاجزتان عن مجاراة خطواتي الواسعة ، تقفزان قفزا بل تطيران طيرانا..
فجأة وقعت رغد أرضا فصرت أسحبها سحبا إلى أن تمكنت ُ من
إيقاف اندفاعي الشديد في الركض..
و أقبل الناس من خلفنا يرتطمون بنا و داسها أحدهم في
طريقه..
صرخت
:
" قومي رغد "
إلا أنها كانت تمسك بقدمها و تتلوى ألما و تصرخ :
" قدمي .. قدمي .. "
جثوت نحوها و أمسكت بقدمها الحافية فإذا بقطعة من الزجاج
مغروسة فيها و الدماء تتدفق من الجرح..
لابد أنها داست عنوة على كسرة الزجاج هذه أثناء جرينا
المبهم..
أمسكت بقطعة الزجاج بين إصبعي و انتزعتها بعنف و رغد
تصرخ بشدة.. بعد ذلك سحبتها من يدها لنستوي واقفين و طرت راكضا ممسكا بالفتاتين..
عنوة..
رغد كانت تصرخ ألما و تركض على أطراف أصابع قدمها
المصابة فيما الدماء تقطر منها و تهتف
:
" لا أستطيع .. آي .. لا أستطيع "
مما أبطأ سرعة انطلاقنا ..
ثم عادت و هوت أرضا من جديد.. و ضغطت على قدمها المصابة
بيدها الحرة ..
" انهضي رغد بسرعة "
" لا أستطيع .. قدمي تؤلمي .. آي.. تؤلمني بشدة ..
لا أستطيع "
" هيا يا رغد لننج ُ بأنفسنا "
" لا أستطيع .. كلا "
لأن أفكر، لا مجال .. ، لأن أتردد .. لا مجال ..، لكي
أنجو بحياتي و حياة شقيقتي و حبيبتي .. سأقدم على أي شيء..
انتشلت صغيرتي من على الأرض بذراعي و حملتها على كتفي..
وجهها إلى ظهري و قدماها إلى أمامي .. منكبة على رأسها..
هتفت
:
" تشبثي بي جيدا "
و أنا أطبق عليها بقوة بإحدى يدي ّ خشية أن تنزلق، فيما
أمسك بشقيقتي باليد الأخرى ، ثم أسابق الريح...
تارة أزيد و تارة أخفف السرعة.. ألتقط بعض الأنفاس و
أسمح لشقيقتي بتنفس الصعداء..
كان الإعياء قد أصابنا و نال منا ما نال حين رفعت بصري
إلى السماء فلم أبصر أية طائرة و أصغيت أذني فلم أسمع أي ضجيج... و تفلت من حولي
فوجدت الناس متهالكين على الشارع و معظمهم مضطجعين هنا أو هناك.. من فرط التعب و
نفاذ الطاقة..
انحرفت يسارا و خرجت عن الشارع إلى الرمال على حافته.. و
هويت جاثيا على الأرض..
حررت رغد و دانة من بين يدي و ارتميت على الرمال منكبا
على وجهي و أخذت أتنفس بقوّة .. تجعل ذرات الرمل و الغبار المتطايرة من حولي تقتحم
فمي مع تيارات الهواء...
أخذت أسعل و أتحشرج.. و قد أغلقت عيني لأحميهما من
الغبار..
لزمت وضعي هذا لدقيقتين دون حراك.. فجسدي كان منهكا جدا
و بحاجة إلى كمية أكبر من الأوكسجين ليطرد غازاته الضارة خارجا..
عندما فتحت عيني ّ و نظرت يمنة و يسرة رأيت الفتاتين
مرتميتين على الرمال مثلي.. دانة متمددة على ظهرتها تتنفس بسرعة ، و رغد جالسة
تمسّد قدمها المصابة و تئن ألما..
لم أجد في جسدي من الطاقة ما يمكنني الآن من النهوض..
الشمس كانت قد أرسلت أول جيوش أشعتها الذهبية الباهتة
لتغزو السماء و تطرد الظلام .. و شيئا فشيئا بدأت تحتل السماء.. وتنير الكون..
وتكشف ما كان خافيا و تفضح ما كان مستورا..
جلست بعدما استرددت بعض قواي.. وأنا أراقب رغد
المتألمة.. المكشوفة الرأس.. يتدلى خمارها ( شماغي ) على كتفيها ...
كان الجرح لا يزال ينزف.. و الدماء سقت الرمال.. كما
لطخت ملابس رغد بل و وجدت بقعا منها على ملابسي أنا أيضا..
فقد كانت تقطر و أنا أحملها..
" دعيني أرى "
قلت ذلك و قرّبت وجهي من قدمها أتأمل الجرح العميق.. و
ما علق به من الرمال و الشظايا و الأتربة..
مسحت ما حولي بنظرة سريعة فلم أجد ما أغطي به هذا الجرح
النازف..
نفس القميص الذي كانت دانة تختمر به ، نزعت أحد كمّيه و
لففته حول قدم رغد ..
كما لففت خمارها حول رأسها بنفسي...
دانة قالت بعد ذلك بانهيار:
" ماذا يحدث برب السماء ؟؟ فليخبرني أحد.. هل هذه
حقيقة؟؟ لماذا فعلوا هذا بنا؟؟ ما حلّ بنوّار؟؟ و سامر ؟؟ "
و أجهشت بكاء و نواحا.. فضممتها إلى صدري أحاول تهدئتها
.. و أبقيتها بين ذراعي مقدارا من الزمن.. بينما رغد تراقبنا..
بعد ذلك رأينا الناس ينهضون و يسيرون في نفس الاتجاه..
فوجا بعد فوج.. و جماعة بعد أخرى..
قلت :
" هيا بنا "
قالت دانة
:
" إلى أين ؟؟ "
" لا أعرف.. سنسير مع الآخرين"
قالت
:
" سنموت في الطريق.. "
قلت :
" لو لم توقفنا الشرطة و تخرجنا من سياراتنا لربما
كنا الآن قد بلغنا مكانا آمنا.. لا أريد العودة للوراء و لا التخلف عن الآخرين..
كما أنهم أخذوا مفتاح سيارتي.. أظننا على مقربة من إحدى المدن "
فقد كانت اللافتة على جانب الطريق تشير إلى ذلك..
نهضت معهما و سرنا على مهل، و رغد تعرج و تستند إلى
دانة... و تتوقف من حين لآخر..
قطعنا مسافة طويلة بلا هدف ... نسير زمنا و نرتاح فترة
.. و تعامدت الشمس فوق رؤوسنا و نحن تائهون في البر..
كنا نشعر بتعب شديد.. و مهما نسير نجد الطريق طويلا .. و
لا تعبره أية سيارات..
توقفنا بعد مدة لنيل قسطا من الراحة.. و أي راحة ؟؟
قالت رغد
:
" أنا عطشى..."
و نظرت إلي باستغاثة..
ماذا بيدي يا رغد ؟؟ لو كانت عيني عينا لسقيتك منها و إن
شربتها كلها و أبقيتني جافا .. أو أعمى.. لكنني مثلك ، يكاد العطش يقتلني و ما
تبقى من طاقتي لا يكفي لقطع المزيد من الطريق..
إننا سنموت حتما إذا بقينا هنا.. أنا أرى الناس ينهارون
من حولي من التعب و العطش و الجوع.. و يتخلّف من يتخلّف منهم بعد مسيرتنا..
يجب أن نسرع و إلا هلكنا..
" هيا بنا "
قالت دانة
:
" أنا متعبة ، دعنا نرتاح قليلا بعد "
قلت بإصرار
:
" كلا .. يجب أن نسرع بالفرار قبل أن يدركنا حتفنا "
و أجبرت الفتاتين على النهوض و السير مجددا و بأسرع ما
أمكنهما ..
قوى رغد يبدو أنها انتهت.. إنها تترنح في السير.. تمشي
ببطء.. تجر قدميها جرا.. تئن و تلهث.. تسير مغمضة العينين متدلية الذراعين.. ثم
أخيرا تقع أرضا..
أسرعت إليها و أمسكت بكتفيها و هززتها و أنا أقول :
" رغد .. رغد تماسكي .."
رغد تدور بعينيها الغائرتين النصف مغلقتين و تنطلق حروف من
فيها الفاغر مع أنفاسها الضعيفة السطحية :
" ماء.. عطشى.. سأموت.. وليد.. لا تتركني "
ثم تغيب عن الوعي..
أخذت أهزها بقوة أكبر و أصرخ :
" رغد .. أفيقي.. أفيقي .. هيا يا رغد تشجعي.. "
فتفتح عينيها لثوان ، ثم تغمضهما باستسلام...
ثم أسمع صوت ارتطام فالتفت ، فأرى شقيقتي تهوي أرضا هي
الأخرى..
أسرع إليها و أوقظها :
" دانة انهضي... هيا قومي سنصل قريبا "
" متعبة.. دعني أرتاح.. قليلا "
و انظر إلى الشمس فأراها تقترب من الأفق.. و تنذر بقرب
الرحيل..و ختم النهار..
تركتهما ترتاحان فترة بسيطة ، ثم جعلتهما تنهضان .. دانة
تسحب قدميها سحبا .. و رغد مستندة إلي.. أجرها معي ..
وصلنا بعد ذلك إلى محطة وقود .. و صار من بقي من الناس
يركضون باتجاهها و يقتحمون البقالة الصغيرة التابعة لها كالمجانين بحثا عن الماء..
أسرعت أنا أيضا بدوري إلى هناك .. أسحب الفتاتين و حين
اقتربت من الباب و رأيت الناس تتعارك يرصّ بعضهم بعضا قلت للفتاتين :
" انتظراني هنا "
و حررتهما من يدي وأنا أقول :
" لا تتحركا خطوة واحدة "
و هممت بالذهاب لمزاحمة الآخرين..
رغد صرخت صرخة حنجرة ميتة :
" لا تذهب "
قلت :
" سأجلب الماء .. انتظريني "
و حين سرت خطوة مدت هي يدها و أمسكت بذراعي تسحبني
تجاهها و تقول في ذعر :
" لا تذهب وليد .. كلا ..كلا .. "
حررت ذراعي من يدها و زمجرت :
" دعيني أدرك الماء قبل أن يدركنا الموت.. ستموتين
إن لم ألحق "
" سأموت إن ذهبت "
لا أعرف كيف أصف الشعور الذي انتابني لحظتها..
في قعر الضعف و اليأس و الاستسلام.. أرى صغيرتي متشبثة
بي في خشية من أن الوحدة.. بينما الموت أولى بأن تخشاه و تهرب منه..
قلت موجها كلامي لدانة :
" أمسكي بها "
و دفعت بيدها بعيدا عني و أسرعت إلى البقالة..تلاحقني
صيحاتها..
غصت وسط الزحام و لم استطع نيل أكثر من قارورتي ماء
صغيرتين و علبة عصير انتشلتها انتشالا و ركلت من حاول سلبها مني..
خرجت بغنيمتي من المعركة و جريت نحو الموضع الذي تركت
الفتاتين فيه فلم أجدهما..
تلفت يمنة و يسرة فلم أجدهما ...
جن جنوني و رحت أهتف مناديا :
" رغد... دانة ... أين أنتما ؟؟ "
ثم سمعت صوت دانة تهتف :
" وليد .. هنا "
و وجدتها تجلس عند خازنات الوقود و رغد ملقاة أرضا إلى
جوارها..
ركضت نحوها فزعا..
" ماذا حدث ؟؟ "
" ربما ماتت ؟ لا أعرف إنها لا تستفيق "
مسكت رغد و هززتها بقوة و أنا أصرخ :
" رغد .. أفيقي.. لقد جلبت الماء.. أفيقي هيا .."
بالكاد ترمش بعينيها.. فتحت علبة العصير و أدخلت طرف
الماصة بداخلها و الطرف الآخر في فم رغد و ضغطت على العلبة حتى يتدفق العصير إلى
فم رغد.. رغد حركت شفتيها قليلا.. ثم أخذت تبلع العصير.. ثم تشربه..
" اشربي.. اشربي .."
أما دانة فأخذت إحدى قارورتي الماء و شربتها كاملة دفعة
واحدة.. و تقاسمت أنا و رغد القارورة الأخرى..
" اشربي المزيد.. اشربيه كله.. "
الناس كانوا يدخلون و يخرجون من البقالة كل يحمل الطعام
و الشراب.. دون مراعاة لأي حقوق.. و أي لياقة.. ففي وضع كالذي كنا عليه.. ينسى
المرء نفسه