رأيت القلم ، أمسكته ، قربته ، شممته ، بل حضنته وقبلته ، ألصقته بوجهي وأسررت له !
نزف دمع القلم ، فصرخت به :
أنا : أأنت مجرد قلم ؟!
هو : لا
، أنا قلم ، أنا لحم ودم ، أنا بيان وإحساس ، أنا انتفاضة وثورة ، أنا
جهاد ودفاع ، أنا تهمة ، أنا جريمة ، أنا حبل مشنقة ، أنا شفرة مقصلة ،
أنا رصاصة مسدس ، وصمام قنبلة ! هذا أنا ، فمن أنت ؟!
أنا : أمثلك يسأل هذا السؤال ؟ أم مثلي يسأل ؟ أنا صديقك وعشيقك ، وربما سيدك وآمرك ! أنت إحساسي وأنا صاحب الإحساس ! أنت مشاعري وأنا صاحب القلب ! أنت تهمتي وأنا صاحب التهمة ! أنت جريمتي وأنا صاحب الجريمة ! أنا بلا أنت لا شيء ! كما أنت بلا أنا لا شيء !
أنت ماذا تريد
؟ ولماذا تكتب ؟ لماذا تعبر ؟ بل لماذا تخطأ وتجرم ؟ أتحسب أن القراء
تهمهم بعض مذكرات ؟ أو صف كلمات وعبارات ؟ أو وصف أحوال ومقامات ؟
هو : بل قل يا صاحبي : لماذا لا تكتب ؟ فهكذا يكون السؤال ، فبالكتابة أعيش ! أتنفس حروفها ، وأتغذى بكلماتها ، وتحييني جملها وعباراتها !
أنا : ماذا تفيدنا خطب صاخبة ، وكلمات مزلزلة ومقالات ملتهبة ؟ وهل يحرق لهيبها إلا أصابعنا ؟ كم تكتب وتكتب وتكتب ، والحال هو الحال ! ضياع وضباع ، فساد وسعار ، قتل وتدمير ودمار !
ماذا تغني عنا كلمات ؟ وبماذا تنفعنا العبارات ؟ كلماتك ما بنت بيتاً ولا ضمدت جرحاً ولا حتى سوت قبراً !
هو : مهلاً صاحبي
! وهل بأيديكم إلا كلمات وصف عبارات ؟ هل تجيدون سوى الوقوف على المنابر
ورفع الأصوات ؟ هل تقدرون على شيء غير الشجب والتنديد والاستنكار ؟ وما كل
ذلك سوى كلمات !
فدع الكلمات تُكتَب وتعيش ، لعلها أن تحيي يوماً قلوباً وعقولاً وسواعد !
أنا : كم أنت متحذلق ! أي كلماتٍ تلك التي ستحيي القلوب ؟ وما كلمات بعضكم سوى قتل للقلوب والأنفس ، وإحياء للغرائز والشهوات !
أما ترى ما يكتبون ؟ وفي أي شيءٍ حبرهم يسيلون ؟ على وصف غانية فاجرة ! أو تمجيد فكرة كافرة ، أو دعوة لتقاليد بالية فاسدة ! على تبرئة المجرم ، وتجريم البريء ! على إشعال الغرائز وإلهاب الشهوات ! على الإفساد والإضلال !
أليست تلك أقلام ؟ أين حكمتها وعقلها ؟ بل أين شرفها وحياؤها ؟
هو : آآآآه يا معذبي ! تلك والله مأساة !
تلك خناجر وإبر تطعن في قلبي !
وهل نحن إلا أدوات في أيديكم ؟ وترجمة لتفكيركم ، وإظهار لخواطركم ؟ فما نحن إلى مرايا وصور ، وما نحن إلى أنتم ! وما اعوجاجنا إلا منكم !
أنا : أما تمل من الكتابة والتكرار ؟ أما تسأم من الإعادة والاجترار ؟
هو : قد قالوا : التكرار يفيد الشطار ويعلم الحمار !
أنا : ماذا يأتي من وراءك يا قلم ؟ سوى سب وتجريح ، شتم وتقريح ، سخرية
واستهزاء ! بل رحلات مؤكدة إلى ما وراء الشمس ! وأخرى منتظرة إلى حبل المشنقة وشفرة المقصلة !
هو : فليكن !
ألا يكفي أني أخرج ما في الخاطر ؟ وأكشف ما في البال ؟ ألا يكفي أني راحة
وتنفيس ؟ من أنتم بدوني ؟ وما قيمتكم بعيداً عني وعن كلماتي ؟
أأرشدك إلى طريق يلغي رحلاتك ويبعد عنك ذلك ؟ الزم الجادة ، امدح ومجد ، ابتعد عن النقد والتجريح ، وسبح بحمدهم بعد كل تصريح !
أنا : قلمي ، أدري أنك تعبث بي ، أكتب سطراً وأمسح عشراً !
قلمي ، لن تغير وجه التاريخ ولا حتى قفاه !
قلمي ، أتريد أن أكتب بك بيان إعدامي وأخر تصريحاتي ؟!
قلمي حبرك دمي ، سنتك حربتي ، تنزف همي ، تخرج ما في قلبي ، تعلن عجزك وربما خوفك عن إخراج ما في عقلي !
أتدري ؟ سأبقى أنا وأنت في صراع أبدي ، ويوماً ما ، سيطلق أحدنا على الآخر ، رصــــاصـــة الرحــمــة !!
سخر القلم ، قهقه طويلاً ، غضبت ، قبضت عليه ، أمسكته ، حاولت تحطيمه
وتكسير سنته ، رميته ، كُسر القلم ، جرح القلم ، فنزف دمه مسطراً :
لست سوى قلم !
نزف دمع القلم ، فصرخت به :
أنا : أأنت مجرد قلم ؟!
هو : لا
، أنا قلم ، أنا لحم ودم ، أنا بيان وإحساس ، أنا انتفاضة وثورة ، أنا
جهاد ودفاع ، أنا تهمة ، أنا جريمة ، أنا حبل مشنقة ، أنا شفرة مقصلة ،
أنا رصاصة مسدس ، وصمام قنبلة ! هذا أنا ، فمن أنت ؟!
أنا : أمثلك يسأل هذا السؤال ؟ أم مثلي يسأل ؟ أنا صديقك وعشيقك ، وربما سيدك وآمرك ! أنت إحساسي وأنا صاحب الإحساس ! أنت مشاعري وأنا صاحب القلب ! أنت تهمتي وأنا صاحب التهمة ! أنت جريمتي وأنا صاحب الجريمة ! أنا بلا أنت لا شيء ! كما أنت بلا أنا لا شيء !
أنت ماذا تريد
؟ ولماذا تكتب ؟ لماذا تعبر ؟ بل لماذا تخطأ وتجرم ؟ أتحسب أن القراء
تهمهم بعض مذكرات ؟ أو صف كلمات وعبارات ؟ أو وصف أحوال ومقامات ؟
هو : بل قل يا صاحبي : لماذا لا تكتب ؟ فهكذا يكون السؤال ، فبالكتابة أعيش ! أتنفس حروفها ، وأتغذى بكلماتها ، وتحييني جملها وعباراتها !
أنا : ماذا تفيدنا خطب صاخبة ، وكلمات مزلزلة ومقالات ملتهبة ؟ وهل يحرق لهيبها إلا أصابعنا ؟ كم تكتب وتكتب وتكتب ، والحال هو الحال ! ضياع وضباع ، فساد وسعار ، قتل وتدمير ودمار !
ماذا تغني عنا كلمات ؟ وبماذا تنفعنا العبارات ؟ كلماتك ما بنت بيتاً ولا ضمدت جرحاً ولا حتى سوت قبراً !
هو : مهلاً صاحبي
! وهل بأيديكم إلا كلمات وصف عبارات ؟ هل تجيدون سوى الوقوف على المنابر
ورفع الأصوات ؟ هل تقدرون على شيء غير الشجب والتنديد والاستنكار ؟ وما كل
ذلك سوى كلمات !
فدع الكلمات تُكتَب وتعيش ، لعلها أن تحيي يوماً قلوباً وعقولاً وسواعد !
أنا : كم أنت متحذلق ! أي كلماتٍ تلك التي ستحيي القلوب ؟ وما كلمات بعضكم سوى قتل للقلوب والأنفس ، وإحياء للغرائز والشهوات !
أما ترى ما يكتبون ؟ وفي أي شيءٍ حبرهم يسيلون ؟ على وصف غانية فاجرة ! أو تمجيد فكرة كافرة ، أو دعوة لتقاليد بالية فاسدة ! على تبرئة المجرم ، وتجريم البريء ! على إشعال الغرائز وإلهاب الشهوات ! على الإفساد والإضلال !
أليست تلك أقلام ؟ أين حكمتها وعقلها ؟ بل أين شرفها وحياؤها ؟
هو : آآآآه يا معذبي ! تلك والله مأساة !
تلك خناجر وإبر تطعن في قلبي !
وهل نحن إلا أدوات في أيديكم ؟ وترجمة لتفكيركم ، وإظهار لخواطركم ؟ فما نحن إلى مرايا وصور ، وما نحن إلى أنتم ! وما اعوجاجنا إلا منكم !
أنا : أما تمل من الكتابة والتكرار ؟ أما تسأم من الإعادة والاجترار ؟
هو : قد قالوا : التكرار يفيد الشطار ويعلم الحمار !
أنا : ماذا يأتي من وراءك يا قلم ؟ سوى سب وتجريح ، شتم وتقريح ، سخرية
واستهزاء ! بل رحلات مؤكدة إلى ما وراء الشمس ! وأخرى منتظرة إلى حبل المشنقة وشفرة المقصلة !
هو : فليكن !
ألا يكفي أني أخرج ما في الخاطر ؟ وأكشف ما في البال ؟ ألا يكفي أني راحة
وتنفيس ؟ من أنتم بدوني ؟ وما قيمتكم بعيداً عني وعن كلماتي ؟
أأرشدك إلى طريق يلغي رحلاتك ويبعد عنك ذلك ؟ الزم الجادة ، امدح ومجد ، ابتعد عن النقد والتجريح ، وسبح بحمدهم بعد كل تصريح !
أنا : قلمي ، أدري أنك تعبث بي ، أكتب سطراً وأمسح عشراً !
قلمي ، لن تغير وجه التاريخ ولا حتى قفاه !
قلمي ، أتريد أن أكتب بك بيان إعدامي وأخر تصريحاتي ؟!
قلمي حبرك دمي ، سنتك حربتي ، تنزف همي ، تخرج ما في قلبي ، تعلن عجزك وربما خوفك عن إخراج ما في عقلي !
أتدري ؟ سأبقى أنا وأنت في صراع أبدي ، ويوماً ما ، سيطلق أحدنا على الآخر ، رصــــاصـــة الرحــمــة !!
سخر القلم ، قهقه طويلاً ، غضبت ، قبضت عليه ، أمسكته ، حاولت تحطيمه
وتكسير سنته ، رميته ، كُسر القلم ، جرح القلم ، فنزف دمه مسطراً :
لست سوى قلم !