ابو التحليل النفسي
سيجموند فرويد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فرويد وعائلته
ربما لم يحظ طبيب نفسي بهذه الشهرة التي حظي بها عالم النفس الشهير "سيجموند جاكوب فرويد"، وربما لم تحظ أي شخصية عالمية أخرى بهذا الجدل الذي دار حولها، فمخترع نظرية التحليل النفسي، خضع هو نفسه لتحليل مئات العلماء والفلاسفة والأدباء حول العالم، فوصل إلى درجة أن وصمه البعض بالعار والدنس، بل كان يبصق عليه أطباء محترمون ألمان عندما يمر بجوارهم. وفي المقابل، رفعه البعض إلى درجة العباقرة، ولكنه على كل حال عالم عظيم اجتهد وأصاب وأخطأ، وله منا جزيل الشكر والعرفان.
النشأة.. والبداية
ولد "فرويد" في السادس من مايو عام 1856 في مدينة "فريبرج" بمنطقة مورافيا التابعة الآن لجمهورية التشيك، ثم هاجر مع عائلته إلى العاصمة النمساوية "فيينا"، وهو بعد لم يتجاوز السنوات الأربع، ووضح تفوقه العلمي طيلة سنوات الدراسة، حتى أنه أعفي من الامتحانات كوضع استثنائي، وكانت حياته العائلية في تلك الفترة غريبة بعض الشيء، حيث تزوج والده أكثر من مرة، وكان الأب "فرويد" في الخمسين عندما تزوج من والدة العالم الكبير التي كانت في العشرين من عمرها وقتذاك، وكان أخو فرويد غير الشقيق "إيمانويل" في نفس عمر والدة فرويد، ولهذا كانت طفولة "فرويد" غريبة، حيث كان ينظر إلى أبناء إخوته على أنهم إخوته؛ لأنهم كانوا في نفس عمره، وظل ينظر إلى أخيه الأكبر "إيمانويل" نفس نظرته إلى أبيه، ولهذا اهتم "فرويد" بالتحليل النفسي للمشكلات العائلية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فرويد مع والده جاكوب
فرويد مع والده جاكوب
ودرس "فرويد" الطب في جامعة فيينا، وحصل على الدكتوراه في الطب عام 1881، ثم اشتغل طبيباً في المستشفى الرئيسي بفيينا، وعين محاضراً في علم أمراض الجهاز العصبي عام 1885، وفي تلك الفترة نشأت علاقة صداقة بين "فرويد" و"جوزرف بروير" أحد أطباء فيينا، حيث كان يستخدم الإيحاء Suggestion في معالجة المرضى، وكان المريض يحكي الحوادث الشخصية والذكريات القديمة، إلى أن يُشفى تلقائياً؛ لأنه أفرغ الشحنات المكبوتة داخله، وهذه الطريقة تعرف باسم "طريقة التفريغ" cathartic method.
ثم سافر "فرويد" عام 1885 إلى باريس، وهناك قابل أكبر طبيب نفسي في تلك الفترة وهو البروفيسور "شاركو" الذي اخترع منهج العلاج بالتنويم المغناطيسي، وقد أعجب "فرويد" بطريقة "شاركو" وشاركه تجاربه لفترة من الزمن، ثم عاد إلى فيينا وحاول أن يطبق أساليب "شاركو"، ولكنه وجد ثغرات كثيرة في النظرية، حتى أن زملاءه سخروا من طريقته في معالجة الهستيريا، وهكذا انقلب "فرويد" على نظرية "شاركو" وحاول أن يصنع نظريته الخاصة.. حيث يقول "فرويد":
"يمكن القول إنّ التحليل النّفسي لم يقم إلا يوم تخلّينا عن الاستنجاد بالتّنويم المغناطيسي".
وظل "فرويد" في محاولاته المستمرة للبحث عن القارة المظلمة والمجهولة داخل كل نفس بشرية والتي تدعى اللاوعي، ولكن التطور حدث عندما توفي والده عام 1896، فمنذ تلك اللحظة اختفت الاضطرابات القلبية التي كان يشعر بها طوال الوقت، واختفى أيضا اعتقاده بأنه سيموت شاباً، ولعلنا نلاحظ هنا العلاقة الغريبة بين "فرويد" ووالده، وهكذا بدأ "فرويد" يمارس التحليل النفسي لشخصه، وتلك التهمة ظلت ملتصقة به طوال حياته، وهو أنه أخرج تركيبه النفسي على الورق وجعله مقياساً عاماً للتحليل النفسي لكل الشخصيات البشرية، فنلاحظ مثلاً في كتابه الأشهر والأهم (تفسير الأحلام) الذي أخرجه عام 1900، أن بعض الأحلام التي أوردها حدثت له شخصياً، ووضع رموز الأحلام من خلالها وفسر على نتاجها الكثير من العلاقات النفسية للبشر كلهم!.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الطوطم والمحرمات عند فرويد
الطوطم والمحرمات عند فرويد
وفي تلك الفترة أيضا وضع "فرويد" النظريات الأساسية للتحليل النفسي، ومنها عقدة "أوديب"، و"أوديب" هو ملك إغريقي قتل أباه وتزوج أمه دون أن يعرف، ولكن "فرويد" تساءل هل اشتهى "أوديب" أمه فعلاً!.. وتتلخص العقدة في غيرة الطفل على أمه من أبيه، وغيرة الطفلة على أبيها من أمها، كما فسر قيام الأديان على أنها عقدة " أوديب" لدى الإنسان الأول.
نظرية التحليل النفسي..
يفترض "فرويد" أن الجهاز النفسي يتكون من "الهو ID" وهو عبارة عن مستودع الغرائز، أي الإنسان في الصورة البدائية والحيوانية وهو يطيع "مبدأ اللذة".. جنباً إلى جنب مع "الأنا الأعلىSuper Ego " وهو الضمير والمثاليات الأخلاقية والمعايير الاجتماعية، و"الأناEgo " وهو المشرف وحلال المشاكل والصراعات بين "الهو" و"الأنا الأعلى"، وتظهر أيضاً مصطلحات مثل الشعور ويُمكن تعريفه على أنه الإنسان في حالة اليقظة، واللاشعور وهو الشعور الداخلي للإنسان في حالات النوم، واللاشعور هو المتحكم الرئيسي في سلوك الإنسان الواعي.
التداعي الحر للأفكار.. أهم عناصرالتحليل النفسي!
في هذه الطريقة يترك المعالج المريض يفصح عما بداخله من أفكار، وتتلخص الطريقة في أن التذكر يقود إلى الشفاء الذاتي، وأن العوامل النفسية التي تؤثر في الشخص البالغ تعود إلى عصر الطفولة، وفي بعض الأحيان يسأل المعالج بعض الأسئلة، وعلى المريض أن يجيب عنها بأول فكرة تخطر على باله، أو يقول المعالج كلمة، وعلى المريض أن يقول الكلمة الأولى المقابلة لها في ذهنه، وعلى المعالج أن يحاول تخطي المقاومة التي يقوم بها اللاوعي لنشر أسراره، أو ما يعرف بالكبت، وهي الرغبات التي تطرق باب الوعي، ولكنها لا تتلاءم مع طموحات الفرد الأخلاقية والدينية، فيترتب على ذلك صراع بين الوعي واللاوعي في داخل طيات النفس، ويقوم الرقيب بعمل مقص يقطعها عن الوعي، ولكنها تظهر في شكل اضطرابات نفسية وسلوكية قد تصل إلى حد المرض الجسدي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
نصب تذكاري لسيجموند فرويد
نصب تذكاري لسيجموند فرويد
تفسير الأحلام..
الأحلام هي الطريق الملكي إلى اللاوعي، هناك آلاف المفاتيح والطرق التي تخفي اللاوعي، فالحلم بالنسبة لفرويد أشبه بمسرحية تعد أولاً في غرف مغلقة أو في الكواليس، قبل أن تظهر أمام المشاهد، وعلى المعالج أن يفهم الحلم جيداً؛ لأنه قد يعرف من خلالها كل الأحداث الماضية التي حدثت للمريض وسببت مشاكله النفسية، وقد وضع "فرويد" قاموساً خاصاً برموز الأحلام، فالثعابين مثلاً هي رموز ذكورية، على عكس السمك فهو رمز أنثوي.
مدرسة التحليل النفسي..
خرج من مدرسة التحليل النفسي عشرات العلماء مثل "كارل جوستاف يونج" و"ألفريد أدلر"، وقد حدث الاختلاف الشهير بين "يونج" و"فرويد" حول مفهوم الدين، حيث فسره "فرويد" على أنه عُصاب جماعي!.. أما "يونج" فكان رأيه أن فقدان الإيمان يعني السقوط في براثن العُصاب، والعُصاب هو حالة الاضطراب التي يعرفها المريض، ويعرف أنه مريض ويحتاج إلى علاج، وهي على عكس الذُهان الذي لا يعرف المريض أنه يحتاج إلى علاج، وبمعنى أكثر تفصيلاً المرض النفسي الخطير أو الجنون، دعك طبعاً من الخلاف الشهير حول "الليبيدو" Libido، وهي الرغبة الجنسية.
النظرية الجنسية.. أساس كل شيء عند فرويد!
بحث "فرويد" كثيراً جداً ليفهم، وأصدر حوالي ثلاثين كتاباً تناول فيها (الأنا والهو)، و(التحليل النفسي)، و(مفهوم الطوطم والمحرمات عند الشعوب البدائية)، وكان إحساس العظمة داخله يجبره على عدم الاعتراف بالخطأ، وكان مقياسه العام هو ارتباط الجنس بكل المشاعر والرغبات العاطفية، حتى أشد العواطف خصوصية بين الأخ وأخته والابن وأمه، فكل العلاقات البشرية عند "فرويد" هي علاقات جنسية شبقة Erotic، وهذا جعل المعارضين لمنهجه بالملايين، ولكنه ظل مؤمناً بنظريته حتى أنه قال ليونج:
"عزيزي يونج، عدني ألا تتخلى عن النظرية الجنسية. فهي أساسية أكثر من كل شيء. انتبه، لابد أن نجعل منها حصناً لا يتزعزع".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فرويد ويونج في جامعة كلارك عام 1909
فرويد ويونج في جامعة كلارك عام 1909
حتى في تفسيراته الأخرى حول الموت تجد صعوبة خاصة في فهمها وتقبلها، فهو يقول إن الإنسان عندما يموت قريب عزيز عليه، فإنه على الرغم من حزنه الظاهري يكون فرحاً؛ لأن "إرادة الموت" Thanatos قد انتصرت!.
كان "فرويد" يدخن السيجار بشراهة، ويتعاطى الكوكايين –لم يكن محرماً قانوناً- وكان منافسوه يتهمونه بأنه أخرج معظم نظرياته تحت تأثير المخدر، وقد أصابه سرطان الفم أكثر من ثلاثين مرة، حتى أن سقف حلقه كان من النحاس بالكامل!. حتى طلب من معالجه عام 1939 أن ينهي عذابه المستمر، فحقنه بجرعة قاتلة من المورفين ليرحل عن عالمنا.