تتسارع الأحداث على الساحة الدولية بشكل غير مسبوق هذه الأيام ويبدو أن للأمر علاقة مباشرة
برزمة العقوبات التي فرضت مؤخرا على إيران حيث بدأ التطبيق الفعلي لهذه العقوبات بشكل واسع
لم تتوقعه إيران خصوصا من دول الاتحاد الأوروبي والتي بدأت فعلا بتضييق الخناق على الخطوط الجوية
الإيرانية ومنع دخولها لبعض المجالات الجوية لبعض الدول والامتناع عن اعادة تزويدها بالوقود في بعض
المطارات وما هذا سوى البداية فقط .


ليس هذا موضوعنا ولكن أردت أن تكون هذه نقطة البداية في محاولة لسبر بعض الأمور المتداخلة والتي
دفعت بالرئيس الأمريكي إلى الضغط على الفلسطينيين بهدف العودة إلى المفاوضات المباشرة بالسرعة
الممكنة ودعوة نتنياهو الى البيت الأبيض للتفاهم على ما يجب اتخاذه من خطوات تجاه البرنامج النووي
الإيراني وتعزيز قرار إسرائيل بعدم الاعتذار لتركيا على مهاجمة أسطول الحرية وقتل تسعة أتراك على متن
السفينة مرمره .


يعد هذا الأسلوب من أنجع أساليب العمل السياسي في القرن الحالي وهو أسلوب الإطلاق على أكثر من
هدف في وقت واحد ولا يمكن للاعب واحد ممارسة هذه اللعبة فهي تؤدى عن طريق لاعبين يلعبان معا
وليس أحدهما ضد الآخر بحيث يتقاسم اللاعبان النقاط التي يتم تحقيقها .


لماذا لقاء أوباما نتنياهو الآن :



أولا : حاجة أوباما :

- ما حصل في الآونة الأخيرة من التسرب النفطي الحاصل في منصة ديب ووتر هوريزون في خليج المكسيك
شكل مادة غنية لليمين الأمريكي لفتح النار على أوباما وحكومته وشن حملة مسعورة ضده ابتدأتها صحيفة
الواشنطن تايمز المعروفة بميولها اليمينية عندما كتبت في عددها الصادر في 16/06/2010 ” إن التصرف العقيم
للرئيس الأمريكي مع حادثة التسرب النفطي في خليج المكسيك ينم عن قيادة مثيرة للشفقة”(انتهى الاقتباس).
كذلك أظهرالاستطلاع الأسبوعي للرأي الذي يجريه معهد جالوب الى هبوط شعبية الرئيس أوباما الى معدل 46%
تماما مثلما فعلت الأزمة التي أحدثها الإعصار كاترينا على شعبية الرئيس السابق جورج بوش .


- الضربة الثانية التى تلقاها أوباما مؤخرا تمثلت في الأزمة التي أثارها القائد العسكري للقوات الأمريكية في أفغانستان
ستانلي ماكريستال والتي ادت الى اقالته على خلفية تهكمه على الرئيس وعلى فريق عمله في مقالة نشرتها مجلة أمريكية .
هذه الأزمة لم تكن وليدة الصدفة ولكنها جزء من حملة أوسع تشن على الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يطمح
بالفوز بفترة رئاسية ثانية.


- تشكل انتخابات الكونجرس النصفية التي ستجري في نوفمبر القادم مفترق طرق صعب بالنسبة لأوباما الذى يسعى
إلى احتفاظ الديمقراطيين بتفوقهم العددي في الوقت الذي يمتلك نتنياهو فيه الورقة الأقوى التي من شأنها قلب الطاولة
على رأس الديمقراطيين وذلك من خلال تجنيد جماعات الضغط اليهودية الأمريكية التي يمكنها ضخ الأموال اللازمة
لنجاح مرشحي الحزب الجمهوري.




ثانيا : حاجة نتنياهو:

- شكل شبح قطع العلاقات التركية مع إسرائيل هاجسا مرعبا لحكومة نتنياهو وما زال, وقد يعتقد البعض
بأن أزمة العلاقات التركي الإسرائيلية بدأت مع هجوم الجيش الإسرائيلي على قافلة الحرية قبالة سواحل غزة
وهذا غير صحيح ففي شهر يناير الماضي صوت البرلمان الإسرائيلي على مشروع قرار بسحب الثقة من حكومة
نتنياهو على خلفية الأزمة الدبلوماسية التي نشأت على خلفية المسلسل التركي “وادي الذئاب” حين تم استدعاء
السفير التركي في تل أبيب حيث تعرض للإهانة من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية ويدرك نتنياهو جيدا بأن الأتراك
لن يغفروا له ولحكومته هذه الخطيئة ولن يهدأ لهم بال حتى إسقاط هذه الحكومة .


- الضربة الثانية التي تلقتها حكومة نتنياهو تمثلت في القرار الأخرق بمهاجمة قافلة الحرية في المياه الدولية وقتل تسعة
أتراك على متنها, الأمر الذي حرك المعارضة الإسرائيلية مجددا لملاحقة نتنياهو وحزبه الحاكم بحجة الضرر البالغ
الذي ألحقته هذه العملية على صورة اسرائيل في العالم .

- يواجه نتنياهو تحديات كبيرة للحفاظ على حكومته الحالية تتمثل في عدة ملفات رئيسية وأهمها ملف الجندي الأسير
جلعاد شاليط والذي يتهم نتنياهو بتعطيل صفقة التبادل مع حماس, كذلك ملف البرنامج النووي الإيراني الذي أدى إلى
إدراج الملف النووي الإسرائيلي على جدول أعمال اجتماع فيينا للطاقة النووية للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية .


وهنا توقع المحللون السياسيون بأن مباحثات واشنطن بين أوباما ونتنياهو لن تصل إلي نتيجة محددة فيما يتعلق
بخطط الإدارة الأمريكية التي تري ان تحريك ملف الصراع بين إسرائيل والجانب الفلسطيني بشكل ايجابي يقود
إلي قيام الدولة الفلسطينية ، سيساهم كثيراً في فرض الاستقرار داخل أفغانستان والعراق من ناحية وسيوقف تنامي
دور طهران العابث بالمخططات الأمريكية في المنطقة من ناحية أخري .


هذا بينما يري نتنياهو أن موقف أوباما في أفغانستان وانسداد أفق تشكيل الحكومة العراقية قبل شهرين من بدء
انسحاب القوات الأمريكية من العراق ، تفرضان علي واشنطن أن تضع ملف السلاح النووي الإيراني علي رأس
اهتماماتها ومن ثم عليها العمل على تأجل قيام الدولة الفلسطينية والتركيز على الملف الإيراني لما يشكله من تهديد
لمصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة بشكل أكبر من الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا الاستيطان والقدس .


لذلك رأينا كيف أجاد نتنياهو اللعب بورقة الخطوات التي قام بها لتخفيف الحصار عن غزة والوعود بإدخال
تسهيلات أكبر على الأرض إذا قبلت السلطة الوطنية الفلسطينية بفكرة الانتقال إلي المفاوضات المباشرة
وإذا واصلت حماس وقف إطلاق النار وتساهلت في شروط إبرام صفقة أطلاق سراح الجندي الأسير لديها جلعاد شليط .


على ضوء ما تقدم يبرز تساؤل كبير ” أين نحن من هذا الاجتماع ؟ “.

مرة أخرى وليست الأخيرة يستخدم الملف الفلسطيني في لعبة الحفاظ على المصالح الأمريكية الإسرائيلية وتحديدا
الأحزاب الحاكمة في كلا البلدين .

الى متى يبقى بنا الحال هكذا وكلما اقتربنا خطوة تراجعنا عشرات وفي كل مرة تمنحنا فيها الأحداث فرصة لاستنهاض
الرأي العام الدولي لجهة مساندة حقوقنا المشروعة ضمن القنوات الدولية التي سلكتها اسرائيل منذ العام 1947
وبشكل مثالي بدءا باستغلالها الأمثل للقرار رقم 181 بِشأن تقسيم فلسطين وهو القرار الذي استندت إليه إسرائيل
في الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بإعلان استقلالها وإنشاء دولة يهودية في فلسطين مرورا
بالقرار 273 الخاص بقبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة .


لقد آن الأوان لنهج نفس الأسلوب الإسرائيلي في التعامل مع الملف الفلسطيني وفق القانون الدولي ومن
خلال الأمم المتحدة ولدينا رصيد هائل من القرارات التي تثبت حقوقنا والدعم الدولي من كثير من الدول الصديقة
والدول المحبة للسلام مما يمكننا من خوض هذه المعركة الحقوقية بشكل فعال إن نحن أحسنا استخدام طاقاتنا
البشرية والعلاقاتية الصحيحة, إن هذا هو المخرج الحقيقي من فخ المفاوضات التي ما إن تبدأ حتى تتوقف
من جديد, هذا السيناريو الذي أخذ منا عشرات السنين وسيأخذ منا عشرات السنين القادمة إن لم نتحول
وبشكل قاطع إلى المحافل الدولية والمطالبة بإعادة الأمور إلى نصابها القانوني. وأسجل هنا تأييدي المطلق لما تناقلته
وسائل الإعلام الأسبوع الماضي على لسان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في اجتماع باريس بأننا سنذهب
إلى مجلس الأمن اذا لم تحقق المفاوضات الغير مباشرة أي تقدم وذلك على أساس القرار 1515 لإعلان الدولة الفلسطينية.