لا شك ان القراءة من اهم الوسائل لزيادة الوعي الثقافي بين الشعوب , ففي ظل عالم متسارع التطور وفي ظل انعدام اهتمام العرب بعادة القراءة على مستوى الشعب، ظهرت حالة من الخلل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي ادي بنا الي ما نحن فيه من تخلف وتأخر عن الركب العالمي.
فما حدث لنا نحن العرب هو أننا بعد انكشافنا على الحضارة الحديثة ركزنا على المختلفات المعرفية ومنتجات المعرفة والعلم وهي التخصصات العلمية المتنوعة ومنتجاتها –وهي الأشد خطورة في تأثيرها- مثل السيارة أو الطيارة أو التلفون المحمول أو السلاح. ولم ننتبه إلى المشتركات المعرفية وهي المعلومات المتطورة القادرة على التواجد في معظم العقول دون الحاجة إلى التخصص؛ أي المعلومات الثقافية والفكرية التي تنتج ابداعا وتطورا قادرا علي حل جميع المشكلات التي تعاني منها امتنا العربية .
فنحن للاسف نفتقد وبشدة الي عقيدة التعود علي القراءة وبد ان كان العرب حتي اخر 300 عام منتجون ومبدعون ومساهمون جيدون في الحضارة الانسانية صاروا علي علي الانسانية يقتاتون علي ما ينتجه الغرب والامم الاخري من طعام ومنتجات وسلع وخدمات وقل ما ينتدنوه واقتصر في كثير من الاحوال علي ما وهبته الطبيعة لهم من بترول ومعادن .
فهناك علاقة وطيدة بين انتشار المعرفة في شعوب العالم وانتشار الوصول إلى حالة الحكم الجماعي (وهو التوصيف العلمي للديمقراطية)
فاذا عملنا مقارنة بين الأحزاب السياسية في الدول المتقدمة على مستوى انتشار عادة القراءة وبين أحزاب الشعوب التي تعاني من أمية ثقافية. نلاحظ أن الفروق بين الأحزاب في الصنف الأول فروق بسيطة أي صحية. فهي ليست معدومة بحيث تؤدي على الجمود وفي نفس الوقت ليست كبيرة بحيث تؤدي إلى التصادم والتفتت والاختلاف. على عكس الأحزاب في المجموعة الثانية التي هي دائم في تناحر وتصادم.
وبالنسبة لموضوع سيادة القانون تلاحظ وبكل وضوح كيف أن حكومات الشعوب غير القارئة تتميز بالعنف الشديد والقسوة على مستوى تطبيق القانون ويكون التعامل بالألم الجسدي هو سيد الموقف!
ولهذا ظهرت في العالم العربي بشكل تلقائي حالة الدولة الأمنية في العصر الحديث ولم تظهر في الشعوب المتقدمة ثقافياً. وإحصاءات عدد أفراد الأجهزة الأمنية حول العالم أكبر دليل. والتي تظهر الفروق الكبيرة بين الشعوب القارئة وغير القارئة.
والقراءة وما يتبعها من زيادة الوعي الثفافي للشعوب تؤدي الي زيادة تبادل المعلومات والمعرفة بين افراد الشعب مما يفرز عملا جماعيا علي جميع المستويات. ولكن في حالتنا كامة عربية حالية حيث يقل او يكاد ينعدم التبادل المعرفي والثقافي بين افراد الشعب , فان ظهور العمل المشترك على مستوى منظومة الوعي الجماعي يكاد يكون مستحيلا وهو ما حادث بالفعلوبالتالي استحال الوصول إلى حالة الحكم الجماعي على مستوى الوعي وعليه لا ديمقراطية حقيقية تسود المجتمع. ويقع المواطن رغماً عن كل أمانيه وآماله بين خيارين أحلاهما مر، فإما دكتاتورية الحكم المحلي -الذي جاء نتيجة عوامل هامة جداً حاولنا ذكر بعضها- وإما ديمقراطية التدخل الأجنبي. ويحتار الجميع في مسألة أيهما أقل ضرراً بمصالح الوطن وأقل إحراجاً للسمعة الشخصية.
علاقة القراءة والانتخاب
فإذا كان الشعب يعاني من خلل جسيم في منظومته المعرفية وخاصة النقص الشديد في المشتركات المعرفية فهذا يعني أن قدرة الفرد على التمييز سوف تكون أقل...! الأمر الذي ينعكس بالضرورة سلبا على اختيار المرشحين!
وبهذا يصبح لدينا تناقض عز نظيره في هذا العالم؛ إذ يصبح أشرار اليابان على سبيل المثال أفضل من أصحاب القلوب الطيبة من العرب...! كمقارنة بين شعوب ذات نسب مشتركات معرفية عالية ونسب مشتركات معرفية قليلة وغير كافية!
فالياباني السيئ بكل تأكيد هو شخص أناني لا يرى في هذه الدنيا سوى مصلحته الشخصية عكس الياباني الطيب! ولكن هذا الياباني الشرير والذي على استعداد أن يؤذي الآخرين في سبيل مصلحته لن يسمح في نفس الوقت للآخرين بأن يؤذوه. هذا الأمر يعني أن هذا الشرير سوف يختار أفضل الناس عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع! وبهذا يخدم المجتمع مع أنه شخص شرير....!
في حين أن العربي الطيب القلب لن يكون قادرا على التمييز بالشكل المطلوب بين المرشحين الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى عدم القدرة على اختيار الأفضل! فيضر طيب القلب هذا مجتمعه ونفسه وأهله دون أن يدري...!
القراءة والابداع
فالمشتركات المعرفية في حقيقة الأمر هي العنصر الأساس في عملية الابداع، فهي المسئول الأساس في التشبيك واصطياد المعلومات الأهم التي تتطاير أمام العقل البشري...! ولهذا كنا دائما نتسائل لماذا الكثير من الأفكار البسيطة والهامة لا ينتبه لها إلا الشعوب ذات نسب القراءة العالية! وكأنهم يرون ما لا يراه أحد!
الفرق بين الفكر وأي معلومة أخرى هو أن الفكر والإبداع هو المعلومة الأقدر على التغيير للحصول على التركيب الأشمل أي التطور (كأحد تعريفاته) المعلومة التي تغير للافضل تبني وتعمر تزيد من التطور الحضاري وتفيد الناس والشعوب علي كافة المستويات.
. والمشتركات المعرفية هي في نهاية الأمر معلومات تعمل على التغيير (أي التركيب التطوري) الشمولي لأنها تتواجد في جميع العقول أصلاً. فإذا كان المجتمع فاقداً للمشتركات المعرفية المتطورة فإن قدرة المجتمع على التركيب الفكري الشمولي ستكون في أسوء أحوالها كما هو حادث الآن في بلاد العرب كما جاء في تقارير التنمية البشرية.
فالعرب الانتاج المعرفي والمعلوماتي بشكل عام ضعيف جدا وبالتالي الانتاج المعرفي للمعلومات الارقي الاكثر اهمية والاكثر فائدة نادر جدا ويكاد يكون معدوما في بلاد العرب .
لكن ماذا تقول لنا احصاءات نسب القراءة في الوطن العربي؟ للأسف لم يتغير شيء يستحق الذكر وربما الأوضاع من سيء إلى أسوء والسبب ليس بمعضلة! أن كل ما يقال بحق الثقافة هو مديح في نهاية الأمر، وليست آلية علمية أو بناء علمي منهجي يبين للمواطن العربي أهمية المعلومة الثقافية من منظور علمي بحت وكما هو حاصل مع التخصصات العلمية الأخرى. وهذا بالضبط ما يطرحه علم "منظومة العقل الجمعي" والذي أسميته أيضاً بـ"علم الثقافة".
القراءة والتقدم
يقاس تقدم الشعوب ورقيها بما تنتجه من ادوات المعرفة والمعلومات والتي من اهمها الكتاب فكلما زاد الانتاج المعرفي في دولة ما يزيد معه الانتاج العلمي وتزيد التطبيقات التكنولوجية لهذا الانتاج المعرفي والتقني وبالتالي تزداد تقدم الدولة .
وفي الغرب ودول العالم المتقدم يقاس الانتاج المعرفي والمعلوماتي للدولة بالكم الذي تنتجه من كتب في شتي المجالات المعرفية وبعدد الذين يقرأون هذه الكتب، والدقائق التي يستهلكونها يوميا في قراءتها، كما ينطبق ذلك على الشعوب المتخلفة بشكل معاكس, فكلما زاد انتاج الكتاب والكتّاب والقارئين زاد الانتاج الاقتصادي وتطور المجتمع تكنولوجيا وعلميا وثقافيا واجتماعيا. لذلك فإن أكثر المجتمعات تخلفا وفقرا تلك التي تقبع في أدنى السلّم البشري من حيث انتاج الكتاب ومن حيث استهلاكه بالقراءة.
ولعل الأمم التي وعت أهمية الكتاب هي الأكثر تطورا وازدهارا واستقرارا من غيرها، لأنه يقدم لها الوعي على طبق من ذهب، ويضع العلوم كافة تحت تصرفها، أما الآداب وما يتعلق بها فهي أيضا لم تصل إلى عقول الناس وبنياتهم الفكرية لولا هذا الجليس الذي لا يستغني عنه أحد.
ولكن ما حالنا نحن امة اقرأ مع الكتاب
هل نحن نقرأ بما فيه الكفاية
هل نقرأ بدرجة تكفي لاحداث طفرة علمية وثقافية لنا
هل نقرأ كفاية لتنمية عقولنا وتغذية ارواحنا
هل نقرأ كفاية لحماية ثراوتنا ومقدراتنا بل لحماية حياتنا وانفسنا من مخاطر عديدة تحيط بنا.
الجواب اننا لانقرأ كفاية بل ان كثير ممن يقراون هذه الايام في بلادنا يقرأون ما لا يفيد ولا يضيف لهم شيئا . ومنذ اربعون عاما قال احد قواد اعدائنا ان العرب لن ينتصرون عليهم لانهم لا يقرأون واذا قرأوا لايفهمون واذا فهموا لايطبقون.
إذا ركبت مع أوربي وجدته جالسا منغمساً يقرأ في كتاب، وإذا ركبت مع عربي وجدته يبصبص كالذئب العاوي، أو كالعاشق الهاوي، يتعرف على الركاب، ويهزر مع الأصحاب والأحباب او يلعب في هاتفه المحمول . بينه وبين الكتاب عقدة نفسية، ونحن أمة (اقرأ)، ولكن ثقلت علينا المعرفة، وخف علينا القيل والقال، ولو سألت أكثر الشباب: ماذا قرأت اليوم ؟ وكم صفحة طالعت ؟ لوجدت الجواب: صفر ، مع العلم أن غالب الشباب بطين سمين بدين، كسول لأنه مجتهد في تناول البرجر والبيتزا، وكل ما وقعت عليه العين ووصل إلى اليدين , يضيع وقته وعمره وماله علي المقاهي يدخن السجائر والشيشة ينفق مئات الجنهيات شهريا علي السجائر والموبيل والسينما ولا يشتري كتاب ب20جنيها كل شهر, يقضي ساعات علي الانترنت في دردشة فارغة المحتوي والمضمون ولا يبحث عن موضوع علمي جاد يفيده ويزيد من ثقافته ومهارته.
اصبح حال الامة يدعو للرثاء فنحن لا نقرأ وبالتالي ليس لدينا كم من المعارف لدرء الخطر من علينا ولنأخذ مثلا مشكلة انفلونزا الطيور في مصر ونتسأل هل لدينا علماء متخصصون في علم الفيروسات Virology وعلم الوبائيات وهل عددهم كاف وهل يمتلكون الخبرة والمعرفة والمهارة لانتاج الامصال واللقاحات ومكافحة الامراض الوبائية المعدية وهل لدينا كم مدرب مؤهل متخصص كمساعدين لهؤلاء العلماء
الجواب بالطبع لا للاسف لا يوجد داخل مصر معمل جيد متخصص في علم الفيروسات باستثناء معمل ابحاث البحرية الامريكية النمرو وهو معمل تابع للولايات المتحدة .
كيف نكون قاعدة علمية جيدة من شبابا الباحثين ونحن امة لا تقرأ ولا تقدر القرأءة ولا تحترم العلماء ولا تهتم بالبحث العلمي الذي اهم روافده الاساسية الثقافة العلمية المتخصصة الجادة بالقراءة الواعية العميقة لاهم مشكلات حياتنا .
نحن نحتفي بلاعبي الكرة ونترك العلماء بلا تقدير أو موارد حتي اوشكنا علي الضياع والقادم اسوأ فمن لا يعرف في هذا الزمان فلا يحزن لو حدث له ما لايحمد عقباه من تخلف ومرض وموت وهلاك.
أننا نريد في أن نرسل رسالة إلى الشباب الأطفال والأسر وكل الأجيال بأننا لا يمكن أن نتقدم بدون القراءة لأنها نافذة على الانتاج العالمي والانساني وهي الهوية ومنها ننطلق للانفتاح على العالم" وانها السبيل الوحيد لانقاذ من يمكن انقاذه من تراث وحياة ومقدرات هذه الامة.
كتبت هذه المقالة بالاستعانة بمقالة (كمرجع ونقل بعض الجمل منها ) للكاتب مهند عبد الله –فلسطين بعنوان العرب وأسباب فشلهم بأشكال العمل الجماعي.
فما حدث لنا نحن العرب هو أننا بعد انكشافنا على الحضارة الحديثة ركزنا على المختلفات المعرفية ومنتجات المعرفة والعلم وهي التخصصات العلمية المتنوعة ومنتجاتها –وهي الأشد خطورة في تأثيرها- مثل السيارة أو الطيارة أو التلفون المحمول أو السلاح. ولم ننتبه إلى المشتركات المعرفية وهي المعلومات المتطورة القادرة على التواجد في معظم العقول دون الحاجة إلى التخصص؛ أي المعلومات الثقافية والفكرية التي تنتج ابداعا وتطورا قادرا علي حل جميع المشكلات التي تعاني منها امتنا العربية .
فنحن للاسف نفتقد وبشدة الي عقيدة التعود علي القراءة وبد ان كان العرب حتي اخر 300 عام منتجون ومبدعون ومساهمون جيدون في الحضارة الانسانية صاروا علي علي الانسانية يقتاتون علي ما ينتجه الغرب والامم الاخري من طعام ومنتجات وسلع وخدمات وقل ما ينتدنوه واقتصر في كثير من الاحوال علي ما وهبته الطبيعة لهم من بترول ومعادن .
فهناك علاقة وطيدة بين انتشار المعرفة في شعوب العالم وانتشار الوصول إلى حالة الحكم الجماعي (وهو التوصيف العلمي للديمقراطية)
فاذا عملنا مقارنة بين الأحزاب السياسية في الدول المتقدمة على مستوى انتشار عادة القراءة وبين أحزاب الشعوب التي تعاني من أمية ثقافية. نلاحظ أن الفروق بين الأحزاب في الصنف الأول فروق بسيطة أي صحية. فهي ليست معدومة بحيث تؤدي على الجمود وفي نفس الوقت ليست كبيرة بحيث تؤدي إلى التصادم والتفتت والاختلاف. على عكس الأحزاب في المجموعة الثانية التي هي دائم في تناحر وتصادم.
وبالنسبة لموضوع سيادة القانون تلاحظ وبكل وضوح كيف أن حكومات الشعوب غير القارئة تتميز بالعنف الشديد والقسوة على مستوى تطبيق القانون ويكون التعامل بالألم الجسدي هو سيد الموقف!
ولهذا ظهرت في العالم العربي بشكل تلقائي حالة الدولة الأمنية في العصر الحديث ولم تظهر في الشعوب المتقدمة ثقافياً. وإحصاءات عدد أفراد الأجهزة الأمنية حول العالم أكبر دليل. والتي تظهر الفروق الكبيرة بين الشعوب القارئة وغير القارئة.
والقراءة وما يتبعها من زيادة الوعي الثفافي للشعوب تؤدي الي زيادة تبادل المعلومات والمعرفة بين افراد الشعب مما يفرز عملا جماعيا علي جميع المستويات. ولكن في حالتنا كامة عربية حالية حيث يقل او يكاد ينعدم التبادل المعرفي والثقافي بين افراد الشعب , فان ظهور العمل المشترك على مستوى منظومة الوعي الجماعي يكاد يكون مستحيلا وهو ما حادث بالفعلوبالتالي استحال الوصول إلى حالة الحكم الجماعي على مستوى الوعي وعليه لا ديمقراطية حقيقية تسود المجتمع. ويقع المواطن رغماً عن كل أمانيه وآماله بين خيارين أحلاهما مر، فإما دكتاتورية الحكم المحلي -الذي جاء نتيجة عوامل هامة جداً حاولنا ذكر بعضها- وإما ديمقراطية التدخل الأجنبي. ويحتار الجميع في مسألة أيهما أقل ضرراً بمصالح الوطن وأقل إحراجاً للسمعة الشخصية.
علاقة القراءة والانتخاب
فإذا كان الشعب يعاني من خلل جسيم في منظومته المعرفية وخاصة النقص الشديد في المشتركات المعرفية فهذا يعني أن قدرة الفرد على التمييز سوف تكون أقل...! الأمر الذي ينعكس بالضرورة سلبا على اختيار المرشحين!
وبهذا يصبح لدينا تناقض عز نظيره في هذا العالم؛ إذ يصبح أشرار اليابان على سبيل المثال أفضل من أصحاب القلوب الطيبة من العرب...! كمقارنة بين شعوب ذات نسب مشتركات معرفية عالية ونسب مشتركات معرفية قليلة وغير كافية!
فالياباني السيئ بكل تأكيد هو شخص أناني لا يرى في هذه الدنيا سوى مصلحته الشخصية عكس الياباني الطيب! ولكن هذا الياباني الشرير والذي على استعداد أن يؤذي الآخرين في سبيل مصلحته لن يسمح في نفس الوقت للآخرين بأن يؤذوه. هذا الأمر يعني أن هذا الشرير سوف يختار أفضل الناس عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع! وبهذا يخدم المجتمع مع أنه شخص شرير....!
في حين أن العربي الطيب القلب لن يكون قادرا على التمييز بالشكل المطلوب بين المرشحين الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى عدم القدرة على اختيار الأفضل! فيضر طيب القلب هذا مجتمعه ونفسه وأهله دون أن يدري...!
القراءة والابداع
فالمشتركات المعرفية في حقيقة الأمر هي العنصر الأساس في عملية الابداع، فهي المسئول الأساس في التشبيك واصطياد المعلومات الأهم التي تتطاير أمام العقل البشري...! ولهذا كنا دائما نتسائل لماذا الكثير من الأفكار البسيطة والهامة لا ينتبه لها إلا الشعوب ذات نسب القراءة العالية! وكأنهم يرون ما لا يراه أحد!
الفرق بين الفكر وأي معلومة أخرى هو أن الفكر والإبداع هو المعلومة الأقدر على التغيير للحصول على التركيب الأشمل أي التطور (كأحد تعريفاته) المعلومة التي تغير للافضل تبني وتعمر تزيد من التطور الحضاري وتفيد الناس والشعوب علي كافة المستويات.
. والمشتركات المعرفية هي في نهاية الأمر معلومات تعمل على التغيير (أي التركيب التطوري) الشمولي لأنها تتواجد في جميع العقول أصلاً. فإذا كان المجتمع فاقداً للمشتركات المعرفية المتطورة فإن قدرة المجتمع على التركيب الفكري الشمولي ستكون في أسوء أحوالها كما هو حادث الآن في بلاد العرب كما جاء في تقارير التنمية البشرية.
فالعرب الانتاج المعرفي والمعلوماتي بشكل عام ضعيف جدا وبالتالي الانتاج المعرفي للمعلومات الارقي الاكثر اهمية والاكثر فائدة نادر جدا ويكاد يكون معدوما في بلاد العرب .
لكن ماذا تقول لنا احصاءات نسب القراءة في الوطن العربي؟ للأسف لم يتغير شيء يستحق الذكر وربما الأوضاع من سيء إلى أسوء والسبب ليس بمعضلة! أن كل ما يقال بحق الثقافة هو مديح في نهاية الأمر، وليست آلية علمية أو بناء علمي منهجي يبين للمواطن العربي أهمية المعلومة الثقافية من منظور علمي بحت وكما هو حاصل مع التخصصات العلمية الأخرى. وهذا بالضبط ما يطرحه علم "منظومة العقل الجمعي" والذي أسميته أيضاً بـ"علم الثقافة".
القراءة والتقدم
يقاس تقدم الشعوب ورقيها بما تنتجه من ادوات المعرفة والمعلومات والتي من اهمها الكتاب فكلما زاد الانتاج المعرفي في دولة ما يزيد معه الانتاج العلمي وتزيد التطبيقات التكنولوجية لهذا الانتاج المعرفي والتقني وبالتالي تزداد تقدم الدولة .
وفي الغرب ودول العالم المتقدم يقاس الانتاج المعرفي والمعلوماتي للدولة بالكم الذي تنتجه من كتب في شتي المجالات المعرفية وبعدد الذين يقرأون هذه الكتب، والدقائق التي يستهلكونها يوميا في قراءتها، كما ينطبق ذلك على الشعوب المتخلفة بشكل معاكس, فكلما زاد انتاج الكتاب والكتّاب والقارئين زاد الانتاج الاقتصادي وتطور المجتمع تكنولوجيا وعلميا وثقافيا واجتماعيا. لذلك فإن أكثر المجتمعات تخلفا وفقرا تلك التي تقبع في أدنى السلّم البشري من حيث انتاج الكتاب ومن حيث استهلاكه بالقراءة.
ولعل الأمم التي وعت أهمية الكتاب هي الأكثر تطورا وازدهارا واستقرارا من غيرها، لأنه يقدم لها الوعي على طبق من ذهب، ويضع العلوم كافة تحت تصرفها، أما الآداب وما يتعلق بها فهي أيضا لم تصل إلى عقول الناس وبنياتهم الفكرية لولا هذا الجليس الذي لا يستغني عنه أحد.
ولكن ما حالنا نحن امة اقرأ مع الكتاب
هل نحن نقرأ بما فيه الكفاية
هل نقرأ بدرجة تكفي لاحداث طفرة علمية وثقافية لنا
هل نقرأ كفاية لتنمية عقولنا وتغذية ارواحنا
هل نقرأ كفاية لحماية ثراوتنا ومقدراتنا بل لحماية حياتنا وانفسنا من مخاطر عديدة تحيط بنا.
الجواب اننا لانقرأ كفاية بل ان كثير ممن يقراون هذه الايام في بلادنا يقرأون ما لا يفيد ولا يضيف لهم شيئا . ومنذ اربعون عاما قال احد قواد اعدائنا ان العرب لن ينتصرون عليهم لانهم لا يقرأون واذا قرأوا لايفهمون واذا فهموا لايطبقون.
إذا ركبت مع أوربي وجدته جالسا منغمساً يقرأ في كتاب، وإذا ركبت مع عربي وجدته يبصبص كالذئب العاوي، أو كالعاشق الهاوي، يتعرف على الركاب، ويهزر مع الأصحاب والأحباب او يلعب في هاتفه المحمول . بينه وبين الكتاب عقدة نفسية، ونحن أمة (اقرأ)، ولكن ثقلت علينا المعرفة، وخف علينا القيل والقال، ولو سألت أكثر الشباب: ماذا قرأت اليوم ؟ وكم صفحة طالعت ؟ لوجدت الجواب: صفر ، مع العلم أن غالب الشباب بطين سمين بدين، كسول لأنه مجتهد في تناول البرجر والبيتزا، وكل ما وقعت عليه العين ووصل إلى اليدين , يضيع وقته وعمره وماله علي المقاهي يدخن السجائر والشيشة ينفق مئات الجنهيات شهريا علي السجائر والموبيل والسينما ولا يشتري كتاب ب20جنيها كل شهر, يقضي ساعات علي الانترنت في دردشة فارغة المحتوي والمضمون ولا يبحث عن موضوع علمي جاد يفيده ويزيد من ثقافته ومهارته.
اصبح حال الامة يدعو للرثاء فنحن لا نقرأ وبالتالي ليس لدينا كم من المعارف لدرء الخطر من علينا ولنأخذ مثلا مشكلة انفلونزا الطيور في مصر ونتسأل هل لدينا علماء متخصصون في علم الفيروسات Virology وعلم الوبائيات وهل عددهم كاف وهل يمتلكون الخبرة والمعرفة والمهارة لانتاج الامصال واللقاحات ومكافحة الامراض الوبائية المعدية وهل لدينا كم مدرب مؤهل متخصص كمساعدين لهؤلاء العلماء
الجواب بالطبع لا للاسف لا يوجد داخل مصر معمل جيد متخصص في علم الفيروسات باستثناء معمل ابحاث البحرية الامريكية النمرو وهو معمل تابع للولايات المتحدة .
كيف نكون قاعدة علمية جيدة من شبابا الباحثين ونحن امة لا تقرأ ولا تقدر القرأءة ولا تحترم العلماء ولا تهتم بالبحث العلمي الذي اهم روافده الاساسية الثقافة العلمية المتخصصة الجادة بالقراءة الواعية العميقة لاهم مشكلات حياتنا .
نحن نحتفي بلاعبي الكرة ونترك العلماء بلا تقدير أو موارد حتي اوشكنا علي الضياع والقادم اسوأ فمن لا يعرف في هذا الزمان فلا يحزن لو حدث له ما لايحمد عقباه من تخلف ومرض وموت وهلاك.
أننا نريد في أن نرسل رسالة إلى الشباب الأطفال والأسر وكل الأجيال بأننا لا يمكن أن نتقدم بدون القراءة لأنها نافذة على الانتاج العالمي والانساني وهي الهوية ومنها ننطلق للانفتاح على العالم" وانها السبيل الوحيد لانقاذ من يمكن انقاذه من تراث وحياة ومقدرات هذه الامة.
كتبت هذه المقالة بالاستعانة بمقالة (كمرجع ونقل بعض الجمل منها ) للكاتب مهند عبد الله –فلسطين بعنوان العرب وأسباب فشلهم بأشكال العمل الجماعي.