أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمدَ لله أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران- آية:102.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء- آية:1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب - آية: (70،71).
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد،
فإخوتي في الله ،،،
إني والله أحبكم في الله
أحبتي في الله ،،،
القرآن زاد المؤمن وسبيله. (اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا وجلاء همنا وحزنِنا وغمِّنا)
لقد أبكتني آية من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر-آية:18.
إخوتي في الله ،،، أحبتي في الله ،،،
وأنت الآن في زمن دخول المدارس، من لم يكن أعد العدة، وجهز المال لكسوة الأولاد ومصاريف المدارس، فمن ذا الذي يقرضه اليوم؟ ومن ذا الذي يعطيه؟، إن أقَل كلمة تُقال له من زوجته: "سنُفضَح بألسنة الأولاد وسط الناس".
فكيف بك يوم القيامة؟
يوم تلقى الله.. ماذا أعددت يا عبد الله؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ..} الحشر-آية:18.
ماذا أعددت لغد؟
قال الحسن: "يا عباد الله؛ مازال ربكم يُقرب الساعة حتى جعلها كغد"، فماذا أعددت للغد؟
ماذا أعددت لسكرات الموت؟.. فإن للموت سكرات.
ماذا أعددت للخاتمة؟.. فإن بعض الناس تسوء خاتمته فيموت على الكفر.
ماذا أعددت لهذه اللحظة؟.. لحظة خروج روحك.. فراق أهلك.. ترك أولادك.. وخسارة ما تملك.
ماذا أعددت للحظة الفراق؟
ماذا أعددت لظلمة القبر؟
ماذا أعددت لسؤال الملكين؟
ماذا أعددت لأبواب الجنة والنار التي تفتح لك؟
ماذا أعددت؟.. ماذا جهزت؟.. ماذا عملت؟
ماذا في قلبك؟
ماذا عند ربك؟
ماذا بين يديك؟
ما هي أعمالك الخالصة لوجه الله؟
ماذا فعلت بسنة رسول الله؟
ماذا أعددت يا عبد الله؟
وماذا أعددت لأهوال القيامة؟
ماذا أعددت لتطاير الصحف؟
ماذا أعددت للميزان؟
ماذا أعددت للصراط؟
ماذا أعددت للعرض على الله؟
ماذا..؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما منكم إلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم" رواه البخاري.
إخوتاه ،،،
يوم تنظر إلى ما قدمت يداك؛ سترى زنية زنيتها، وكذبة كذبتها، ودنانير سرقتها، سترى خيانة خنتها، وغيبة اغتبتها، وإساءة أسأتها، وصلاة أضعتها..... سترى مآسيك.
فهل سترى هنالك حسنة مقبولة؟
ماذا أعددت لذلك اليوم؟
ماذا أعددت لحر ذلك اليوم؟
ماذا أعددت لعطش ذلك اليوم؟
ماذا أعددت لزحام ذلك اليوم؟
ماذا أعددت؟
قل لي بربك، وهذا أمر مولاك: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
انظر إلى ما قدمت وتأمل فيه.. هل هذا يصلح للعرض على الله؟
انظر.. وتأمل.. هل هذا يصلح لنجاتك من النار؟
انظر.. هل ما معك من البضاعة يصلح لشراء الفردوس من الجنة؟
انظر: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
هل ما معك يمررك على الصراط؟
قال الملك جل جلاله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم-آية:(71،70).
هل أنت على يقين من الورود؟.. فهل أنت على يقين من الصدور؟
نعم.. يا عبد الله،،،
ماذا أعددت لتلك الأهوال؟
ماذا أعددت لهجوم الغرماء أصحاب الحقوق على حسناتك؟
ماذا أعددت لذلك اليوم؟
يوم يبرأ منك الجميع؛ فترى أمك تطالبك بحسنة، وأباك يحاسبك على تقصير، وزوجتك تسلمك إلى النار لأنك لم تؤدّ حقها، وابنك يسأل ربه أن يدخلك قبله جهنم، ماذا أعددت لهذا الموقف؟
{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ، وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ، كَلَّا.. } المعارج-آية: (11-15).
ماذا أعددت يا عبد الله لتلك الأهوال؟
قل لي بربك وأنت تنظر في عملك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}الحشر-آية:18.
انظر في عملك، واتق الله، ولا تخدع نفسك، فنحن في زمن المكر والخداع..
إن كثيرا من الناس يرضى بالخداع عن الحقيقة.. يستمرئ الخداع ويحبه.. يرضاه ويرفض قبول الحقيقة ومواجهتها. إنه يرضى الكذب، فيكذب على نفسه وعلى الناس، ويصدق كذبه.. الله يأمرك حال النظر إلى عملك أن تتقي الله ولا تخادع.. أن تتقي الله ولا تمكر بنفسك.. أن تتقي الله، وألا تخدع نفسك، و ألا تكذب عليها.
أخي في الله ،،،
اتق الله.. واصدق: أهذه صلاة ترضي الله؟!
اتق الله.. أهذه تلاوة قرآن تنفع عند الله؟!
اتق الله.. أهذا منهج تربي عليه أولادك بما يرضي الله؟!
اتق الله.. هل تعامل زوجتك كما أمرك الله؟.. {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
اتق الله.. وانظر..
إخوتاه ،،،
ماذا نعد؟ وكيف نعد؟
في زمنٍ طغت فيه الماديات على الخلق، الناس يبحثون عن الدنيا لا غير، لا يرضيهم إلا متاعها، وصار الفقير لا يبحث عن الكفاف بل يتطلع إلى الترف، في هذا الزمان الذي يكنز الناس فيه الذهب لا بل الدولار، صار الناس اليوم يكنزون الأموال.. ويكنزون الشقق.. ويكنزون الأراضي.. ويكنزون.. ويكنزون.. في عصر الكنز، الكل يخبّئ ويكنز ما إلى الفناء يصير.
في هذه الأيام يتميز الموحد.. ماذا يكنز..؟!
إنه يريد أن يكنز شيئًا ينفعه هناك، فهو يعلم أن مستقبله في الجنة (اللهم ارزقنا الجنة يا رب)، ليس مستقبله في شقة واسعة.. ولا أرض شاسعة.. ولا سيارة فارهة.. ولا زواج وأولاد.. ولا.... إلخ، إنما مستقبله الجنة. (اللهم ارزقنا الجنة يا رب)
..المستقبل الحقيقي في الجنة..
يا من تؤمّن مستقبل أولادك.. قد يموت أولادك قبلك، وأنت لا تدري!
يا من تؤمّن مستقبل نفسك.. قد تموت أنت الآن، ومن يدري!
فالمستقبل الحقيقي معبره القبر.. و منتهاه الجنة أو النار.. الآخرة هي المستقبل يا عبد الله.
الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من حديث أبي سعيد الخدري -وهو بإسناد جيد- يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا أنتم هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم إني أسألك قلبا سليمًا ولسانًا صادقًا، اللهم إني أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب".
يا له من كنز حقيقي يدّخره لك رسول الله هدية منه.. كنز يعطيكه كأنما أعطاك ملايين الدولارات بل أكثر.. صلى الله عليه وآله وسلم. (اللهم صلّ على النبي محمد وسلم عليه تسليمًا كثيرًا. اللهم اجزه عنا خير الجزاء)
وتعالوا لنتوقف مع تفاصيل هذه الكنوز لتكنزها لآخراك.
كنــــــوز النبـــــــي
أولها: الثبات على الأمر
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذا استجمعت غليانًا" صحيح_ صحيح الجامع و غيره. وكان أكثر دعائه: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" صحيح_ صحيح الجامع و غيره. (اللهم ثبت قلوبنا على دينك)
آه.. من تقليب القلوب.
آه.. من تكدير الأحوال.
آه.. من تغير النفوس.
آه.. من الضلال بعد الهدى.
(اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر)
اثبت يا عبد الله..
ماذا ينفعك إن عشت سنين على فعل الخير، ثم انتكست فساءت خاتمتك، وأتاك الموت وأنت ضال؟
فمن أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفسد صيامه قبل الغروب لم ينفعه ما مضى من يومه.
نعم.. يا عبد الله اثبت!
هذا زمن القابضين على الجمر.. فاقبض على الجمر لحظات.. قبل أن يقبض عليك الجمر في نار تلظى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} النبأ-آية:23. الدنيا لا تساوي شيئًا.. اصبر فأنت بعين الله، واثبت له، وأره من نفسك خيرًا ليثبتك ويعينك.
كيــــــف الثـبـــات؟
أولاً: التأسي بالنبي محمد في المواقف
كان أعظم الناس ثباتًا صلى الله عليه وآله وسلم في فتن الدنيا وفتن الدين، وصحابته ضربوا أروع الأمثلة في الثبات، فارجع إليها، وصلى الله وسلم على أنبياء الله جميعًا فلك فيهم أسوة.
ثانيًا: أن تعيش على منهج
دعك من حياة الهمجية التي تعيشها كيفما اتفق، ضع لحياتك منهجًا في العلم كيف تطلبه، وفي الدعوة كيف تقوم بها، وفي العبادة كيف تتقنها. عش على منهج، دعك من حياة يعيشها كثير من الناس كيفما اتفق، وضع خطة ودراسة جدوى للوصول إلى الجنة، حينها ترزق الثبات. (اللهم بلغنا الجنة يا رب)
ثالثًا: الثبات بالقرآن
{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}هود-آية:120، {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}الفرقان-آية:32.
رابعًا: الصحبة الصالحة (اللهم اجعلنا على عبادك الصالحين في الدنيا والآخرة)
اجتمع على إخوان يعينونك، ويثبتونك، ويرشدونك، ويدلونك، ويتفقدونك، ويذكرونك، وتعيش معهم جنة الدنيا.
خامسًا: معرفة السنن الكونية
لما شبّ الغلام قال له الراهب: "إنك ستبتلى"، فلما كان الغلام يعلم أصلًا أنه سيبتلى ثبت. فكذلك معرفتك للسنن الكونية، لا بد أن تبتلى فتدخل إلى البلاء بقلب فيه العزم على الثبات.
سادسًا: أن تعلم أنك تحت نظر الله ولن يضيعك
فالله لا يبتلي العبد ليضيعه وإنما ليثيبه ويختبره، ليس دومًا يبتلي ليعذب بل يبتلي ليصطفي ويهذب. (اللهم ارزقنا الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد)
ثانيها: العزيمة على الرشد
العزيمة في زمن الوهن.. العزيمة في زمن الضحالة.. العزيمة في زمن الفجور.. العزيمة في زمن الهزيمة .. العزيمة في زمن الضياع.. العزيمة وسط خلق متذبذبين.. العزيمة وسط قوم جائعين.. العزيمة في وسط أنصاف رجال.. العزيمة بين قوم ليست لهم عزيمة. (اللهم إنا نسألك العزيمة على الرشد)
قال العلماء: "العزيمة استجماع قوى الإرادة على الفعل والعزيمة على الرشد (الرشد: معرفة الحق والسير فيه)، فالناس ثلاثة: راشد، غاوٍ وضال. الراشد: عرف الحق فاتبعه. والغاوي: عرف الحق ولم يتبعه. والضال: لم يعرف الحق ولم يتبعه". (اللهم اجعلنا أفضل الثلاثة، اللهم اجعلنا من الراشدين)
من أين نســـتـلهــم العزيــــــمة؟
أولاً: بالاستعانة بالله
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}الفاتحة-آية:5، فوحدك لن تصنع شيئًا.. بك لن تستطيع شيئًا.. منك لن تحقق شيئًا، أما بالله فستكون منك العجائب.
إخوتاه ،،،
إن الكثير منا يحسب الحسابات بميزانه، ويدبر الأمور بعقله وتفكيره وإمكانياته، ولا يضع الله في الحساب، الله هو كل من تملك، وإذا استعنت به أعانك.
فإذا كان الله لك؛ فمن يضرك؟
وإذا كان الله معك؛ فمن عليك؟
قال الملك جل جلاله مصبّرًا نفوس المؤمنين:
- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}الزمر-آية:36.
- وقال: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} الزمر-آية:36.
- وقال: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}التوبة-آية:51.
- {هُوَ مَوْلاَنَا} التوبة-آية:51. وهذا تطييب لقلب المبتلى حين ينزل البلاء، ولذلك تجد الموحد يقول: "هذا من مولاي"، فينزل على القلب برد السكينة، وتلك هي العزيمة.
و من أروع نماذج العزيمة موقف أبي بكر الصديق، حين قال وقد عزم على خوض حروب الردة: "يا عمر، والله لو خذلتني يميني لقاتلتها بشمالي".
يا خائر العزيمة..
يا ضعيف الهمة..
يا دنيء القيمة..
يا من تعجز حتى عن العزم عن صلاة ركعات قبل الفجر..
ثم تريد للأمة النصر.. أيــــــــن العزيمة؟
إننا نحتاج أن نستعين بالله؛ فلا تغرنا قوتنا، ولا تخدعنا أعمالنا، ولا توهمنا أقوالنا وذكاؤنا ولا عقولنا. وفي المقابل لا يثبطنا ضعفنا، ولا تسفلنا هزيمتنا. قال الملك ذو الجلال: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}آل عمران-آية:139. (اللهم اجعلنا من المؤمنين حقًا)
لما وقف المسلمون في معركة مؤتة، ورأوا حشود الروم، فكَّروا في الفرار، فقال عبد الله بن رواحة: "والله إن التي منها تفرون هي التي جئتم تطلبون؛ إما النصر وإما الشهادة، فعلام الفرار؟ هيا احملوا على بركة الله"، فحملوا فكان أول الشهداء.
ثانيًا: التوكل على الله
قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه}آل عمران-آية:159، فنحتاج لا إلى مجرد التوكل، بل إلى الصدق في التوكل. قال الملك: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}محمد-آية:21. (اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك يا رب)
إن كثيرًا من الناس لا يفهمون معنى صدق التوكل الذي هو الأخذ بالأسباب مع تعلق القلب بالله.
- أن تسعى في الأسباب. (لا تنام.. لا تركن.. لا تضعف.. لا تهن.. لا تحزن.. لا تفتر..)
- مع صدق التوكل على الله. ( تقوّ، وانطلق، واستعن بالملك ذي الجلال.. استعن بذي القوة.. استعن بالجبار.. استعن بالمهيمن.. استعن بالقاهر فوق عباده..)
ثالثًا: عدم اليأس
ديننا فيه اليأس كفر؛ قال تعالى:{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف-آية:87.
لا تيأس.. فالرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، فتاب الله عليه، وأدخله الجنة.
لا تيأس.. فالرجل عالج قيام الليل عشرين سنة، ثم تمتع به عشرين سنة.
لا تيأس.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث والكفر يملأ أطباق الأرض، وحاول المشركون قتله عشرات المرات بالخنق وبالأحجار وبالضغط على رأسه بالحذاء وبالضرب وبالسم، وما يئس حتى أظهر الله به دينه.
لا تيأس.. لا تيأس أبدًا
قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} طه-آية: 115، ولكنه لما نسي ولم يكن له عزم، قال تعالى: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ.. } البقرة-آية: 37؛ الله يرحم ضعفك إذا استعنت به لتستقوي على ضعفك. (اللهم قوّ في رضاك ضعفنا)
نعم.. أخي ،،،
انتبه..! (تقوية العزم تكون بعدم اليأس)
حاول مرة واثنتين وثلاثة، وكما قيل: "السم الذي لا يقتلني يزيدني قوة".
لا تيأس..
- حاول قيام الليل.
- وحاول صيام النهار.
- واجتهد في غض البصر.
- وجاهد في حفظ القرآن.
- وأحسن في تعلم العلم والدعوة إلى الله، ولا تيأس من الخلق.
- ادع مرة وعشرًا وألفًا، واصبر؛ فأطولكم صبرًا أكثركم نصرًا. (اللهم إنا نسألك العزيمة على الرشد)
رابعًا: إجراء بعض تمارين العزيمة
إخوتاه ،،،
للأسف الشديد إنني أري في زماننا.. الهلع في وجوه الكثير من الناس؛ تجد المرء بمجرد أن يصيبه شيء من ارتفاع الحرارة يهلع فيعتقد أنها حمى.. وهكذا. قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} المعارج-آية: (19-22). (اللهم اجعلنا من المصلين)
هل أنت من المصلين؟
لِمَ الجزع إذن؟!.. لماذا الخوف إذن؟!.. لماذا الرعب؟!
إن مجرد عارض بلاء متوقع أو متوهم في ذهن المرء قد يجعل عقله يطيش، أو يُفَرط في دينه، ويترك طريق الله، وذلك لضعف العزيمة، إننا بحاجة لإجراء بعض تمارين العزيمة.
جرب عندما تصاب بصداع وأمامك الأدوية المختلفة والعلاج والمسكنات، أن تقول: "أنا سأرقي نفسي، وأتوكل على الله، وأصبر حتى يذهب الصداع".
- هل سيذهب الصداع أم لا؟
- بإذن الله يذهب
- من الشافي؟
- الله.
جاءت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله إني أصرع، فادع الله أن يشفيني"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك"، قالت: "بل اصبر ولا حساب علي".حسن صحيح_صحيح الترغيب. فهذه كان بين يديها علاج يقيني "إن شئت دعوت الله فشفاك "، فاختارت الصبر. (اللهم ارزقنا الصبر)
تمــــــاريــن العـزيــــــمة
* أن تجد من يشتمك ويؤذيك ويرفع صوته عليك، وتكتم غضبك، وتكظم غيظك، وتصبر لوجه الله.
* أن تصوم يومًا وتطيل الصيام بعد الغروب.. ساعتين.. ثلاثة.. أربعة.
* أن تسجد وتطيل السجود نصف ساعة أو ساعة أو أكثر.
أليس مثل هذا ما يفعله الرياضيون؟؟.. أليسوا يتمرنون ليحصدوا الانتصارات؟؟
أيها الإخوة ،،،
من أقوى تمارين العزيمة: رؤية العاقبة ورؤية الغاية
إنني أتعجب حين أنظر إلى لاعب الملاكمة مثلًا أو لاعب المصارعة أو لاعبي العدو أو السباحة.. عم يبحث هؤلاء؟! وعلام يحصلون؟!
تجد معاناتهم في التدريبات.. وركوبهم الخطر.. والمجازفة في المواجهة.. من أجل أن يحصلوا على لقب (بطل)..!
ألا تريد أن تكون بطلاً عند الله؟!
ألا تريد أن تنال وسام الشرف من الدرجة الأولى من الله؟
انظر إلى العاقبة..!
تجد اللاعب في العدو يجري ويجري، فإذا رأى الغاية.. (أي قرب نهاية السباق) بذل أقصى جهده بعد أن جرى ساعة أو ساعتين وأنهكت قواه.. يا ترى من أين نأتي بهذه القوة؟!
نأتي بها بالنظر إلى الغاية.. فإذا رأيت الجنة هان عليك التضحية بكل شيء وقويت عزيمتك. (اللهم قوي في رضاك ضعفنا، اللهم إني أسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد)
العزيمة يا شباب.. قووا عزيمتكم ليقبلكم الله
إخوتي في الله،،، أحبتي في الله ،،،
هؤلاء الذين يقفون في الشمس.. (أسأل الله عز وجل أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يثيبهم، وأن ينجيهم من حر يوم القيامة والسامعين)، إنني أصبّركم إخوتاه، ولكن لابد من تمام اللقاء، فهذه فرصة أن تسمعوا، فلعلها لا تعوّض. (أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا)
ونواصل عرض كنوز النبي:
ثالثها: الغنيمة من كل بر
بعد الثبات والعزيمة، تأتي الغنيمة من كل بر. وأسبابها ما يلي.
أســـبــابـها
أولاً: المسارعة إلى كل خير
كلما وجدت خيرًا طرْت إليه: تتصدق.. تقوم الليل.. تصل الرحم.. تبر والديك.. تتبع الجنائز، تعود المرضى.. تحسن إلى الجار.. إلخ.
في عصر البطء إلى الخير والمسارعة إلى الدنيا، الله يحب من عبده المسارعة إلى الخيرات، وإنما البطء صفة المنافقين، قال تعالى عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} النساء-آية:132، وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}النساء-آية:72 (منكم تشير إلى المنافقين دائما).
يا بطيء.. الجنة فرص.. فاغنم الفرص
وتعال اليوم لتقرأ في الصحف:
- "فرصة عظيمة؛ (دش) بالتقسيط".. بمعنى فرصة لدخول النار.
- تقرأ في أيضًا: "فرصة عظيمة: أرباح ربوية بقيمة كذا وكذا".. بمعنى فرصة لحرب الله.
إننا نريد فرصًا حقيقية لدخول الجنة (اللهم ارزقنا الجنة يا رب). ونصيحتي إليك لدخول الجنة في زمن الغفلة أن تفعل خيرًا كلما سنحت لك الفرصة.. فانتهز الفرص، وسارع إلى الخير.
ثانيًا: لا تحقرن من المعروف شيئًا.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه لا يمر يوم إلا ويتصدق بصدقة، وفي يوم بحث في بيته عن شيء يتصدق به، فلم يجد إلا بصلة، فحملها في جيبه وخرج، فقالوا: "تحمل في جيبك بصلة تنتن ريحك..!"، قال: "لا أخلف اللهَ وعدًا".
عبد الله بن مسعود بحث عن شيء يتصدق به، فلم يجد إلا تمرة، فتصدق بتمرة وبكى، كأنه يستقلها، ثم قال: "كم في هذه التمرة من ذرة، والله لا يظلم مثقال ذرة".
لا تحقرن من المعروف شيئًا:
- تستطيع الآن أن تسبح تسبيحة؟.. (افعل).
- تستطيع أن تصلي ركعتين؟.. (صلّهما).
- تستطيع أن تتصدق بجنيه؟.. (تصدق به).
- تستطيع أن تزور قريبا لك؟.. ( زره).
- تستطيع أن تكلم عاصيا بكلمة؟.. (كلّمه).
- كلما وجدت فرصة لإرضاء الله فافعل.
قال لقمان لابنه: "يا بني عود لسانك: (ربي اغفر لي)، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلًا".
يا شباب ،،،
هناك ساعات إجابة.. ساعات رحمة.. ساعات قبول.. هذه الساعات غير محدودة وغير معروفة. لا أنت تعرفها ولا أنا أعرفها ولا أحد، فلذلك افعل الخير على قدر ما تستطيع، فقد يصادف هذا الخير اليسير الذي فعلته ساعة القبول فتقبل، فتدخل الجنة.
أيضًا من أسباب الغنيمة من كل بر:
ثالثًا: معرفة المواهب والقدرات والطاقات
يا شباب ،،،
بعضهم قال: "أنا حاولت أن أكون مغنيًا، فقالوا لي: صوتك قبيح، وحاولت أن أكون ملحنًا فلم أفلح، وحاولت أن أكون مؤلفًا للأغاني فوجدتها لا تنفع، فجربت التمثيل فنجحت". هؤلاء الذين يريدون الشهرة والمال ودخول جهنم بإضلال العباد والعياذ بالله، يبحثون ويحاولون تفجير الطاقات والمهارات.. فهل بحثت ماذا تصلح لله؟ هل جرّبت أن تصبح عالمًا أو عابدًا أو داعية أو مربيَا؟
ومازالت الوظيفة شاغرة، وما وجدنا من يتقدم لهذه الوظيفة، رغم أن الأمة تعاني من البطالة: المطلوب خدامٌ لدين الله.
و من أسباب الغنيمة من كل بر؛
رابعًا: التركيز في تكوين هم الآخرة (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، وارزقنا السلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر)
رابعها: السلامة من كل إثم
كثرت في زمننا الآثام، وزادت عن حدها المعاصي والسيئات، فلذلك نحتاج البعد عن الآثام والسلامة منها. والسبيل إلى ذلك:
1. أن يكون بينك وبين الحرام مسافة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال" إسناده جيد_السلسة الصحيحة. أول سبيل للسلامة من كل إثم أن يكون بينك وبين الحرام مسافة من حلال، لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه: "ألا لكل ملك حمى، و حمى الله محارمه" متفق عليه.
خذ بمبدأ السلامة أولا، واطرد المعاصي.. أبعدها وليكن ما يكون.. اخسر أصدقاءك الذين يعينونك على الإثم.. اخسر كرامتك الدنيوية في سبيل البعد عن الإثم.. اخسر توقير الناس واحترامهم لك لتكون بعيدًا عن الإثم.. ضحّ بكل شيء إلا الله. (اللهم إنا نسألك السلامة من كل إثم)
2. مراقبة الملك:
الله معك.. يسمعك ويراك وسيحاسبك، وقد يبطش بك وأنت على المعصية.
3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أن تأمر بالخير، وأن تنهى عن الشر، وسبيل ذلك أن تأمر بالمعروف بمعروف، وتنهى عن المنكر بغير منكر.
4. ألا تجاور أماكن المعصية.
5. النظر في العواقب: فكّر أنك قد تموت على الإثم فتدخل جهنم.
6. دوام الدعاء أن يعافيك الله من الحرام.
إخوتاه،،،
هذه الأربعة أصول.. وهي أركان بيتك.(اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم)
فأقيموا أركانكم على هذه الأربعة حتى يقدر الله لنا اللقاء فنتمّ بقية الكنوز..هذه هدية المصطفى إليك.
هل تقبلها؟.. هل تكنزها؟.. هل تعمل بها؟.. هل تعيشها؟
إذا كنزتها نفعتك يوم الفضائح..
إذا كنزتها نفعتك يوم الحسرة..
إذا كنزت هذه الأربعة نفعتك عند السكرات وفي القبر وعند الصراط.
اللهم -يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم- صلّ على النبي محمد وسلم تسليمًا كثيرا..
اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، كفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..
اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، تولّ أمرنا، وأحسن خلاصنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..
يسر أمورنا، واهد قلوبنا، واشرح صدورنا..
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامح خطيئتنا، وارفع درجتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا..
اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار..
اللهم إنا نسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا..
اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، ونسألك حسن عبادتك..
اللهم إنا نسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، فأنت علام الغيوب..
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان..
اللهم انصر إخواننا في فلسطين..
اللهم اكشف عنهم الضر..
اللهم انتقم من اليهود المجرمين، دمرهم تدميرا، خذهم أخذ عزيز مقتدر، اكفِ المسلمين شرهم..
اللهم احفظ أعراض المسلمين، واحرس بيوت المسلمين، ورد كيد الكائدين، وادفع ظلم الظالمين، وامنع أذى المؤذين.. أنت القوي المتين لا سبيل لنا ولا قوة لنا لننتصر، فإنما نحن بك، فكن لنا ولا تكن علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وانصرنا على من بغى علينا..
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
رب اشف كل مريض مسلم، وعاف كل مبتلى، اقض الدين عن كل مدين مسلم، فرج هم المهمومين من المسلمين، واكشف كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين..
اللهم أطلق سراح المأسورين، اربط على قلوبهم، وقوّ إيمانهم، وأعنهم على ما هم فيه، وادفع عنهم يا رب العالمين.. اللهم إنا نسألك أن تنصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان..
اللهم انصر إخواننا في الشيشان وبورمة وتايلاند وكشمير وكل بلاد المسلمين
وصلى الله و بارك على النبي محمد وآله. والحمد لله رب العالمين.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمدَ لله أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران- آية:102.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء- آية:1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب - آية: (70،71).
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد،
فإخوتي في الله ،،،
إني والله أحبكم في الله
أحبتي في الله ،،،
القرآن زاد المؤمن وسبيله. (اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا وجلاء همنا وحزنِنا وغمِّنا)
لقد أبكتني آية من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر-آية:18.
إخوتي في الله ،،، أحبتي في الله ،،،
وأنت الآن في زمن دخول المدارس، من لم يكن أعد العدة، وجهز المال لكسوة الأولاد ومصاريف المدارس، فمن ذا الذي يقرضه اليوم؟ ومن ذا الذي يعطيه؟، إن أقَل كلمة تُقال له من زوجته: "سنُفضَح بألسنة الأولاد وسط الناس".
فكيف بك يوم القيامة؟
يوم تلقى الله.. ماذا أعددت يا عبد الله؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ..} الحشر-آية:18.
ماذا أعددت لغد؟
قال الحسن: "يا عباد الله؛ مازال ربكم يُقرب الساعة حتى جعلها كغد"، فماذا أعددت للغد؟
ماذا أعددت لسكرات الموت؟.. فإن للموت سكرات.
ماذا أعددت للخاتمة؟.. فإن بعض الناس تسوء خاتمته فيموت على الكفر.
ماذا أعددت لهذه اللحظة؟.. لحظة خروج روحك.. فراق أهلك.. ترك أولادك.. وخسارة ما تملك.
ماذا أعددت للحظة الفراق؟
ماذا أعددت لظلمة القبر؟
ماذا أعددت لسؤال الملكين؟
ماذا أعددت لأبواب الجنة والنار التي تفتح لك؟
ماذا أعددت؟.. ماذا جهزت؟.. ماذا عملت؟
ماذا في قلبك؟
ماذا عند ربك؟
ماذا بين يديك؟
ما هي أعمالك الخالصة لوجه الله؟
ماذا فعلت بسنة رسول الله؟
ماذا أعددت يا عبد الله؟
وماذا أعددت لأهوال القيامة؟
ماذا أعددت لتطاير الصحف؟
ماذا أعددت للميزان؟
ماذا أعددت للصراط؟
ماذا أعددت للعرض على الله؟
ماذا..؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما منكم إلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم" رواه البخاري.
إخوتاه ،،،
يوم تنظر إلى ما قدمت يداك؛ سترى زنية زنيتها، وكذبة كذبتها، ودنانير سرقتها، سترى خيانة خنتها، وغيبة اغتبتها، وإساءة أسأتها، وصلاة أضعتها..... سترى مآسيك.
فهل سترى هنالك حسنة مقبولة؟
ماذا أعددت لذلك اليوم؟
ماذا أعددت لحر ذلك اليوم؟
ماذا أعددت لعطش ذلك اليوم؟
ماذا أعددت لزحام ذلك اليوم؟
ماذا أعددت؟
قل لي بربك، وهذا أمر مولاك: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
انظر إلى ما قدمت وتأمل فيه.. هل هذا يصلح للعرض على الله؟
انظر.. وتأمل.. هل هذا يصلح لنجاتك من النار؟
انظر.. هل ما معك من البضاعة يصلح لشراء الفردوس من الجنة؟
انظر: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
هل ما معك يمررك على الصراط؟
قال الملك جل جلاله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم-آية:(71،70).
هل أنت على يقين من الورود؟.. فهل أنت على يقين من الصدور؟
نعم.. يا عبد الله،،،
ماذا أعددت لتلك الأهوال؟
ماذا أعددت لهجوم الغرماء أصحاب الحقوق على حسناتك؟
ماذا أعددت لذلك اليوم؟
يوم يبرأ منك الجميع؛ فترى أمك تطالبك بحسنة، وأباك يحاسبك على تقصير، وزوجتك تسلمك إلى النار لأنك لم تؤدّ حقها، وابنك يسأل ربه أن يدخلك قبله جهنم، ماذا أعددت لهذا الموقف؟
{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ، وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ، كَلَّا.. } المعارج-آية: (11-15).
ماذا أعددت يا عبد الله لتلك الأهوال؟
قل لي بربك وأنت تنظر في عملك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}الحشر-آية:18.
انظر في عملك، واتق الله، ولا تخدع نفسك، فنحن في زمن المكر والخداع..
إن كثيرا من الناس يرضى بالخداع عن الحقيقة.. يستمرئ الخداع ويحبه.. يرضاه ويرفض قبول الحقيقة ومواجهتها. إنه يرضى الكذب، فيكذب على نفسه وعلى الناس، ويصدق كذبه.. الله يأمرك حال النظر إلى عملك أن تتقي الله ولا تخادع.. أن تتقي الله ولا تمكر بنفسك.. أن تتقي الله، وألا تخدع نفسك، و ألا تكذب عليها.
أخي في الله ،،،
اتق الله.. واصدق: أهذه صلاة ترضي الله؟!
اتق الله.. أهذه تلاوة قرآن تنفع عند الله؟!
اتق الله.. أهذا منهج تربي عليه أولادك بما يرضي الله؟!
اتق الله.. هل تعامل زوجتك كما أمرك الله؟.. {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر-آية:18.
اتق الله.. وانظر..
إخوتاه ،،،
ماذا نعد؟ وكيف نعد؟
في زمنٍ طغت فيه الماديات على الخلق، الناس يبحثون عن الدنيا لا غير، لا يرضيهم إلا متاعها، وصار الفقير لا يبحث عن الكفاف بل يتطلع إلى الترف، في هذا الزمان الذي يكنز الناس فيه الذهب لا بل الدولار، صار الناس اليوم يكنزون الأموال.. ويكنزون الشقق.. ويكنزون الأراضي.. ويكنزون.. ويكنزون.. في عصر الكنز، الكل يخبّئ ويكنز ما إلى الفناء يصير.
في هذه الأيام يتميز الموحد.. ماذا يكنز..؟!
إنه يريد أن يكنز شيئًا ينفعه هناك، فهو يعلم أن مستقبله في الجنة (اللهم ارزقنا الجنة يا رب)، ليس مستقبله في شقة واسعة.. ولا أرض شاسعة.. ولا سيارة فارهة.. ولا زواج وأولاد.. ولا.... إلخ، إنما مستقبله الجنة. (اللهم ارزقنا الجنة يا رب)
..المستقبل الحقيقي في الجنة..
يا من تؤمّن مستقبل أولادك.. قد يموت أولادك قبلك، وأنت لا تدري!
يا من تؤمّن مستقبل نفسك.. قد تموت أنت الآن، ومن يدري!
فالمستقبل الحقيقي معبره القبر.. و منتهاه الجنة أو النار.. الآخرة هي المستقبل يا عبد الله.
الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من حديث أبي سعيد الخدري -وهو بإسناد جيد- يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا أنتم هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم إني أسألك قلبا سليمًا ولسانًا صادقًا، اللهم إني أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب".
يا له من كنز حقيقي يدّخره لك رسول الله هدية منه.. كنز يعطيكه كأنما أعطاك ملايين الدولارات بل أكثر.. صلى الله عليه وآله وسلم. (اللهم صلّ على النبي محمد وسلم عليه تسليمًا كثيرًا. اللهم اجزه عنا خير الجزاء)
وتعالوا لنتوقف مع تفاصيل هذه الكنوز لتكنزها لآخراك.
كنــــــوز النبـــــــي
أولها: الثبات على الأمر
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذا استجمعت غليانًا" صحيح_ صحيح الجامع و غيره. وكان أكثر دعائه: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" صحيح_ صحيح الجامع و غيره. (اللهم ثبت قلوبنا على دينك)
آه.. من تقليب القلوب.
آه.. من تكدير الأحوال.
آه.. من تغير النفوس.
آه.. من الضلال بعد الهدى.
(اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر)
اثبت يا عبد الله..
ماذا ينفعك إن عشت سنين على فعل الخير، ثم انتكست فساءت خاتمتك، وأتاك الموت وأنت ضال؟
فمن أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفسد صيامه قبل الغروب لم ينفعه ما مضى من يومه.
نعم.. يا عبد الله اثبت!
هذا زمن القابضين على الجمر.. فاقبض على الجمر لحظات.. قبل أن يقبض عليك الجمر في نار تلظى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} النبأ-آية:23. الدنيا لا تساوي شيئًا.. اصبر فأنت بعين الله، واثبت له، وأره من نفسك خيرًا ليثبتك ويعينك.
كيــــــف الثـبـــات؟
أولاً: التأسي بالنبي محمد في المواقف
كان أعظم الناس ثباتًا صلى الله عليه وآله وسلم في فتن الدنيا وفتن الدين، وصحابته ضربوا أروع الأمثلة في الثبات، فارجع إليها، وصلى الله وسلم على أنبياء الله جميعًا فلك فيهم أسوة.
ثانيًا: أن تعيش على منهج
دعك من حياة الهمجية التي تعيشها كيفما اتفق، ضع لحياتك منهجًا في العلم كيف تطلبه، وفي الدعوة كيف تقوم بها، وفي العبادة كيف تتقنها. عش على منهج، دعك من حياة يعيشها كثير من الناس كيفما اتفق، وضع خطة ودراسة جدوى للوصول إلى الجنة، حينها ترزق الثبات. (اللهم بلغنا الجنة يا رب)
ثالثًا: الثبات بالقرآن
{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}هود-آية:120، {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}الفرقان-آية:32.
رابعًا: الصحبة الصالحة (اللهم اجعلنا على عبادك الصالحين في الدنيا والآخرة)
اجتمع على إخوان يعينونك، ويثبتونك، ويرشدونك، ويدلونك، ويتفقدونك، ويذكرونك، وتعيش معهم جنة الدنيا.
خامسًا: معرفة السنن الكونية
لما شبّ الغلام قال له الراهب: "إنك ستبتلى"، فلما كان الغلام يعلم أصلًا أنه سيبتلى ثبت. فكذلك معرفتك للسنن الكونية، لا بد أن تبتلى فتدخل إلى البلاء بقلب فيه العزم على الثبات.
سادسًا: أن تعلم أنك تحت نظر الله ولن يضيعك
فالله لا يبتلي العبد ليضيعه وإنما ليثيبه ويختبره، ليس دومًا يبتلي ليعذب بل يبتلي ليصطفي ويهذب. (اللهم ارزقنا الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد)
ثانيها: العزيمة على الرشد
العزيمة في زمن الوهن.. العزيمة في زمن الضحالة.. العزيمة في زمن الفجور.. العزيمة في زمن الهزيمة .. العزيمة في زمن الضياع.. العزيمة وسط خلق متذبذبين.. العزيمة وسط قوم جائعين.. العزيمة في وسط أنصاف رجال.. العزيمة بين قوم ليست لهم عزيمة. (اللهم إنا نسألك العزيمة على الرشد)
قال العلماء: "العزيمة استجماع قوى الإرادة على الفعل والعزيمة على الرشد (الرشد: معرفة الحق والسير فيه)، فالناس ثلاثة: راشد، غاوٍ وضال. الراشد: عرف الحق فاتبعه. والغاوي: عرف الحق ولم يتبعه. والضال: لم يعرف الحق ولم يتبعه". (اللهم اجعلنا أفضل الثلاثة، اللهم اجعلنا من الراشدين)
من أين نســـتـلهــم العزيــــــمة؟
أولاً: بالاستعانة بالله
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}الفاتحة-آية:5، فوحدك لن تصنع شيئًا.. بك لن تستطيع شيئًا.. منك لن تحقق شيئًا، أما بالله فستكون منك العجائب.
إخوتاه ،،،
إن الكثير منا يحسب الحسابات بميزانه، ويدبر الأمور بعقله وتفكيره وإمكانياته، ولا يضع الله في الحساب، الله هو كل من تملك، وإذا استعنت به أعانك.
فإذا كان الله لك؛ فمن يضرك؟
وإذا كان الله معك؛ فمن عليك؟
قال الملك جل جلاله مصبّرًا نفوس المؤمنين:
- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}الزمر-آية:36.
- وقال: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} الزمر-آية:36.
- وقال: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}التوبة-آية:51.
- {هُوَ مَوْلاَنَا} التوبة-آية:51. وهذا تطييب لقلب المبتلى حين ينزل البلاء، ولذلك تجد الموحد يقول: "هذا من مولاي"، فينزل على القلب برد السكينة، وتلك هي العزيمة.
و من أروع نماذج العزيمة موقف أبي بكر الصديق، حين قال وقد عزم على خوض حروب الردة: "يا عمر، والله لو خذلتني يميني لقاتلتها بشمالي".
يا خائر العزيمة..
يا ضعيف الهمة..
يا دنيء القيمة..
يا من تعجز حتى عن العزم عن صلاة ركعات قبل الفجر..
ثم تريد للأمة النصر.. أيــــــــن العزيمة؟
إننا نحتاج أن نستعين بالله؛ فلا تغرنا قوتنا، ولا تخدعنا أعمالنا، ولا توهمنا أقوالنا وذكاؤنا ولا عقولنا. وفي المقابل لا يثبطنا ضعفنا، ولا تسفلنا هزيمتنا. قال الملك ذو الجلال: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}آل عمران-آية:139. (اللهم اجعلنا من المؤمنين حقًا)
لما وقف المسلمون في معركة مؤتة، ورأوا حشود الروم، فكَّروا في الفرار، فقال عبد الله بن رواحة: "والله إن التي منها تفرون هي التي جئتم تطلبون؛ إما النصر وإما الشهادة، فعلام الفرار؟ هيا احملوا على بركة الله"، فحملوا فكان أول الشهداء.
ثانيًا: التوكل على الله
قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه}آل عمران-آية:159، فنحتاج لا إلى مجرد التوكل، بل إلى الصدق في التوكل. قال الملك: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}محمد-آية:21. (اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك يا رب)
إن كثيرًا من الناس لا يفهمون معنى صدق التوكل الذي هو الأخذ بالأسباب مع تعلق القلب بالله.
- أن تسعى في الأسباب. (لا تنام.. لا تركن.. لا تضعف.. لا تهن.. لا تحزن.. لا تفتر..)
- مع صدق التوكل على الله. ( تقوّ، وانطلق، واستعن بالملك ذي الجلال.. استعن بذي القوة.. استعن بالجبار.. استعن بالمهيمن.. استعن بالقاهر فوق عباده..)
ثالثًا: عدم اليأس
ديننا فيه اليأس كفر؛ قال تعالى:{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف-آية:87.
لا تيأس.. فالرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، فتاب الله عليه، وأدخله الجنة.
لا تيأس.. فالرجل عالج قيام الليل عشرين سنة، ثم تمتع به عشرين سنة.
لا تيأس.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث والكفر يملأ أطباق الأرض، وحاول المشركون قتله عشرات المرات بالخنق وبالأحجار وبالضغط على رأسه بالحذاء وبالضرب وبالسم، وما يئس حتى أظهر الله به دينه.
لا تيأس.. لا تيأس أبدًا
قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} طه-آية: 115، ولكنه لما نسي ولم يكن له عزم، قال تعالى: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ.. } البقرة-آية: 37؛ الله يرحم ضعفك إذا استعنت به لتستقوي على ضعفك. (اللهم قوّ في رضاك ضعفنا)
نعم.. أخي ،،،
انتبه..! (تقوية العزم تكون بعدم اليأس)
حاول مرة واثنتين وثلاثة، وكما قيل: "السم الذي لا يقتلني يزيدني قوة".
لا تيأس..
- حاول قيام الليل.
- وحاول صيام النهار.
- واجتهد في غض البصر.
- وجاهد في حفظ القرآن.
- وأحسن في تعلم العلم والدعوة إلى الله، ولا تيأس من الخلق.
- ادع مرة وعشرًا وألفًا، واصبر؛ فأطولكم صبرًا أكثركم نصرًا. (اللهم إنا نسألك العزيمة على الرشد)
رابعًا: إجراء بعض تمارين العزيمة
إخوتاه ،،،
للأسف الشديد إنني أري في زماننا.. الهلع في وجوه الكثير من الناس؛ تجد المرء بمجرد أن يصيبه شيء من ارتفاع الحرارة يهلع فيعتقد أنها حمى.. وهكذا. قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} المعارج-آية: (19-22). (اللهم اجعلنا من المصلين)
هل أنت من المصلين؟
لِمَ الجزع إذن؟!.. لماذا الخوف إذن؟!.. لماذا الرعب؟!
إن مجرد عارض بلاء متوقع أو متوهم في ذهن المرء قد يجعل عقله يطيش، أو يُفَرط في دينه، ويترك طريق الله، وذلك لضعف العزيمة، إننا بحاجة لإجراء بعض تمارين العزيمة.
جرب عندما تصاب بصداع وأمامك الأدوية المختلفة والعلاج والمسكنات، أن تقول: "أنا سأرقي نفسي، وأتوكل على الله، وأصبر حتى يذهب الصداع".
- هل سيذهب الصداع أم لا؟
- بإذن الله يذهب
- من الشافي؟
- الله.
جاءت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله إني أصرع، فادع الله أن يشفيني"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك"، قالت: "بل اصبر ولا حساب علي".حسن صحيح_صحيح الترغيب. فهذه كان بين يديها علاج يقيني "إن شئت دعوت الله فشفاك "، فاختارت الصبر. (اللهم ارزقنا الصبر)
تمــــــاريــن العـزيــــــمة
* أن تجد من يشتمك ويؤذيك ويرفع صوته عليك، وتكتم غضبك، وتكظم غيظك، وتصبر لوجه الله.
* أن تصوم يومًا وتطيل الصيام بعد الغروب.. ساعتين.. ثلاثة.. أربعة.
* أن تسجد وتطيل السجود نصف ساعة أو ساعة أو أكثر.
أليس مثل هذا ما يفعله الرياضيون؟؟.. أليسوا يتمرنون ليحصدوا الانتصارات؟؟
أيها الإخوة ،،،
من أقوى تمارين العزيمة: رؤية العاقبة ورؤية الغاية
إنني أتعجب حين أنظر إلى لاعب الملاكمة مثلًا أو لاعب المصارعة أو لاعبي العدو أو السباحة.. عم يبحث هؤلاء؟! وعلام يحصلون؟!
تجد معاناتهم في التدريبات.. وركوبهم الخطر.. والمجازفة في المواجهة.. من أجل أن يحصلوا على لقب (بطل)..!
ألا تريد أن تكون بطلاً عند الله؟!
ألا تريد أن تنال وسام الشرف من الدرجة الأولى من الله؟
انظر إلى العاقبة..!
تجد اللاعب في العدو يجري ويجري، فإذا رأى الغاية.. (أي قرب نهاية السباق) بذل أقصى جهده بعد أن جرى ساعة أو ساعتين وأنهكت قواه.. يا ترى من أين نأتي بهذه القوة؟!
نأتي بها بالنظر إلى الغاية.. فإذا رأيت الجنة هان عليك التضحية بكل شيء وقويت عزيمتك. (اللهم قوي في رضاك ضعفنا، اللهم إني أسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد)
العزيمة يا شباب.. قووا عزيمتكم ليقبلكم الله
إخوتي في الله،،، أحبتي في الله ،،،
هؤلاء الذين يقفون في الشمس.. (أسأل الله عز وجل أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يثيبهم، وأن ينجيهم من حر يوم القيامة والسامعين)، إنني أصبّركم إخوتاه، ولكن لابد من تمام اللقاء، فهذه فرصة أن تسمعوا، فلعلها لا تعوّض. (أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا)
ونواصل عرض كنوز النبي:
ثالثها: الغنيمة من كل بر
بعد الثبات والعزيمة، تأتي الغنيمة من كل بر. وأسبابها ما يلي.
أســـبــابـها
أولاً: المسارعة إلى كل خير
كلما وجدت خيرًا طرْت إليه: تتصدق.. تقوم الليل.. تصل الرحم.. تبر والديك.. تتبع الجنائز، تعود المرضى.. تحسن إلى الجار.. إلخ.
في عصر البطء إلى الخير والمسارعة إلى الدنيا، الله يحب من عبده المسارعة إلى الخيرات، وإنما البطء صفة المنافقين، قال تعالى عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} النساء-آية:132، وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}النساء-آية:72 (منكم تشير إلى المنافقين دائما).
يا بطيء.. الجنة فرص.. فاغنم الفرص
وتعال اليوم لتقرأ في الصحف:
- "فرصة عظيمة؛ (دش) بالتقسيط".. بمعنى فرصة لدخول النار.
- تقرأ في أيضًا: "فرصة عظيمة: أرباح ربوية بقيمة كذا وكذا".. بمعنى فرصة لحرب الله.
إننا نريد فرصًا حقيقية لدخول الجنة (اللهم ارزقنا الجنة يا رب). ونصيحتي إليك لدخول الجنة في زمن الغفلة أن تفعل خيرًا كلما سنحت لك الفرصة.. فانتهز الفرص، وسارع إلى الخير.
ثانيًا: لا تحقرن من المعروف شيئًا.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه لا يمر يوم إلا ويتصدق بصدقة، وفي يوم بحث في بيته عن شيء يتصدق به، فلم يجد إلا بصلة، فحملها في جيبه وخرج، فقالوا: "تحمل في جيبك بصلة تنتن ريحك..!"، قال: "لا أخلف اللهَ وعدًا".
عبد الله بن مسعود بحث عن شيء يتصدق به، فلم يجد إلا تمرة، فتصدق بتمرة وبكى، كأنه يستقلها، ثم قال: "كم في هذه التمرة من ذرة، والله لا يظلم مثقال ذرة".
لا تحقرن من المعروف شيئًا:
- تستطيع الآن أن تسبح تسبيحة؟.. (افعل).
- تستطيع أن تصلي ركعتين؟.. (صلّهما).
- تستطيع أن تتصدق بجنيه؟.. (تصدق به).
- تستطيع أن تزور قريبا لك؟.. ( زره).
- تستطيع أن تكلم عاصيا بكلمة؟.. (كلّمه).
- كلما وجدت فرصة لإرضاء الله فافعل.
قال لقمان لابنه: "يا بني عود لسانك: (ربي اغفر لي)، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلًا".
يا شباب ،،،
هناك ساعات إجابة.. ساعات رحمة.. ساعات قبول.. هذه الساعات غير محدودة وغير معروفة. لا أنت تعرفها ولا أنا أعرفها ولا أحد، فلذلك افعل الخير على قدر ما تستطيع، فقد يصادف هذا الخير اليسير الذي فعلته ساعة القبول فتقبل، فتدخل الجنة.
أيضًا من أسباب الغنيمة من كل بر:
ثالثًا: معرفة المواهب والقدرات والطاقات
يا شباب ،،،
بعضهم قال: "أنا حاولت أن أكون مغنيًا، فقالوا لي: صوتك قبيح، وحاولت أن أكون ملحنًا فلم أفلح، وحاولت أن أكون مؤلفًا للأغاني فوجدتها لا تنفع، فجربت التمثيل فنجحت". هؤلاء الذين يريدون الشهرة والمال ودخول جهنم بإضلال العباد والعياذ بالله، يبحثون ويحاولون تفجير الطاقات والمهارات.. فهل بحثت ماذا تصلح لله؟ هل جرّبت أن تصبح عالمًا أو عابدًا أو داعية أو مربيَا؟
ومازالت الوظيفة شاغرة، وما وجدنا من يتقدم لهذه الوظيفة، رغم أن الأمة تعاني من البطالة: المطلوب خدامٌ لدين الله.
و من أسباب الغنيمة من كل بر؛
رابعًا: التركيز في تكوين هم الآخرة (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، وارزقنا السلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر)
رابعها: السلامة من كل إثم
كثرت في زمننا الآثام، وزادت عن حدها المعاصي والسيئات، فلذلك نحتاج البعد عن الآثام والسلامة منها. والسبيل إلى ذلك:
1. أن يكون بينك وبين الحرام مسافة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال" إسناده جيد_السلسة الصحيحة. أول سبيل للسلامة من كل إثم أن يكون بينك وبين الحرام مسافة من حلال، لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه: "ألا لكل ملك حمى، و حمى الله محارمه" متفق عليه.
خذ بمبدأ السلامة أولا، واطرد المعاصي.. أبعدها وليكن ما يكون.. اخسر أصدقاءك الذين يعينونك على الإثم.. اخسر كرامتك الدنيوية في سبيل البعد عن الإثم.. اخسر توقير الناس واحترامهم لك لتكون بعيدًا عن الإثم.. ضحّ بكل شيء إلا الله. (اللهم إنا نسألك السلامة من كل إثم)
2. مراقبة الملك:
الله معك.. يسمعك ويراك وسيحاسبك، وقد يبطش بك وأنت على المعصية.
3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أن تأمر بالخير، وأن تنهى عن الشر، وسبيل ذلك أن تأمر بالمعروف بمعروف، وتنهى عن المنكر بغير منكر.
4. ألا تجاور أماكن المعصية.
5. النظر في العواقب: فكّر أنك قد تموت على الإثم فتدخل جهنم.
6. دوام الدعاء أن يعافيك الله من الحرام.
إخوتاه،،،
هذه الأربعة أصول.. وهي أركان بيتك.(اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم)
فأقيموا أركانكم على هذه الأربعة حتى يقدر الله لنا اللقاء فنتمّ بقية الكنوز..هذه هدية المصطفى إليك.
هل تقبلها؟.. هل تكنزها؟.. هل تعمل بها؟.. هل تعيشها؟
إذا كنزتها نفعتك يوم الفضائح..
إذا كنزتها نفعتك يوم الحسرة..
إذا كنزت هذه الأربعة نفعتك عند السكرات وفي القبر وعند الصراط.
اللهم -يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم- صلّ على النبي محمد وسلم تسليمًا كثيرا..
اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، كفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..
اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، تولّ أمرنا، وأحسن خلاصنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..
يسر أمورنا، واهد قلوبنا، واشرح صدورنا..
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامح خطيئتنا، وارفع درجتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا..
اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار..
اللهم إنا نسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا..
اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، ونسألك حسن عبادتك..
اللهم إنا نسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، فأنت علام الغيوب..
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان..
اللهم انصر إخواننا في فلسطين..
اللهم اكشف عنهم الضر..
اللهم انتقم من اليهود المجرمين، دمرهم تدميرا، خذهم أخذ عزيز مقتدر، اكفِ المسلمين شرهم..
اللهم احفظ أعراض المسلمين، واحرس بيوت المسلمين، ورد كيد الكائدين، وادفع ظلم الظالمين، وامنع أذى المؤذين.. أنت القوي المتين لا سبيل لنا ولا قوة لنا لننتصر، فإنما نحن بك، فكن لنا ولا تكن علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وانصرنا على من بغى علينا..
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
رب اشف كل مريض مسلم، وعاف كل مبتلى، اقض الدين عن كل مدين مسلم، فرج هم المهمومين من المسلمين، واكشف كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين..
اللهم أطلق سراح المأسورين، اربط على قلوبهم، وقوّ إيمانهم، وأعنهم على ما هم فيه، وادفع عنهم يا رب العالمين.. اللهم إنا نسألك أن تنصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان..
اللهم انصر إخواننا في الشيشان وبورمة وتايلاند وكشمير وكل بلاد المسلمين
وصلى الله و بارك على النبي محمد وآله. والحمد لله رب العالمين.