1- العفو
الداعية الشاب: مصطفى حسني [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أعزائي وأصحابي، السلام عليكم.. بداية أحب أن أعبر عن سعادتي عند كتابتي هذا الموضوع ولقائي معكم".. وأود أن أُعرِّفكم بنفسي.. أنا شاب لم أتجاوز الثلاثين من عمري، وقد تعمدت ذكر سني لأقول لكم إن عمري قريب من كثير ممن يقومون بقراءة مقالي الآن فأنا شاب أعيش وسط الشباب، واحدا منهم، أعرف طموحاتهم وهمومهم، ما يسعدهم وما يقلقهم، والصعاب المحيطة بهم، وإيجابيات وسلبيات هذه المرحلة والمشاكل الكثيرة التي قد يمر بها كثير منا، فهذا المقال من أخ محب قريب من حياتكم. |
نبدأ سلسلة جديدة وهي ما يترتب على حب الله وما يترتب على معرفتي به سبحانه وهي تتعلق بتعاملاتنا وأخلاقنا معا. فمن كان حب الله في قلبه لا بد وأن يظهر ذلك على عمله من عبادات ومن معاملات. فيلبي النداء لكل فرض وكل خير، ويلبي داعي الله في حسن المعاملة مع الخلق فتظهر حلاوة هذا الحب على سلوكياته مع من يعرف ومن لا يعرف، من يحب ومن لا يحب.
إن خُلق العفو من أهم الأخلاق التي نحتاج لها في مجتمعنا على اعتبار أن العفو والتسامح والمغفرة كلها مسميات لخلق واحد وسلوك واحد.. فهيا بنا ننهل من بحر "عفو" ديننا الحنيف لعل خُلق العفو يجد إلى نفوسنا سبيلا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وبداية دعونا نتفق على ثلاثة مبادئ:
أولا: إن الله خلق الإنسان غير معصوم، وعلى هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، إذن الأصل فينا أن نخطئ، فالبعض منا يسلك السلوك الخطا أو النظرة التي تؤذي أو الكلمة التي تجرح. المهم أننا كلنا مخطئون.. ومصيبة المصائب لو ظن الإنسان في نفسه أنه لا يؤذي أحدا أو يخطئ في حق أحد.
ثانيا: إن الذي يعفو ويسامح يخالف شهوته من أجل رضاء الله، فشهوة النفس هي الانتقام ممن أساء إلينا، فإذا خالفتَ نفسك وتسامحت مع من أساء إليك فقد نصرت الله على نفسك، وعلوت في نظر الخَلق والخالق وكنت خيرا منه، وقد وجّهنا نبينا صلى الله عليه وسلم لهذا الخُلق العظيم بقوله عن المتخاصمين: "...يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".. لماذا كان البادئ خيرهما؟ لأنه خالف شهوته وهواه لأجل رضاء الله.
ثالثا: إن الله يحب العفو كما جاء في الدعوة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته وللأمة من بعده: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا"...
والعبرة هنا ليست في من المخطئ. إنما العبرة في المتسامح الذي ستنزل عليه بركات العفو من السماء، فمن عفا عفا الله عنه، ومن تسامح فيما له من حق عند أحد الناس تسامح الله فيما له عنده.. فالله وهو ملك الملوك رغم ما يدور في الأرض من ذنوب وخطايا يتنزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل لينادي على من يريد أن يعفو الله عنه فيكتب له العفو.. ينادي ويقول سبحانه: "هل من تائب فأتوب عليه.. هل من مستغفر فأغفر له.. هل من سائل فأعطيه".. فما أعظم عفو القادر سبحانه الذي قال: "وَلَوْ يُؤَاخِذِ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ".. فكيف بنا ونحن نحتاج للعفو منه ألاّ نعفو عمّن ظلمنا من خلقه.
إن العفو يا أحبائي هو ترك العقوبة مع القدرة عليها، وضع بجوارها أيضا ترك العتاب والخصام وأن تلقى أخاك فتعرض عنه مع القدرة على ذلك كله.. فإذا كان الإنسان قادرا ولم يعف فقد ظلم نفسه ولو كثر ذلك في حياتنا ودنيانا لعشنا حياة سيئة في الدنيا وكنا أشبه بالحيوانات، وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى منا وما لا يريده لنا.
ولتسأل نفسك ما الذي أخذه منك مَن آذاك حتى ترغب في الانتقام منه وتجد نفسك غير قادر على العفو عنه.. هل سلب منك مالا؟ يعوضك الله عنه ويرزقك بخير منه.. فقط اعفُ عن أخيك. هل أبعد عنك عملا تتكسب منه رزقك؟ لا يستطيع أحد في الكون أن يحجب عنك شيئا قد قدّره الله لك.. هل أساء إليك وآذاك بكلمة أو بسلوك ما؟ لا يستطيع أحد أن يؤذيك إلاّ بأمر قد قدّره الله عليك.. أي شيء يهون في سبيل رضاء الله.. فالله عفوٌّ يحب العفو ويحب من يعفو ويغفر، وعنه أنه يقول سبحانه: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.. لنعلم أن العفو باب لمغفرة الذنوب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ولنتعلم من رسول الله شيئا.. فعن أنس رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه –أي جذبه بقوة- بردائه جبذة شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتِق –كَتِف- النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شِدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي، وضحك ثم أمر له بعطاء". ذلك لنتعلم أن من سلوك أصحاب القلوب القريبة من الله أن يقابلوا الإساءة بالإحسان، والأذى بالعفو والمغفرة.. ليس هذا فحسب فقد قابل رسول الله هذا الأعرابي بكل هذا وزاد فوقه العطاء. صدق من سماه الرءوف الرحيم.
ولتعلم يا أخي أن العفو عن الناس ليس تفضلا منك وإنما هو تذلل وخضوع منك لله عسى بعفوك عن أخيك أن يعفو الله عنك. حتى وإن كان بغي هذا الإنسان عليك قد وصل مداه وأردت عقابه فبالعفو تعاقب من أساء لك. وفي هذا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما عاقبتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه".
وتذكر دائما أن للعفو ثمرات كثيرة وأولها قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، فنعم الأجر من الله. ومنها ما أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- فقال: "يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبا لا يعلمها إلا الله، وإنك تحب أن يغفرها لك فان أحببت أن يغفرها لك فاعف أنت عن عباده فإنما الجزاء من جنس العمل.. تعفُ هنا يعفُ هناك.. تنتقمُ هنا ينتقمُ هناك.. تطالب بالحق هنا بطالبك بالحق هناك".
وليكن في بالنا وفي وجداننا دائما قول رسولنا الكريم عن أهل العفو: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"؛ فالعزة في العفو وليست في شهوة الانتقام. العزة في القدرة على النفس وليس في القدرة على الغير. العزة في الخضوع لقدرة الله عليك إذا شعرت أنك قادر على من ظلمك. فلا تقابلوا الظلم بالظلم بل قابلوه بالإحسان تنشرح صدوركم ويبقى عزكم وتصلوا لرضاء ربكم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فاللهم اشرح صدورنا.. وقوّم أخلاقنا، واجعل العفو أقرب خُلُق لنا..
يا رب وفقنا إليه.. وثبتنا عليه.. وارض اللهم به عنا..