الميكانيكا. عرفت عند المسلمين باسم علم الحيل،
وأطلقوا عليها أحيانًا علم الآلات الروحانية و الحيل الروحانية.
وهي فرع من العلوم الفيزيائية التي لقيت قدرًا ليس بالقليل من اعتناء العلماء
العرب والمسلمين. ومع أنهم لم يبدعوا فيه إبداعهم في علم المناظر (البصريات)،
إلا أنهم توصلوا إلى استنباط بعض مبادئه وقوانينه الأساسية. عرف العرب هذا
العلم من خلال حركة النقل الأولى التي أخذوها من اليونانيين، إلا أن مادرسوه
كان محدودًا جدًا، لكنهم طوروه، وأضافوا إليه أشياء كثيرة. قسّم العلماء
المسلمين علم الحيل إلى قسمين: الأول يبحث في جر الأثقال بالقوة اليسيرة
والآلات المستخدمة فيه، والثاني يبحث في آلات الحركة وصنعة الأواني العجيبة.
فقد كانت لديهم آلات رفع متعددة الأشكال صمموها على أسس ميكانيكية تسهِّل جر
الأثقال. ذكر منها الخوارزمي البرطيس، والمخل، والبيرم، والآلة الكثيرة الرفع،
والإسفين، واللولب، والخنزيرة، والسهم، والأسطام، والمحيط، والإسقاطولي.
وصنعوا طواحين وعجلات ومضخات تسحب الماء؛ من أشهرها مضخة ابن الرزاز الجزري
التي يعدها البعض الجد الأقرب للآلة البخارية. وألّف المسلمون في علم مراكز
الأثقال؛ وهو علم يبحث في كيفية استخراج مركز ثقل الجسم المحمول. ومن العلماء
الذين صنفوا في هذا المجال أبو سهل الكوهي الذي قدّم في أبحاثه معالجة رياضية
للموضوع. كما صنف في ذلك أيضًا الخازن، فنجد في كتابه ميزان الحكمة
مباحث غنية في مراكز الأثقال. ويعد هذا الكتاب من أكثر الكتب استيفاء لبحوث
الميكانيكا. ويبدو من عرضه أنه كان يملك آلات لحساب الأوزان النوعية ولقياس
حرارة السوائل. ويفوق كتاب بديع الزمان بن الرزاز الجزري وعنوانه كتاب في
معرفة الحيل الهندسية ما سبقه من مؤلفات في مجال الميكانيكا؛ ذلك لأنه
يزودنا بكثير من المعلومات عن الفن الصناعي لدى العرب آنذاك؛ فهو أشمل منها
وأكثر تنوعًا في الحيل الهندسية، جمع فيه كل وسائل الصنع التي استخدمها من
سبقوه، وما أضافه بنفسه بوصفه معلمًا حِرَفيّاً. ويتناول في هذا الكتاب
الساعات، والأواني العجيبة، والإبريق والطست وإخراج الماء من الأعماق،
والآلات الزامرة والصور والأشكال التي صمم عليها آلاته.
ومن الذين برعوا في علم الحيل أبو الصلت بن أبي الصلت (ت 529هـ، 1134م)
الذي تسبب علمه في حبسه في مصر؛ إذ عرض أبو الصلت خدماته لانتشال سفينة غارقة
محملة بالنحاس قبالة ساحل الإسكندرية، وكانت حاجة الدولة الإسلامية له ملحة؛
لأن الزمن زمن الحروب الصليبية. وبنى الحاكم بناء على طلب أبي الصلت مركبًا
آخر ثم ربط المركب الغارق بحبال من الإبريسم (الحرير) المبروم وشُدّت إلى
دواليب (بكرات). وارتفع المركب الغارق حتى إذا ما حاذى سطح الماء انقطعت
الحبال وغاص المركب مرة أخرى. وعلى الرغم من إخفاق هذا المهندس، إلا أن
استعماله الحبال والبكرات المتعددة، يدلان على ما كان قد وصل إليه علم الحيل
في ذلك الوقت، وفي ذلك دلالة على براعته النظرية والتطبيقية. وربما غاب عنه
مبدأ أرخميدس الذي يقول إن كل جسم مغمور في سائل يفقد من وزنه بقدر وزن حجمه
من ذلك السائل. فلما ارتفع المركب على السطح صار وزنه أثقل من وزنه تحت الماء
فكان عليه إما أن يزيد عدد الحبال أو يفرغ بعضًا من حمولة المركب.
وأطلقوا عليها أحيانًا علم الآلات الروحانية و الحيل الروحانية.
وهي فرع من العلوم الفيزيائية التي لقيت قدرًا ليس بالقليل من اعتناء العلماء
العرب والمسلمين. ومع أنهم لم يبدعوا فيه إبداعهم في علم المناظر (البصريات)،
إلا أنهم توصلوا إلى استنباط بعض مبادئه وقوانينه الأساسية. عرف العرب هذا
العلم من خلال حركة النقل الأولى التي أخذوها من اليونانيين، إلا أن مادرسوه
كان محدودًا جدًا، لكنهم طوروه، وأضافوا إليه أشياء كثيرة. قسّم العلماء
المسلمين علم الحيل إلى قسمين: الأول يبحث في جر الأثقال بالقوة اليسيرة
والآلات المستخدمة فيه، والثاني يبحث في آلات الحركة وصنعة الأواني العجيبة.
فقد كانت لديهم آلات رفع متعددة الأشكال صمموها على أسس ميكانيكية تسهِّل جر
الأثقال. ذكر منها الخوارزمي البرطيس، والمخل، والبيرم، والآلة الكثيرة الرفع،
والإسفين، واللولب، والخنزيرة، والسهم، والأسطام، والمحيط، والإسقاطولي.
وصنعوا طواحين وعجلات ومضخات تسحب الماء؛ من أشهرها مضخة ابن الرزاز الجزري
التي يعدها البعض الجد الأقرب للآلة البخارية. وألّف المسلمون في علم مراكز
الأثقال؛ وهو علم يبحث في كيفية استخراج مركز ثقل الجسم المحمول. ومن العلماء
الذين صنفوا في هذا المجال أبو سهل الكوهي الذي قدّم في أبحاثه معالجة رياضية
للموضوع. كما صنف في ذلك أيضًا الخازن، فنجد في كتابه ميزان الحكمة
مباحث غنية في مراكز الأثقال. ويعد هذا الكتاب من أكثر الكتب استيفاء لبحوث
الميكانيكا. ويبدو من عرضه أنه كان يملك آلات لحساب الأوزان النوعية ولقياس
حرارة السوائل. ويفوق كتاب بديع الزمان بن الرزاز الجزري وعنوانه كتاب في
معرفة الحيل الهندسية ما سبقه من مؤلفات في مجال الميكانيكا؛ ذلك لأنه
يزودنا بكثير من المعلومات عن الفن الصناعي لدى العرب آنذاك؛ فهو أشمل منها
وأكثر تنوعًا في الحيل الهندسية، جمع فيه كل وسائل الصنع التي استخدمها من
سبقوه، وما أضافه بنفسه بوصفه معلمًا حِرَفيّاً. ويتناول في هذا الكتاب
الساعات، والأواني العجيبة، والإبريق والطست وإخراج الماء من الأعماق،
والآلات الزامرة والصور والأشكال التي صمم عليها آلاته.
جدول قياسات الخازن | ||||||||||||||||||||||||
|
ومن الذين برعوا في علم الحيل أبو الصلت بن أبي الصلت (ت 529هـ، 1134م)
الذي تسبب علمه في حبسه في مصر؛ إذ عرض أبو الصلت خدماته لانتشال سفينة غارقة
محملة بالنحاس قبالة ساحل الإسكندرية، وكانت حاجة الدولة الإسلامية له ملحة؛
لأن الزمن زمن الحروب الصليبية. وبنى الحاكم بناء على طلب أبي الصلت مركبًا
آخر ثم ربط المركب الغارق بحبال من الإبريسم (الحرير) المبروم وشُدّت إلى
دواليب (بكرات). وارتفع المركب الغارق حتى إذا ما حاذى سطح الماء انقطعت
الحبال وغاص المركب مرة أخرى. وعلى الرغم من إخفاق هذا المهندس، إلا أن
استعماله الحبال والبكرات المتعددة، يدلان على ما كان قد وصل إليه علم الحيل
في ذلك الوقت، وفي ذلك دلالة على براعته النظرية والتطبيقية. وربما غاب عنه
مبدأ أرخميدس الذي يقول إن كل جسم مغمور في سائل يفقد من وزنه بقدر وزن حجمه
من ذلك السائل. فلما ارتفع المركب على السطح صار وزنه أثقل من وزنه تحت الماء
فكان عليه إما أن يزيد عدد الحبال أو يفرغ بعضًا من حمولة المركب.