الهندسة الوراثية وأثرها على الإنسان وطعامه

التعريف

1 - الهندسة الوراثية مركب وصفي من كلمتين :

أ - الهندسة ، والمقصود بها التحكم في وضع المورثات (الجينات) ، وترتيب صيغها الكيميائية فكاً (قطع الجينات عن بعضها البعض)، ووصلا ( وصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها ) ، وذلك باستخدام الطرق العلمية .

ب - الوراثية ، والمقصود بها الجينات ، وهي الصيغ الكيميائية التي يتكون منها الكائن الحي .

2 -وترجـع جـذور الهندسة الوراثية إلى عام 1953 م عندما اكتشف العالمان : واطسون وكريك تركيب حمض DNA (الدنا) الكروموزومات (الصبغيات) حيث كان من المعروف أن خلية الإنسان تحتوي على 23 زوجا من الكروموزومات ، وكلها متشابهة ما عدا الزوج الجنسي ، فهو موجود على شكل كروموزوين أحدهما كبير X ، والآخر قصير Y ، ويتكون كل كروموزوم من سلسلتين من حمض DNA (الدنا) تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني ، وكشف العالمان واطسون وكريك البنية الحقيقية لتركيبة الدنا ، والذي يقدر مجموعه في كل خلية بشرية على شكل شريط كاسيت طوله 2800 كم . والحامض النووي (الدنا) عبارة عن مجموعة من النيوكليوتيدات ، وتتكون كل نيوكليوتيدة من :

أ - مجموعة فوسفات ، وسكر خماسي .

ب - مجموعة قاعدة نيترووجينية ، وهي عبارة عن " الأدنين ، والسايتوزين ، والجوانين ، والثايمين ، بحيث أن الثايمين في إحدى السلسلتين يرتبط مع الأدنين في السلسلة الأخرى ، وأن السايتوزين يرتبط مع الجوانين .

وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأحماض النووية (الدنا) هي التي تحمل المعلومات الوراثية .

ثم تلي ذلك معرفة الطريقة التي كتبت بها المعلومات الحيوية الوراثية على صورة شفرة كيميائية .



وفي عام 1974 م تمكن العالم ستانلي كوهين من استعمال طريقة الترقيع الجيني ، وهي ما تعرف بعملية التهجين الكروموزومي من ضفدع إلى بكتريا القولون . وفي العام نفسه جرت أول مناقشة علنية لتجارب إعادة تنظيم المادة الوراثية (الدنا) أو ما يعرف بالتقنية الهندسية للدنا ، وتبع ذلك إنشاء أول مؤسسة للاستفادة من تقنيات الهندسة الوراثية بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهي ما تعرف بجينيك ، وكان العقد الزمني ما بين 1980 ـ 1990م عقداً حافلاً بتطبيقات كثيرة للهندسة الوراثية كإنتاج الأنسولين ، ونقل جينات من نبات إلى آخر .

3 - عندما بدأ التفكير في الهندسة الوراثية كان على أساس خدمة الإنسان من خلال التعديل الوراثي الذي يتم تحقيقه بإحدى طريقتين :

الطريقة الأولى : غير مباشرة ، وتكون بتغيير وتعديل التركيب الوراثي في الكائنات ، وأمثلة ذلك كثيرة منها : التحور الجيني في النبات ، والاستزراع الجيني في الكائنات الدقيقة مثل البكتريا ، وهندسة الحيوانات وراثيا ، أو ما يعرف باستحداث سلالة من الحيوانات المعدلة وراثيا .

الطريقة الثانية : مباشرة ، وتكون بتغيير وتعديل التركيب الوراثي في الإنسان نفسه، وذلك لمحاولة تحسين الوضع الصحي للمرضى المصابين وراثيا ببعض الأمراض ، أو الدراسة المبكرة للأجنة من خلال الاستقصاء الوراثي المبكر للأجنة . وجميع هذه الدراسات تقع تحت مفهوم المعالجة بالجينات .

4 -الحق أن تطبيقات الهندسة الوراثية يكتنفها شيء من الغموض فيما يخص الأخطار المستقبلية سواء بالنسبة للإنسان أو غيره من الكائنات .

أ - أما الأخطار التي تتعلق بتطبيقات الهندسة الوراثية في النبات والحيوان والأحياء الدقيقة فمنها : عدم وجود ضوابط في المجتمع العلمي تضمن عدم اللعب الوراثي لسلامة الحيوانات ، فبعض الحيوانات المحورة وراثيا تحمل جينة غريبة يمكن أن تعرض الصحة البشرية أو البيئية للخطر .

ب - وأما الأخطار التي تتعلق بتطبيقات الهندسة الوراثية في الإنسان فمنهـا : التـلاعب الوراثي في الخلايا الجرثومية ( الجذعية ) التي ستولد خلايا جنسية مستقبلا عند البلوغ ( حيوانات منوية وبييضات) ، مما يفضي إلى الخلط في الأنساب . ومن الأخطار أيضا : الضرر المتوقع من المعاجلة الجينية ، فلا تزال تحت التجارب مما يجعل احتمالية الوفاة أو التشوهات بسبب الفيروسات التي تستخدم في النقل الجيني ، أو بسبب الفشل في تحديد موضوع الجينة على الشريط الصبغي (1) .

الرأي الفقهي الذي اختارته المنظمة وحيثياته :

انتهت الندوة الثانية عشرة سنة 1998 م بشأن الهندسة الوراثية إلى التفريق بين الإنسان وغيره من الكائنات :

1 - أما استخدام الهندسة الوراثية للإنسان : فيجوز لمنع المرض أو العلاج بضوابط مراعاة المصلحة ودرء المفسدة وعدم اختلاط الأنساب .

2 - وأما استخدام الهندسة الوراثية في النبات والحيوان : فيجوز مطلقا مع مراعاة ثلاثة أمور :

الأمر الأول : التحذير من حدوث أمراض على المدى البعيد تضر بالإنسان أو البيئة .

الأمر الثاني : وجوبية إبانة المصدر النباتي أو الحيواني هل هو طبيعي أو معالج وراثيا؟، ونسبة المعالجة ؛ لتبصير المستهلكين بالحقيقة .

الأمر الثالث : النصح بشأن الغذاء الحيواني والنباتي بأخذ توصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية ، ومنظمة الصحة العالمية ،ومنظمة الأغذية العالمية ، ودعت الندوة إلى إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته .

فقد جاء في توصيات الندوة الثانية عشرة سنة 1998 م ما يلي :

" تدارست الندوة موضوع " الهندسة الوراثية " وما اكتنفها منذ ميلادها في السبعينات من هذا القرن من مخاوف مرتقبة إن دخلت حيز التنفيذ بلا ضوابط ؛ إذ هي سلاح ذو حدين قابل للاستعمال في الخير أو في الشر .

ورأت الندوة : جواز استعمالها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه ، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينا بجين ، أو تولج جينا في خلايا مريض ، وكذلك إيداع جين من كائن في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين لاستعماله دواءً لبعض الأمراض ، مع منع استخدام الهندسة الوراثية على الخلايا الجنسية ؛ لما فيه من محاذير شرعية . وتؤكد الندوة : ضرورة أن تتولى الدول توفير مثل هذه الخدمات لرعاياها المحتاجين لها من ذوي الدخول المتواضعة ؛ نظرا لارتفاع تكاليف إنتاجها .

وترى الندوة : أنه لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة والعدوانية ، أو في تخطي الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات قصد تخليق كائنات مختلفة الخلقة بدافع التسلية أو حب الإسطلاع العلمي .

كذلك ترى الندوة : أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية سياسة لتبديل البنية الجينية فيما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، ولذا فإن أي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان ، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعا .

وتحذر الندوة من أن يكون التقدم العلمي مجالاً للاحتكار ، وأن يكون الحصول على الربح هو الهدف الأكبر ، مما يحول بين الفقراء وبين الإستفادة من هذه الإنجازات ، وتؤيد توجُّه الأمم المتحدة في هذا المجال إلى إنشاء مراكز للأبحاث للهندسة الوراثية في الدول النامية ، وتأهيل الأطر البشرية اللازمة ، وتوفير الإمكانات اللازمة لمثل هذه المراكز .

ولا ترى الندوة حرجا شرعيا في استخدام الهندسة الوراثية في : حقل الزراعة ، وتربية الحيوان ، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي حذرت مؤخرا من احتمالات حدوث أضرار على المدى البعيد تضر بالإنسان أو الحيوان أو النبات أو البيئة .

وترى الندوة : أن على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي : أن تبين للجمهور فيما يعرض للبيع ما هو محضّر بالهندسة الوراثية مما هو طبيعي مائة بالمائة ؛ ليتم استعمال المستهلكين لها عن بينة . كما توصي الندوة الدول باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج ، والأخذ بتوصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية ، ومنظمة الصحة العالمية ، ومنظمة الأغذية العالمية في هذا الخصوص .