من المهم جداً عند اتخاذ قرار المقاطعة التجارية تحديد الهدف منها، والتي تختلف من حال إلى حال، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان.

فتارة تكون المقاطعة حصاراً لعدو يُراد استسلامه وإخلاء بلاده بما فيها، وتارة تكون إرغاماً له وإضعافاً لإمكاناته، وتارة تكون ثأراً وانتقاماً لاعتداء بدا منه، وتارة تكون ضغطاً عليه لاسترجاع حق اغتصبه...، وهكذا.

[color=orange]فمن الضروري تحديد هدف المقاطعة الذي يتحدد من خلاله المدى الزمني للمقاطعة، كما يُحكم على المقاطعة بالنجاح أو الفشل بناءً على تحقق الهدف أو عدمه، وهذا ما يجعل القضية منضبطة شرعاً، غير خاضعة لعواطف جياشة أو حماسة مندفعة، وفي الوقت ذاته يغلق الباب في وجوه المخذّلين والمثبطين، ممن ينادي بعدم جدوى المقاطعة، وأنها ما هي إلا تفريغ شحنة عاطفية ما تلبث أن تنطفئ!



وفي قضية الدانمارك اليوم التي تقررت فيها المقاطعة شاع بين الناس خطأً أن الهدف منها هو أخذ حق النبي صلى الله عليه وسلم ممن سخر منه وهزئ به، عن طريق المقاطعة!

وإنما قلت: "خطأً"؛ لوقوع خلط في هذا المفهوم بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وواجب الأمة تجاه الاعتداء والتطاول عليه صلى الله عليه وسلم، فالسخرية والانتقاص الذي أظهرته تلك الرسوم اعتداء على حقه صلى الله عليه وسلم، وحقه صلى الله عليه وسلم شخصي محض، بمعنى أن أخذ الحق فيه أو العفو عنه متعلق بشخصه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لا يمكن لأحد مهما اتخذ من أسباب أن يدعي أنه استوفى حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأن صاحب الحق فقط هو الذي يقرر استيفاء الحق من عدمه، ولا يسع الأمة كلها أن تتنازل عنه، أو تطالب بمطالب (اعتذار أو غيره) ترى أنه يستوفي الحق له صلى الله عليه وسلم، ولهذا صرّح الفقهاء بأن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم يُقتل ولا يُستتاب؛ لأن التوبة هنا متعلقة بحق شخصي، ولا محل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لاستعفائه، ولهذا: فلا المقاطعة ولا غيرها من الوسائل يُقال عنها: إنها تستوفي حق النبي صلى الله عليه وسلم أو تُسقطه... فلماذا المقاطعة إذن ؟


إننا إنما ندعو إلى المقاطعة قياماً بواجب الأمة في القضية، لا استيفاءً لحق النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا نحتاج إلى التفريق بين المسألتين: بين حق النبي صلى الله عليه وسلم في القضية، وواجب الأمة فيها...

أما حقه فقد تقدم، وأما واجب الأمة فهو النصرة والتعزير والتوقير، على حدّ قول الله سبحانه: {إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً`لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه}، وواجب النصيحة له صلى الله عليه وسلم بالدفاع عنه والذبّ عن عرضه والنيل ممن تعرض له بسوء وإن قلّ، وواجب المحبة المتضمنة لافتدائه صلى الله عليه وسلم بالأنفس والأموال والأعراض، ومعاداة من عاداه، ومحاربة من آذاه.

وهذه الواجبات المتعلقة بالأمة هي الدوافع لقرار المقاطعة، فالهدف منها إذن: هو إبراء الذمة بذلك، وإقامة شاهد المحبة له صلى الله عليه وسلم بالسخط على من تعرض له بأذىً أو ناله بسوء، وردعه وكفّ باطله، وضمان ألا يعود لذلك، وألا يتجرّأ غيره فيفعل فعلته الوقحة، وبالتالي فإن هذه المقاطعة – طالت أو قصرت- لا علاقة لها بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وطالما كان الغرض منها ما ذُكر فلا حرج أن تُحدّ بحدود يكون فيها: بذل المعاذير من المعتدي، والاعتراف بالجريرة، والتماس العفو والصفح، في ندم تام، وعهد غليظ بعدم تكرار ذلك، واستبدال الإحسان - قولاً وفعلاً - بإساءته تلك...، وغير ذلك مما يتحقق معه الهدف من المقاطعة، الذي لن يُسقط – بحال – حق النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ثمامة السابق شاهد على إيقاف المقاطعة بأمره صلى الله عليه وسلم متى لاحت في ذلك المصلحة؛ إذ لم يكن الغرض منها قتلهم جوعاً، بل سوقهم إلى الهداية سَوقاً !![/ [/color