إن أول طريق النجاح في الحياة هو
نجاحك في إدارة ذاتك والتعامل مع نفسك بفعالية، وإن الفشل مع النفس يؤدي غالباً
إلى الفشل في الحياة عموماً وربما إلى الفشل في الآخرة والعياذ بالله ( إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، والتغيير قد يكون إيجابياً للأفضل، وقد
يكون سلبياً للأسوأ، وقد يظهر لنا أن بعض الناس نجح في الحياة وإن فشل في إدارة
ذاته.
والحقيقة إن ذلك وهم خادع وطلاء ظاهر
تحته الشقاء والتعاسة التي ستنكشف عند أول هزة وبئس النجاح المزعوم الذي في داخل
صاحبه غياهب من الشقاء وأكداس من التعاسة وإن مرحت بصاحبه المراكب الفارهة وتبوأ
في نظر الناس المناصب العالية أو امتلك الثروات الطائلة.
وإليك أيها القارئ الكريم بعض القواعد
العامة التي إذا حولها الإنسان إلى عمل في حياته تحقق له بإذن الله ما يُمكن أن
نطلق عليه إدارة الذات بفعالية :
1- أدِّ حقوق الله – سبحانه وتعالى –
عليك واستعن به فيما ينوبك من أمور الحياة ( إياك نعبد وإياك نستعين) ؛ لأن
الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له أمور حياته، وإذا تعرف الإنسان
إلى ربه وقت الرخاء وجده وقت الشدة (احفظ الله يحفظك) ومن ضيع حقوق ربه فهو لما سواها
أضيع (نسوا الله فنسيهم).
ورحم الله القائل: ( في القلب شعث لا
يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلاّ الأنس به، وفيه حزن لا
يذهبه إلاّ السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلاّ الفرار إليه،
وفيه فاقة لا يسدها إلاّ محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي
الدنيا وما فيها لم تُسدّ تلك الفاقة أبداً).
كن مع الله يكن معك، وحينئذٍ فلن تخيب
سعيك إن شاء الله.
2- أملأ ذهنك بالتفاؤل وتوقع النجاح بإذن
الله ، وليكن الاستبشار دائماً ، مسيطراً على فكرك وشعورك ( بشروا ولا تنفروا ).
3- عوّد نفسك على أن تكون أهدافك في كل
عمل تقوم به سامية واضحة كما تقدم معنا في الحديث عن الأهداف.
4- ألزم نفسك بالتخطيط لأمور حياتك
المختلفة وابتعد عن الفوضى والارتجالية في أعمالك قدر الإمكان ، نظم جهدك واتجه
لهدف واضح محدد واحذر الفوضى في مسيرتك لهدفك، وقد تقدم الحديث عن التخطيط في
الحياة في مكان سابق.
5- حوّل خططك في السعي نحو أهدافك إلى
عمل ملموس وواضح حي، وابتعد عن التسويف والبطالة، وسيأتي عن ذلك مزيد حديث إن شاء
الله.
6- احذر من ضياع شيء من وقتك دون عمل فهو
ضياع الحياة، واحرص على أن تتقدم نحو أهدافك كل يوم ولو خطوة واحدة، فمن سار على
الدرب وصل، وقد تقدم الحديث عن الاستغلال الأمثل للزمن قبل قليل.
7- نظم أمورك بكتابة مواعيدك والتزاماتك
والتعود على حفظها، وكذلك تنظيم وتصنيف أشياءك في منزلك ومكتبك وسيارتك وغيرها
بطريقة مناسبة تسهل عليك التعامل معها، وقد سبق الحديث عن ذلك أيضاً في مبحث
(تنظيم الحياة شرط لنجاحها).
8- قاوم محاولات النفس للهروب من الأعمال
الجادة المهمة إلى المتعة واللهو باستمرار، وسيأتي عن ذلك مزيد بيان إن شاء الله.
9- لا تنسى أن الأعمال أكثر من الأوقات،
وحنيئذٍ فإياك أن تضيع أوقاتك في التوافه من الأمور بل قدم الأهم من الأعمال على
ما سواه.
10- ليكن شعارك المبادرة والمسارعة إلى كل
خير ومفيد مضى لا يعود أبداً والحياة سباق وهي أقصر من أن تنتظر أو تؤجل أو تسوف
فيها.
11- إذا رأيت من عاداتك سيئاً أو معوقاً
عن التقدم لأهدافك فعالجه واستبدله بخير منه، ولا يكن للعادات عليك من سلطان إلاّ
بقدر ما فيها من حق ونفع، والعادة هي ما يفعله الإنسان بصورة آلية متكررة دون جهد
فكري أو مشقة بدنية والعادات مكتسبة ؛ ولذلك يُمكن تغييرها واستبدالها عند الحاجة
لذلك، وإن كان في الأمر مشقة، فمن عوَّدَ نفسه فعل الخير والعمل والإنتاج اعتاد
ذلك، ومن عوَّدها الفساد في الأرض أو البطالة والكسل والخمول اعتاد ذلك.
12- اجعل القيم والمبادئ الاعتقادية فوق
المساومات ولتكن موجهة لكل نشاط في حياتك ، وإن لم تكن كذلك والعياذ بالله فأنت
أول من يحتقر نفسك وإن يجلك الآخرون ومدحوا.
13- اجعل البحث عن الحق ديدنك، واحذر
النفاق بجميع صوره واشكاله، واصدع بكملة الحق بأدب وعفة وصدق ونَمِّ في نفسك
القدرة على الحسم عند مفترق الطرق بين الحق والباطل.
14- واجه نتائج أعمالك بشجاعة وصبر وثبات
ومسئولية محتسباً كل ما يصيبك عند ربك، ولتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما
أخطاك لم يكن ليصيبك رفعت الأقلام وجفت الصحف، واحذر من كثرة الشكوى والضجر فهما
من صفات الضعفاء (شر ما في
الرجل شح هالع وجبن خالع) (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
15- لا تجعل شخصيتك كالزجاج الشفاف الذي
يسهل كشف ما وراءه ومعرفة حقيقته، لكل عابر سبيل، ففي الحياة الكثير من الفضوليين
والمتطفلين بل والاشرار، واجعل لذلك باباً موثقاً وحارساً أميناً يأتمر بامرك
فيفتح ذلك في الوقت المناسب وبالقدر المناسب ولمن هو أهل لذلك ويغلق عند الحاجة
لذلك.
وهذا يستدعي منك أن تتمرَّن على ضبط
مشاعرك وأحاسيسك وعدم الاسترسال في إبرازها ما لم يكن في ذلك مصلحة، وان تحتفظ
بهدوئك ورباطة جأشك في المواقف المثيرة والجادة، وأن تختار كلماتك بعناية فيها،
وخلاصة القول ليكن التعبير عن اشتعال عواطفك مدروساً.
16- اجعل مثلك الأعلى وقدوتك الدائم
محمداً صلى الله عليه وسلم إذ أنه هو الذي بلغ أعلى درجات الكمال الإنسان، ولن
تبحث عن حل لمشكلة في أي جانب من جوانب حياتك إلاَّ وجدت ذلك الحل في سيرته العطرة
صلى الله عليه وسلم، وهذا يستدعي منك أن تكون دائم المطالعة لسيرته والبحث في
طريقته.
17- تسلّح بروح الفكاهة والمرح دائماً من
غير إسفاف ولا مبالغة ، وإذا ادلهمت الخطوب فابتسم لها ؛ لأن الحزن والتقطيب
منهكان للنفس منهكان للجسد مشوشان للفكر.
18- احذر من الخيال الجامح المحلّق في
سماء الأوهام كما تحذر من التشاؤم المفرط المحطم للآمال، وكن وسطاً بين طرفين،
زاوج بين الخيال والواقع.
وألْجِم نزوات العواطف بنظرات العقل،
وأنر أشعة العقل بلهب العواطف، وألزم الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشف الحقائق
في أضواء الخيال الزاهية البراقة.
19- لا تغرق في الكماليات فتهلك في الترف
بل تزود من المتاع بما يكفيك في مسيرك نحو أهدافك ، ولا يثقل على كاهلك ( اخشوشنوا
فإن النعم لا تدوم)، ومن أصبح أسير الشهوات والملذات صعب عليه تركها وأصبحت إرادته
هشة ضعيفة.
20- أخيراً اعلم أن في كل إنسان صفات ضعف
وصفات قوة وهو أعلم الناس بحقيقة نفسه ما لم يكابر أو يجهل ، فالعاقل الموفق هو من
وجّه حياته وعمله وتخصصه نحو ما فيه من صفات القوة ونأى بنفسه وحياته عن نقاط
الضعف في شخصيته.
فكم من جوهرة تخطف الأبصار بأصفى
الأشعة وأبهاها مستكنة في أغوار المحيطات المظلمة، وكم من زهرة استقامت على عودها
في الصحراء مضيعة شذاها العطري مع سافيات البيداء ولو أُكتشفت هذه وتلك لكان لهما
شأن آخر.