على الرغم من اهتمام العرب والمسلمين بالفيزياء، إلا أن ذلك الاهتمام لم
يرق إلى ما نالته الكيمياء من عناية. فقد بدا علم الكيمياء لديهم مستقلاً
واضحًا منذ مطلع نهضتهم العلمية، أما الفيزياء فقد كانت تمثل جانبًا من
الرياضيات حينًا أو فرعًا من فروع علم ما وراء الطبيعة حينًا آخر. لذا نجد أن
كثيرًا من المعلومات التي أدلوا بها حول علم الميكانيكا مبثوثة في كتب
الفلسفة، وليس في كتب العلوم كما قد يتبادر إلى الذهن، لأنهم اعتبروا أن فكرة
الزمان والمكان والحركة كلها أفكار تنتمي إلى الفلسفة. ولهم في مختلف فروع
هذا العلم ملاحظات كثيرة صائبة وملاحظات أخرى غير صائبة مبثوثة في تصانيف
كثيرة متنوعة. ولا ينبغي أن يتبادر للذهن أنهم كانوا متأخرين في هذا العلم
لأنهم لم يعتنوا به عنايتهم بالكيمياء، فهم في هذا العلم قد بزُّوا الأمم
المعاصرة لهم في كثير من فروعه مثل البصريات، والميكانيكا. كما خرجوا بآراء
طيبة في الجاذبية والمغنطيس، والصوت الذي طبقوا مبادئه على علم الموسيقى،
والثقل النوعي وغير ذلك. وقام علماء أفذاذ بطرح نظريات جديدة وبحوث مبتكرة.
وكان من بين هؤلاء العلماء أبناء موسى بن شاكر وابن الهيثم والبيروني وابن
سينا والخازن وغيرهم.
أخذ العرب مبادئ علم الفيزياء من اليونان؛ فقد ترجموا كتاب الفيزيكس
لأرسطو، وكتاب الحيل الروحانية و رفع الأثقال لأيرن، وكتاب
الآلات المصوتة على بعد 60 ميلاً لمورطس. كما اهتموا بمؤلفات أرخميدس
وهيرون، وطوَّروا نظرياتهما وأفكارهما في علم الميكانيكا. وبينما كان
اليونانيون يعتمدون كليًا على الأفكار الفلسفية المجردة والاستنباط العقلي،
نجد أن العلماء العرب والمسلمين اعتمدوا على التجربة والاستقراء، وتبنوا
الطريقة العلمية في البحث والاستقصاء، وطوروا ما ورثوه عن اليونانيين معتمدين
على التجربة العلمية التطبيقية. وقد أكسبت هذه الطريقة أعمالهم العلمية
الوضوح، ثم الانطلاق والإبداع الذي عرفت به منجزاتهم في مجال الطبيعة
والكيمياء والطب والصيدلة وخلافها.
ألّّف العلماء المسلمون فصولاً متخصصة وأحيانًا متناثرة في علم السوائل
وكيفية حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا طرقًا عديدة لاستخراجه. وتوصلوا
إلى معرفة كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقًا مطابقًا ـ أحيانًا ـ لما هو
عليه الآن أو مختلفاً عنه بفارق يسير. وكانت بحوثهم في الجاذبية مبتكرة،
وتوصل بعضهم مثل البوزجاني إلى أن هناك شيئًا من الخلل في حركة القمر يعود
إلى الجاذبية وخواص الجذب، وقد كانت هذه الدراسات، على بساطتها، ممهدة لمن
أتى بعدهم ليكتشف قانون الجاذبية ويضع أبحاثها في إطار أكثر علمية. كما بحثوا
في الضغط الجوي؛ ويبدو ذلك فيما قام به الخازن في ميزان الحكمة. كما
أن للمسلمين بحوثًا شيقة في الروافع. وقد تقدموا في هذا الشأن كثيرًا، وكانت
لديهم آلات كثيرة للرفع كلها مبنية على قواعد ميكانيكية تيسر عملية جر
الأثقال كما استخدموا موازين دقيقة جداً، وكان الخطأ في الوزن لا يعدو أربعة
أجزاء من ألف جزء من الجرام. وكتبوا في الأنابيب الشّعريَّة ومبادئها، وتعليل
ارتفاع الموائع وانخفاضها مما قادهم إلى البحث في التوتر السطحي
وأسبابه، وهم الذين اخترعوا كثيرًا من الأدوات الدقيقة لحساب الزمن والاتجاه
والكثافة والثقل النوعي.
أما فيما يخص البصريات فيمكن الجزم بأنه لولا إسهام المسلمين فيه،
والنتائج التي ترتبت على ذلك، لما تقدم كثير من العلوم الحديثة مثل الفلك
والطبيعة والضوء. على رأس من يذكرهم تاريخ العلم في هذا الصدد الحسن بن
الهيثم، الذي كانت أبحاثه وأعماله في هذا المجال المرجع المعتمد لدى أهل
أوروبا حتي وقت متأخر، وإليه يُعزى أول بحث عن أقسام العين وكيفية الإبصار
واكتشاف ظاهرة الانعكاس الضوئي، والانكسار الضوئي أو الانعطاف.
كما بحث المسلمون في كيفية حدوث قوس قزح وسرعة الضوء والصوت. وعرفوا أيضًا
المغنطيس واستفادوا منه في إبحارهم، ومن المحتمل أن بعض العلماء قد أجرى
التجارب البدائية في المغنطيسية. وبالجملة كانت المعلومات عن الميكانيكا،
والبصريات والضوء والصوت وخلافها من مباحث علم الطبيعة، مبعثرة لا رابط بينها.
وكانت تُبحث قبلهم من منظور يستند إلى المنهج العقلي والبحث الفلسفي، وكان
المغلوط فيها أكثر من الصواب؛ حتى الفكرة الأولية التي تقول إن للضوء وجودًا
في ذاته، لم تكن من الأمور المسلم بها، ولم يصبح علم الضوء علمًا له أهمية
إلا بعد أن بحث فيه المسلمون. واستنتج العلماء المسلمون نظريات جديدة وبحوثًا
مبتكرة لبعض المسائل الفيزيائية التي طرحها اليونان من جانب نظري بحت،
فتوصلوا من خلال بحثهم، إلى بعض القوانين المائية، وكانت لهم آراء في
الجاذبية الأرضية، والمرايا المحرقة وخواص المرايا المقعّرة، والثقل النوعي،
وانكسار الضوء وانعكاسه وعلم الروافع.
البصريات. عرف علم البصريات عند العرب باسم
علم المناظر. وكان المسلمون قد أخذوا أطراف هذا العلم من اليونانيين إبان
حركة الترجمة الأولى التي كان من بينها الكتب المتعلقة بعلم المناظر؛ وقاموا
بشرحها والتعليق عليها وتصحيح ما جاء فيها من أخطاء. وقام علماء مسلمون قبل
ابن الهيثم بالتأليف في هذا العلم مثل الكندي والرازي وإبراهيم بن سنان، إلا
أن هذا العلم لم يأخذ سمَتَه العلمية إلا على يدي الحسن بن الهيثم في مستهل
القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. واتبع العلماء المسلمون في بحوثهم
كلها ـ وما يتعلق بالضوء منها خاصة ـ منهجًا علمياً بنوه على الاستقراء
كثيرًا، وعلى الاستنباط أحيانًا، وكانوا يلجأون في ذلك كله إلى القياس بعد
المشاهدة والملاحظة. ولربما بالغوا أحيانًا في اعتماد التجارب، حتى أن عالمًا
مثل ابن الهيثم كان يعيد إجراء التجارب على عدد من الأمور التي كان
اليونانيون قد جربوها واستخرجوا لها القواعد.
في بادئ الأمر كان لابد أن يتأثر علم المناظر برؤى المنقول عنهم. وفي
موضوع الإبصار كان لدى المسلمين ثلاثة مذاهب هي: المذهب الرياضي، والمذهب
الطبيعي، ومذهب الحكماء الفلسفي؛ فالرياضيون يقولون إن الإبصار يحدث بشعاع
يخرج من العينين على هيئة مخروط، رأسه عند مركز البصر وقاعدته سطح المبصر.
أما الطبيعيون، من أمثال ابن سينا، فيخطّئون الرياضيين ويقولون إن الإبصار
إنما يكون بالانطباع؛ وذلك بصورة ترد من المُبْصَر (الجسم) إلى البصر ومنها
يدرك البصر صورة الجسم. أما المذهب الفلسفي فيقول إن الإبصار ليس بالانطباع
ولا بخروج الشعاع من العينين على هيئة مخروط، بل إن الهواء المشف الذي بين
الرائي والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الذي في البصر، ويصير بذلك آلة للإبصار.
بعد أن أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الموضوع تبدلت الصورة واتخذ الأمر
منعطفًا جديدًا، على الرغم من أنه قبل بعض المقولات السابقة، وعلى الرغم من
مخالفة بعض آرائه لمسلمات العلم الحديث.
ابن الهيثم وآراؤه في الضوء والبصريات. رفض ابن الهيثم (ت 429هـ، 1038م)
التسليم بكثير من آراء السابقين له في الضوء والبصريات مثل أقليدس وبطليموس.
وعلى الرغم من أن أقليدس قد سبقه في تناول أحد شطري قانون الانعكاس، كما سبقه
بطليموس إلى دراسة الانعطاف، إلا أن ابن الهيثم عُني بعلم المناظر عناية بزّ
بها من قبله، ومهّد الطريق لمن بعده؛ فلم تتحقق القياسات الموضوعية لزوايا
السقوط والانكسار إلا عام 988هـ، 1580م على يد تيخو براهي وكاسيني عام
1072هـ، 1661م وحققا ذلك على النمط الذي خططه ابن الهيثم. ويعد ابن الهيثم من
أعظم علماء عصره قاطبة في جميع فروع المعرفة وبخاصة الفيزياء، ويعد العالم
الذي أسس علم البصريات وأقام دعامته. وقد نال شهرة كبيرة بكتابه المناظر
الذي يحتوي على اكتشافات جديدة في الفيزياء ودراسات عميقة في انكسار
الضوء وانعكاسه. وكان السابقون له في علم البصريات يؤمنون أن الإبصار يتم
بخروج شعاع من البصر إلى المبصر. لا يعني هذا أن ابن الهيثم رفض كل ما جاء به
من سبقه، فهو يقبل منهم تعريف الضوء الذي يقول إنه "حرارة نارية تنبعث من
الأجسام المضيئة بذاتها كالشمس والنار". والضوء في رأيه نوعان عرضي
يصدر من الأجسام المضيئة بغيرها؛ أي التي تعكس الضوء كالقمر والمرآة،
والأجسام الأخرى التي في مقدورها أن تعكس الضوء. والثاني ذاتي يصدر عن
الأجسام المضيئة من نفسها؛ كالشمس والنار والجسم المتوهج. وتناول كيفية
امتداد الأضواء وانعكاسها وانعطافها، كما استقرأ الأحكام المتعلقة بذلك، وكان
يدلل على صدق آرائه بالبرهان الهندسي.
يرى ابن الهيثم أن الضوء شيء ماديّ؛ لذا فهو يرتد (ينعكس) إذا وقع على
الأجسام الصَّقيلة "فالضوء إذا لقي جسمًا صقيلاً فهو ينعكس عنه من أجل أنه
متحرك، ومن أجل أن الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غاية القوة، لأن
حركته في غاية القوة، ولأن الجسم الصقيل يمانعه ممانعة فعالة". وكان يقوم
بالتجريب لإثبات فرضياته، فقد قام من أجل إثبات قانون الانعكاس بشطريه بأخذ
كرات من الحديد وأسقطها من ارتفاعات مختلفة ليقف على مقدار ارتدادها، ويثبت
أن زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس. هذه التجارب التي أطلق عليها ابن
الهيثم اسم الاعتبار تكشف عن رؤية من قبيل نظرية الجسيمات في الضوء
التي جاء بها نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. فالضوء يتركب من دقائق
متناهية الصغر، وعندما تنتشر إما أن تنعكس عن الأجسام الصقيلة أو تنكسر في
الأجسام المشفة. وعندما تحدّث ابن الهيثم عن انعطاف الضوء وهو ما نسميه
حاليًا انكسار الضوء، رأى أن ذلك لا يتم آنياً؛ أي أن انتقاله في
الوسط المشف لا يكون دفعة واحدة وفي غير زمان، بل إنه يستغرق زمنًا معينًا
محدودًا بسرعة معينة، وأن سرعته في المشف الألطف أعظم من سرعته في المشف
الأغلظ، و "إذا كان الثقب مستترًا، ثم رفع الساتر فوصول الضوء من الثقب
المقابل، ليس يكون إلا في زمان، وإن كان خفيًا على العين". وهذا ما نعلمه
اليوم. عارض ديكارت (ت. 1062هـ،1650م) هذه النظرية بعد 500 عام من وفاة ابن
الهيثم حيث قال "إن مادة الهواء ممتدة من الثقب حتى السطح المقابل له حيث يرى
الضوء منعكسًا مثل عصا الأعمى إذا لمس شيء مقدمتها أحس به الأعمى في الطرف
الذي في يده فورًا دون زمان". وأخذ كثير من العلماء برأي ديكارت حتى منتصف
القرن التاسع عشر عندما أثبتت التجارب أن للضوء سرعة مقدارها 300,000كم في
الثانية.كما وجد ابن الهيثم أن هناك خصائص حيلية (ميكانيكية) في انعكاس الضوء
وانكساره؛ فقد لاحظ أن بين امتداد الضوء وانطلاق الجسم المادي في الهواء
شبهًا، إلا أن في الجسم المنطلق قوة تحركه إلى أسفل. ومن خصائص الضوء، أنه
يستمر في امتداده على السّمت (الاتجاه المستقيم) الذي بدأ به حتى يعترضه
ممانع (مقاوم)، فيتبدل حينئذ سيره من حيث الاتجاه والمقدار (الزيادة والنقص
في سرعته). كما توصل ابن الهيثم إلى النسبة التي يكون بها التبدل في اتجاه
الضوء وسرعته.
ومن إنجازاته في علم الضوء توصله من خلال النظرية التي أطلق عليها اسم
تكوين الظل عن طريق أجسام نورانية إلى الحصول على صورة لجسم ما، عند ولوج
الضوء الوارد منه خلال ثقب ضيق إلى مكان مظلم ليقع على حاجز أبيض، على ألا
يكون الثقب صغيرًا جدًا فيضعف ضوء الصورة فتختفي عن الحس، ولا يكون واسعًا
فيقل شبهها بالجسم الأصل، ولا يصبح واضحًا. وقام بأول تجربة بجهاز به ثقب
يشبه آلة التصوير. وعندما بلغ هذه النتيجة لم يكد يصدق عينيه عندما شاهد
العالم وقد أصبح أسفله أعلاه، فقد كان وضع الصورة وضعًا عكسيًا.
وكثير من الأبحاث الخاصة بالبصريات منذ روجر بيكون وفيتليو وليوناردو
دافينشي، اعتمد على الأساس البحثي الذي خلّفه ابن الهيثم؛ ففي ألمانيا عندما
بحث كبلر في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي في القوانين التي
اعتمد عليها جاليليو في صنع منظاره، أدرك أن خلف عمله هذا كانت تقف أبحاث ابن
الهيثم. وهناك مسألة مشهورة معقدة، نشأت في علم البصريات، حلها ابن الهيثم
بمعادلة من الدرجة الرابعة تعرف اليوم باسم مسألة الحسن.
ومن أعماله التطبيقية في البصريات أنه حسب الانعكاس الذي يحدث في قطاع
المرآة الكروية أو المخروطية؛ أي الإشعاعات المتوازية التي تلتقي في نقطة
الاحتراق، وفحص أثر الحرق وتكبير المرئيات ليس بوساطة المرآة المقعَّرة فحسب،
بل بوساطة الزجاج الحارق والعدسة وبذلك كان من ثمرة جهده صنع أول نظارة
للقراءة.
ومن آثار ابن الهيثم في العصر الحديث ما يطلق عليه الآن البؤرة.
فقد درس خواص المرايا المقعَّرة، وكيفية تجميع أشعة الشمس في نقطة واحدة تحدث
فيها حرارة شديدة. وهذا هو المبدأ عينه الذي يقوم عليه الفرن الشمسي المستعمل
في وقتنا الحاضر. ومن آثاره أيضًا ما يسمى حاليًا الزيغ الكروي الطولي
وهو مبحث يفيد كثيرًا في صناعة الآلات البصرية. فقد بيّن بالبراهين الهندسية
أن أشعة الشمس المنعكسة من سطح مرآة مقعرة لا تنعكس جميعها إلى نقطة واحدة،
وإنما تنعكس على خط مستقيم.
وصف ابن الهيثم أجزاء العين المهمة وطبقاتها لبيان عملها في نقل صور
المرئيات إلى الدماغ. كما وصف انطباع صورة الجسم المرئي في العين حتى بعد
غياب الشبح عن البصر، وأن أثر الضوء واللون يستمران فترة قد تطول أو تقصر بعد
لفت العين عن الشبح المرئي؛ فإذا أدام الإنسان النظر إلي جسم، أو إذا نظر إلى
جسم شديد الإشراق، ثم لفت عنه النظر أو أغمض عينيه؛ فإنه يظل يرى صورة ذلك
الجسم متمثلة له لبضع ثوان. وتحدَّث عن وضوح الرؤية، وإدراك الظلمة والظلال،
وشروط صحة الإبصار وأخطاء البصر التي تنتج عن غياب واحدة أو أكثر من شروط صحة
الإبصار. كما تحدث عن الوهم الذي يدرك به البصر الكواكب عظيمة عند الأفق،
وصغيرة في كبد السماء، وعزا ذلك إلى خطأ البصر (خداع البصر).
شرح ابن الهيثم بعض الظواهر الجوية التي تنشأ عن الانكسار. من ذلك
الانكسار الفلكي؛ فالضوء الذي يأتي من الأجرام السماوية يعاني انكسارًا
باختراقه الطبقة الهوائية المحيطة بالأرض. ويفسر هذا كيف أن النجم يظهر في
الأفق قبل أن يبلغه بالفعل، وأننا نرى الشمس عند الشروق أو الغروب في وقت لم
تصل فيه إلى مستوى الأفق بعد، بل تحته.كما لا يظهر قرصا الشمس و القمر
مستديرين تمامًا قرب مستوى الأفق بسبب هذا الانكسار بل يبدوان بيضيين. ومن
الظواهر الجوية التي بحث فيها؛ الهالة التي تبدو محيطة بالشمس أو
القمر، وعزا وجودها للانكسار، حينما يكون الجو مشبعًا بالبلورات الصغيرة من
الثلج أو الجليد، فإن الضوء الذي يمر خلالها ينكسر وينحرف بزاوية معلومة، ومن
ثم يصل الضوء إلى العين كأن مبعثه فقط حول الشمس أو القمر. وعلى الرغم من أنه
لم يوفق في بعض القضايا التي طرحها؛ مثل قوله في نماذج الألوان وأنها إذا
تمازجت غلب الأقوى منها الأضعف، وقوله أيضًا إن الكواكب مضيئة بذاتها، وأن
ضوءها ليس مكتسبًا من ضوء الشمس، إلا أننا نجد في أمثلته وحججه منطقًا يدفع
إلى الإقناع، ويبرهن على سلامة منهجه ودقته في الاستنتاج حتى وإن لم يوفق في
النتائج التي توصل إليها.
يرق إلى ما نالته الكيمياء من عناية. فقد بدا علم الكيمياء لديهم مستقلاً
واضحًا منذ مطلع نهضتهم العلمية، أما الفيزياء فقد كانت تمثل جانبًا من
الرياضيات حينًا أو فرعًا من فروع علم ما وراء الطبيعة حينًا آخر. لذا نجد أن
كثيرًا من المعلومات التي أدلوا بها حول علم الميكانيكا مبثوثة في كتب
الفلسفة، وليس في كتب العلوم كما قد يتبادر إلى الذهن، لأنهم اعتبروا أن فكرة
الزمان والمكان والحركة كلها أفكار تنتمي إلى الفلسفة. ولهم في مختلف فروع
هذا العلم ملاحظات كثيرة صائبة وملاحظات أخرى غير صائبة مبثوثة في تصانيف
كثيرة متنوعة. ولا ينبغي أن يتبادر للذهن أنهم كانوا متأخرين في هذا العلم
لأنهم لم يعتنوا به عنايتهم بالكيمياء، فهم في هذا العلم قد بزُّوا الأمم
المعاصرة لهم في كثير من فروعه مثل البصريات، والميكانيكا. كما خرجوا بآراء
طيبة في الجاذبية والمغنطيس، والصوت الذي طبقوا مبادئه على علم الموسيقى،
والثقل النوعي وغير ذلك. وقام علماء أفذاذ بطرح نظريات جديدة وبحوث مبتكرة.
وكان من بين هؤلاء العلماء أبناء موسى بن شاكر وابن الهيثم والبيروني وابن
سينا والخازن وغيرهم.
أخذ العرب مبادئ علم الفيزياء من اليونان؛ فقد ترجموا كتاب الفيزيكس
لأرسطو، وكتاب الحيل الروحانية و رفع الأثقال لأيرن، وكتاب
الآلات المصوتة على بعد 60 ميلاً لمورطس. كما اهتموا بمؤلفات أرخميدس
وهيرون، وطوَّروا نظرياتهما وأفكارهما في علم الميكانيكا. وبينما كان
اليونانيون يعتمدون كليًا على الأفكار الفلسفية المجردة والاستنباط العقلي،
نجد أن العلماء العرب والمسلمين اعتمدوا على التجربة والاستقراء، وتبنوا
الطريقة العلمية في البحث والاستقصاء، وطوروا ما ورثوه عن اليونانيين معتمدين
على التجربة العلمية التطبيقية. وقد أكسبت هذه الطريقة أعمالهم العلمية
الوضوح، ثم الانطلاق والإبداع الذي عرفت به منجزاتهم في مجال الطبيعة
والكيمياء والطب والصيدلة وخلافها.
ألّّف العلماء المسلمون فصولاً متخصصة وأحيانًا متناثرة في علم السوائل
وكيفية حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا طرقًا عديدة لاستخراجه. وتوصلوا
إلى معرفة كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقًا مطابقًا ـ أحيانًا ـ لما هو
عليه الآن أو مختلفاً عنه بفارق يسير. وكانت بحوثهم في الجاذبية مبتكرة،
وتوصل بعضهم مثل البوزجاني إلى أن هناك شيئًا من الخلل في حركة القمر يعود
إلى الجاذبية وخواص الجذب، وقد كانت هذه الدراسات، على بساطتها، ممهدة لمن
أتى بعدهم ليكتشف قانون الجاذبية ويضع أبحاثها في إطار أكثر علمية. كما بحثوا
في الضغط الجوي؛ ويبدو ذلك فيما قام به الخازن في ميزان الحكمة. كما
أن للمسلمين بحوثًا شيقة في الروافع. وقد تقدموا في هذا الشأن كثيرًا، وكانت
لديهم آلات كثيرة للرفع كلها مبنية على قواعد ميكانيكية تيسر عملية جر
الأثقال كما استخدموا موازين دقيقة جداً، وكان الخطأ في الوزن لا يعدو أربعة
أجزاء من ألف جزء من الجرام. وكتبوا في الأنابيب الشّعريَّة ومبادئها، وتعليل
ارتفاع الموائع وانخفاضها مما قادهم إلى البحث في التوتر السطحي
وأسبابه، وهم الذين اخترعوا كثيرًا من الأدوات الدقيقة لحساب الزمن والاتجاه
والكثافة والثقل النوعي.
أما فيما يخص البصريات فيمكن الجزم بأنه لولا إسهام المسلمين فيه،
والنتائج التي ترتبت على ذلك، لما تقدم كثير من العلوم الحديثة مثل الفلك
والطبيعة والضوء. على رأس من يذكرهم تاريخ العلم في هذا الصدد الحسن بن
الهيثم، الذي كانت أبحاثه وأعماله في هذا المجال المرجع المعتمد لدى أهل
أوروبا حتي وقت متأخر، وإليه يُعزى أول بحث عن أقسام العين وكيفية الإبصار
واكتشاف ظاهرة الانعكاس الضوئي، والانكسار الضوئي أو الانعطاف.
كما بحث المسلمون في كيفية حدوث قوس قزح وسرعة الضوء والصوت. وعرفوا أيضًا
المغنطيس واستفادوا منه في إبحارهم، ومن المحتمل أن بعض العلماء قد أجرى
التجارب البدائية في المغنطيسية. وبالجملة كانت المعلومات عن الميكانيكا،
والبصريات والضوء والصوت وخلافها من مباحث علم الطبيعة، مبعثرة لا رابط بينها.
وكانت تُبحث قبلهم من منظور يستند إلى المنهج العقلي والبحث الفلسفي، وكان
المغلوط فيها أكثر من الصواب؛ حتى الفكرة الأولية التي تقول إن للضوء وجودًا
في ذاته، لم تكن من الأمور المسلم بها، ولم يصبح علم الضوء علمًا له أهمية
إلا بعد أن بحث فيه المسلمون. واستنتج العلماء المسلمون نظريات جديدة وبحوثًا
مبتكرة لبعض المسائل الفيزيائية التي طرحها اليونان من جانب نظري بحت،
فتوصلوا من خلال بحثهم، إلى بعض القوانين المائية، وكانت لهم آراء في
الجاذبية الأرضية، والمرايا المحرقة وخواص المرايا المقعّرة، والثقل النوعي،
وانكسار الضوء وانعكاسه وعلم الروافع.
البصريات. عرف علم البصريات عند العرب باسم
علم المناظر. وكان المسلمون قد أخذوا أطراف هذا العلم من اليونانيين إبان
حركة الترجمة الأولى التي كان من بينها الكتب المتعلقة بعلم المناظر؛ وقاموا
بشرحها والتعليق عليها وتصحيح ما جاء فيها من أخطاء. وقام علماء مسلمون قبل
ابن الهيثم بالتأليف في هذا العلم مثل الكندي والرازي وإبراهيم بن سنان، إلا
أن هذا العلم لم يأخذ سمَتَه العلمية إلا على يدي الحسن بن الهيثم في مستهل
القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. واتبع العلماء المسلمون في بحوثهم
كلها ـ وما يتعلق بالضوء منها خاصة ـ منهجًا علمياً بنوه على الاستقراء
كثيرًا، وعلى الاستنباط أحيانًا، وكانوا يلجأون في ذلك كله إلى القياس بعد
المشاهدة والملاحظة. ولربما بالغوا أحيانًا في اعتماد التجارب، حتى أن عالمًا
مثل ابن الهيثم كان يعيد إجراء التجارب على عدد من الأمور التي كان
اليونانيون قد جربوها واستخرجوا لها القواعد.
في بادئ الأمر كان لابد أن يتأثر علم المناظر برؤى المنقول عنهم. وفي
موضوع الإبصار كان لدى المسلمين ثلاثة مذاهب هي: المذهب الرياضي، والمذهب
الطبيعي، ومذهب الحكماء الفلسفي؛ فالرياضيون يقولون إن الإبصار يحدث بشعاع
يخرج من العينين على هيئة مخروط، رأسه عند مركز البصر وقاعدته سطح المبصر.
أما الطبيعيون، من أمثال ابن سينا، فيخطّئون الرياضيين ويقولون إن الإبصار
إنما يكون بالانطباع؛ وذلك بصورة ترد من المُبْصَر (الجسم) إلى البصر ومنها
يدرك البصر صورة الجسم. أما المذهب الفلسفي فيقول إن الإبصار ليس بالانطباع
ولا بخروج الشعاع من العينين على هيئة مخروط، بل إن الهواء المشف الذي بين
الرائي والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الذي في البصر، ويصير بذلك آلة للإبصار.
بعد أن أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الموضوع تبدلت الصورة واتخذ الأمر
منعطفًا جديدًا، على الرغم من أنه قبل بعض المقولات السابقة، وعلى الرغم من
مخالفة بعض آرائه لمسلمات العلم الحديث.
ابن الهيثم وآراؤه في الضوء والبصريات. رفض ابن الهيثم (ت 429هـ، 1038م)
التسليم بكثير من آراء السابقين له في الضوء والبصريات مثل أقليدس وبطليموس.
وعلى الرغم من أن أقليدس قد سبقه في تناول أحد شطري قانون الانعكاس، كما سبقه
بطليموس إلى دراسة الانعطاف، إلا أن ابن الهيثم عُني بعلم المناظر عناية بزّ
بها من قبله، ومهّد الطريق لمن بعده؛ فلم تتحقق القياسات الموضوعية لزوايا
السقوط والانكسار إلا عام 988هـ، 1580م على يد تيخو براهي وكاسيني عام
1072هـ، 1661م وحققا ذلك على النمط الذي خططه ابن الهيثم. ويعد ابن الهيثم من
أعظم علماء عصره قاطبة في جميع فروع المعرفة وبخاصة الفيزياء، ويعد العالم
الذي أسس علم البصريات وأقام دعامته. وقد نال شهرة كبيرة بكتابه المناظر
الذي يحتوي على اكتشافات جديدة في الفيزياء ودراسات عميقة في انكسار
الضوء وانعكاسه. وكان السابقون له في علم البصريات يؤمنون أن الإبصار يتم
بخروج شعاع من البصر إلى المبصر. لا يعني هذا أن ابن الهيثم رفض كل ما جاء به
من سبقه، فهو يقبل منهم تعريف الضوء الذي يقول إنه "حرارة نارية تنبعث من
الأجسام المضيئة بذاتها كالشمس والنار". والضوء في رأيه نوعان عرضي
يصدر من الأجسام المضيئة بغيرها؛ أي التي تعكس الضوء كالقمر والمرآة،
والأجسام الأخرى التي في مقدورها أن تعكس الضوء. والثاني ذاتي يصدر عن
الأجسام المضيئة من نفسها؛ كالشمس والنار والجسم المتوهج. وتناول كيفية
امتداد الأضواء وانعكاسها وانعطافها، كما استقرأ الأحكام المتعلقة بذلك، وكان
يدلل على صدق آرائه بالبرهان الهندسي.
يرى ابن الهيثم أن الضوء شيء ماديّ؛ لذا فهو يرتد (ينعكس) إذا وقع على
الأجسام الصَّقيلة "فالضوء إذا لقي جسمًا صقيلاً فهو ينعكس عنه من أجل أنه
متحرك، ومن أجل أن الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غاية القوة، لأن
حركته في غاية القوة، ولأن الجسم الصقيل يمانعه ممانعة فعالة". وكان يقوم
بالتجريب لإثبات فرضياته، فقد قام من أجل إثبات قانون الانعكاس بشطريه بأخذ
كرات من الحديد وأسقطها من ارتفاعات مختلفة ليقف على مقدار ارتدادها، ويثبت
أن زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس. هذه التجارب التي أطلق عليها ابن
الهيثم اسم الاعتبار تكشف عن رؤية من قبيل نظرية الجسيمات في الضوء
التي جاء بها نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. فالضوء يتركب من دقائق
متناهية الصغر، وعندما تنتشر إما أن تنعكس عن الأجسام الصقيلة أو تنكسر في
الأجسام المشفة. وعندما تحدّث ابن الهيثم عن انعطاف الضوء وهو ما نسميه
حاليًا انكسار الضوء، رأى أن ذلك لا يتم آنياً؛ أي أن انتقاله في
الوسط المشف لا يكون دفعة واحدة وفي غير زمان، بل إنه يستغرق زمنًا معينًا
محدودًا بسرعة معينة، وأن سرعته في المشف الألطف أعظم من سرعته في المشف
الأغلظ، و "إذا كان الثقب مستترًا، ثم رفع الساتر فوصول الضوء من الثقب
المقابل، ليس يكون إلا في زمان، وإن كان خفيًا على العين". وهذا ما نعلمه
اليوم. عارض ديكارت (ت. 1062هـ،1650م) هذه النظرية بعد 500 عام من وفاة ابن
الهيثم حيث قال "إن مادة الهواء ممتدة من الثقب حتى السطح المقابل له حيث يرى
الضوء منعكسًا مثل عصا الأعمى إذا لمس شيء مقدمتها أحس به الأعمى في الطرف
الذي في يده فورًا دون زمان". وأخذ كثير من العلماء برأي ديكارت حتى منتصف
القرن التاسع عشر عندما أثبتت التجارب أن للضوء سرعة مقدارها 300,000كم في
الثانية.كما وجد ابن الهيثم أن هناك خصائص حيلية (ميكانيكية) في انعكاس الضوء
وانكساره؛ فقد لاحظ أن بين امتداد الضوء وانطلاق الجسم المادي في الهواء
شبهًا، إلا أن في الجسم المنطلق قوة تحركه إلى أسفل. ومن خصائص الضوء، أنه
يستمر في امتداده على السّمت (الاتجاه المستقيم) الذي بدأ به حتى يعترضه
ممانع (مقاوم)، فيتبدل حينئذ سيره من حيث الاتجاه والمقدار (الزيادة والنقص
في سرعته). كما توصل ابن الهيثم إلى النسبة التي يكون بها التبدل في اتجاه
الضوء وسرعته.
ومن إنجازاته في علم الضوء توصله من خلال النظرية التي أطلق عليها اسم
تكوين الظل عن طريق أجسام نورانية إلى الحصول على صورة لجسم ما، عند ولوج
الضوء الوارد منه خلال ثقب ضيق إلى مكان مظلم ليقع على حاجز أبيض، على ألا
يكون الثقب صغيرًا جدًا فيضعف ضوء الصورة فتختفي عن الحس، ولا يكون واسعًا
فيقل شبهها بالجسم الأصل، ولا يصبح واضحًا. وقام بأول تجربة بجهاز به ثقب
يشبه آلة التصوير. وعندما بلغ هذه النتيجة لم يكد يصدق عينيه عندما شاهد
العالم وقد أصبح أسفله أعلاه، فقد كان وضع الصورة وضعًا عكسيًا.
وكثير من الأبحاث الخاصة بالبصريات منذ روجر بيكون وفيتليو وليوناردو
دافينشي، اعتمد على الأساس البحثي الذي خلّفه ابن الهيثم؛ ففي ألمانيا عندما
بحث كبلر في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي في القوانين التي
اعتمد عليها جاليليو في صنع منظاره، أدرك أن خلف عمله هذا كانت تقف أبحاث ابن
الهيثم. وهناك مسألة مشهورة معقدة، نشأت في علم البصريات، حلها ابن الهيثم
بمعادلة من الدرجة الرابعة تعرف اليوم باسم مسألة الحسن.
ومن أعماله التطبيقية في البصريات أنه حسب الانعكاس الذي يحدث في قطاع
المرآة الكروية أو المخروطية؛ أي الإشعاعات المتوازية التي تلتقي في نقطة
الاحتراق، وفحص أثر الحرق وتكبير المرئيات ليس بوساطة المرآة المقعَّرة فحسب،
بل بوساطة الزجاج الحارق والعدسة وبذلك كان من ثمرة جهده صنع أول نظارة
للقراءة.
ومن آثار ابن الهيثم في العصر الحديث ما يطلق عليه الآن البؤرة.
فقد درس خواص المرايا المقعَّرة، وكيفية تجميع أشعة الشمس في نقطة واحدة تحدث
فيها حرارة شديدة. وهذا هو المبدأ عينه الذي يقوم عليه الفرن الشمسي المستعمل
في وقتنا الحاضر. ومن آثاره أيضًا ما يسمى حاليًا الزيغ الكروي الطولي
وهو مبحث يفيد كثيرًا في صناعة الآلات البصرية. فقد بيّن بالبراهين الهندسية
أن أشعة الشمس المنعكسة من سطح مرآة مقعرة لا تنعكس جميعها إلى نقطة واحدة،
وإنما تنعكس على خط مستقيم.
وصف ابن الهيثم أجزاء العين المهمة وطبقاتها لبيان عملها في نقل صور
المرئيات إلى الدماغ. كما وصف انطباع صورة الجسم المرئي في العين حتى بعد
غياب الشبح عن البصر، وأن أثر الضوء واللون يستمران فترة قد تطول أو تقصر بعد
لفت العين عن الشبح المرئي؛ فإذا أدام الإنسان النظر إلي جسم، أو إذا نظر إلى
جسم شديد الإشراق، ثم لفت عنه النظر أو أغمض عينيه؛ فإنه يظل يرى صورة ذلك
الجسم متمثلة له لبضع ثوان. وتحدَّث عن وضوح الرؤية، وإدراك الظلمة والظلال،
وشروط صحة الإبصار وأخطاء البصر التي تنتج عن غياب واحدة أو أكثر من شروط صحة
الإبصار. كما تحدث عن الوهم الذي يدرك به البصر الكواكب عظيمة عند الأفق،
وصغيرة في كبد السماء، وعزا ذلك إلى خطأ البصر (خداع البصر).
شرح ابن الهيثم بعض الظواهر الجوية التي تنشأ عن الانكسار. من ذلك
الانكسار الفلكي؛ فالضوء الذي يأتي من الأجرام السماوية يعاني انكسارًا
باختراقه الطبقة الهوائية المحيطة بالأرض. ويفسر هذا كيف أن النجم يظهر في
الأفق قبل أن يبلغه بالفعل، وأننا نرى الشمس عند الشروق أو الغروب في وقت لم
تصل فيه إلى مستوى الأفق بعد، بل تحته.كما لا يظهر قرصا الشمس و القمر
مستديرين تمامًا قرب مستوى الأفق بسبب هذا الانكسار بل يبدوان بيضيين. ومن
الظواهر الجوية التي بحث فيها؛ الهالة التي تبدو محيطة بالشمس أو
القمر، وعزا وجودها للانكسار، حينما يكون الجو مشبعًا بالبلورات الصغيرة من
الثلج أو الجليد، فإن الضوء الذي يمر خلالها ينكسر وينحرف بزاوية معلومة، ومن
ثم يصل الضوء إلى العين كأن مبعثه فقط حول الشمس أو القمر. وعلى الرغم من أنه
لم يوفق في بعض القضايا التي طرحها؛ مثل قوله في نماذج الألوان وأنها إذا
تمازجت غلب الأقوى منها الأضعف، وقوله أيضًا إن الكواكب مضيئة بذاتها، وأن
ضوءها ليس مكتسبًا من ضوء الشمس، إلا أننا نجد في أمثلته وحججه منطقًا يدفع
إلى الإقناع، ويبرهن على سلامة منهجه ودقته في الاستنتاج حتى وإن لم يوفق في
النتائج التي توصل إليها.