عاد أخيراً مسارع الهادرونات الكبير LHC إلى العمل يوم الجمعة الماضي بعد إصلاحات استمرت 14 شهر وتكلفت أكثر من 40 مليون دولار!
خبر مثير بالتأكيد، لكن إذا كانت هذه المرة الأولى التي تسمعون فيها اسم “مسارع الهادرونات الكبير” أو تجربة سيرن، فما رأيكم أن نتعرف في هذا الموضوع على أكبر تجربة علمية في تاريخ البشرية!!!
ولكن قبل أن نبدأ جهزوا أنفسكم واشحذوا أذهانكم لأننا سنذهب إلى عالم يصبح العلم فيه أغرب من الخيال!
سيرن هو اسم المنظمة الاوروبية للأبحاث النووية، وهو اختصار لاسم المنظمة بالفرنسية: Conseil Européen pour la Recherche Nucléaire، وهي أكبر مختبر للفيزياء الجزيئية في العالم.
ولسيرن مساهمات هائلة للبشرية في مجال الفيزياء وفي مجالات أخرى أيضاً، ولكم أن تتخيلوا أن الفضل في شبكة الويب التي تقرأون من خلالها هذا الموضوع هو العالم البريطاني السير تيم بيرنيرز لي الذي يعمل ضمن سيرن!
قبل أن نعرف ما هي تجربة سيرن، لنتعرف أولاً على حقيقة ستفاجئكم كثيراً: تعلمون بالطبع أننا (أنا وأنت) نتكون ويتكون كل من حولنا من المادة، لكن هل تتصورا أن هذه المادة التي نظنها كل شيء ليست سوى 4% فقط من الكون الذي نعرفه؟!! وأن باقي الكون (96%) يتكون من أشياء غامضة لا يعرفها العلماء ولا يستطيعون رؤيتها بأجهزتهم وتلسكوبتها ولكنهم على يقين من وجودها لأنهم يشاهدون آثارها؟!!
هذا اللغز وهذه الحقيقة الغريبة هي أساس تجربة سيرن، حيث يحاول العلماء اكتشاف أسرار المادة لنعرف حقيقة الكون الذي نعيش فيه.
من خلال تفكيك مكونات الذرة ومشاهدة ما تحتويه داخلها. لكن المشكلة أن مكونات الذرة صغيرة جداً جداً وتربطها قوى كبيرة جداً جداً لذا لا نستطيع تفكيكها بهذه البساطة. ما هو الحل إذاً؟
تخيل معي الآتي: لو أعطيتك مجموعة قطع ليجو (لعبة الفك والتركيب)، وكانت هذه القطع ملتصقة ببعضها البعض بشدة وقلت لك أني أريد منك فكّها من بعضها البعض بأي ثمن وبأي شكل. ماذا ستفعل؟
ستحاول بكل جهدك، ولكن إذا فشلت ستقوم بقذفها بكل قوتك في الحائط أو على الأرض في محاول لفصلها عن بعضها البعض بالقوة. وهذا هو ما يحاول العلماء فعله:
أن يقوموا بصدم الجزيئات ببعضها البعض بكل قوة لسحق هذه الجزيئات وتفكيكها إلى أبسط مكوناتها
لكن السؤال هنا أيضاً، إذا كنا نقول أنها صغيرة جداً، كيف سيقوم العلماء بصدم هذه الذرات بكل قوة؟
لنجيب عن هذا السؤال بمثال آخر:
لو شبهنا الجزيء بالحَجَر. وقلت لك أنني أريد أن أقذف هذا الحجر لأبعد مسافة ممكنة؟ أي (بلغة علمية) أريد أن أجعله يكتسب أكبر طاقة ممكنة ليذهب إلى أبعد مسافة. ماذا ستفعل؟
لو كنت مكانك سأقوم بربط هذا الحجر بحبل وسأقوم بتحريكه في مسار دائري حول الحبل عدة مرات حتى يكتسب طاقة كبيرة ثم سأقوم بقذفه، تماماً مثلما يفعل قاذف الجُلّة في ألعاب الأولومبياد حين يدور حول نفسه أولاً مرة أو مرتين قبل قذف الجُلّة).
هذا هو أيضاً ما يفعله العلماء في سيرن، ولكن بدلاً من الحجر يوجد جزيء البروتون. وبدلاً من الحبل يوجد ما يسمى بمسارع الهادرونات الكبير.
حاولوا أن تتتناسوا اسمه المخيف (لنسميه دودو مثلاً!)، ولننظر لدودو ببساطة على أنه نفق طويل للغاية (يصل طوله لـ27 كم!) ويقع تحت الأرض:
يمر هذا النفق تحت الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من مدينة جنيف، ويعتبر أضخم وأعقد جهاز عِلمي في العالم!
سيقوم العلماء بإطلاق شعاع من البرتونات في هذا النفق من أحد الاتجاهات، وإطلاق شعاع من اتجاه آخر، وسيظل هذان الشعاعان يدوران في هذا المسارع حتى تصل لسرعتهم لـ 99.9999991% من سرعة الضوء وحينها يصطدم هذان البروتونات ببعضهما البعض ليتم سحقهما، وحينها سيظهر البروتون المضاد، وسيظهر أيضاً العديد من الألغاز التي يأمل العلماء أن تكشف أسرار الكون.
1. اللغز الأساسي الذي يأمل العلماء اكتشافه هو ما يسمى بجزيء البوزون هيجز Higgs boson (اسمه لا يقل سوءاً عن مسارع الهادرونات!). وهو جسيم دون ذري لم يُكتشَف حتى الآن، لكن يعتقد العلماء أنه مصدر كتلة كل الأجسام في الكون، وأنه سبب وجود كتلة لي ولك ولكل ما حولنا، حيث يعتقد العلماء أن سبب وجود كُتل للأجسام في الكون هو تفاعل هذه الأجسام مع مجال هيجز (الذي لا نراه ولم نكتشفه بعد!).
2. يأمل العلماء أيضاً فهم حقيقة ما يوجد في 96% من الكون ولا نستطيع أن نراه!
3. يأمل العلماء كذلك الإجابة عن لغز اختفاء المادة المضادة.
4. يريد العلماء بهذه التجربة محاكاة الظروف التي كانت موجودة بعد واحد على مليار من الثانية من نشأة الكون قبل 13,7 مليار عام!!
5. ثم أخيراً وليس آخراً يأمل العلماء الكشف عن الأبعاد الأخرى الموجودة في هذا الكون! (10 أبعاد كما يتوقع العلماء!!).
وهناك في المقابل مخاوف أبداها العديد من العلماء حول العالم من أن هذا الاصطدام قد يؤدي إلى حدوث ثقب أسود يقوم بابتلاع الأرض كلها ! ولكن العلماء المشرفون على هذا المشروع رفضوا هذه الفكرة تماما، حتى أن الأمر أثار خيال كتاب قصص الخيال العلمي فكتب دان براون، مؤلف “شفرة دافنتشي” رواية بعنوان ”ملائكة وشياطين”، تخيل فيها مجتمعا سريا يريد أن يدمر الفاتيكان باستخدام قنبلة من المادة المضادة، تم سرقتها من معمل سيرن، وتم عمل هذه الرواية في فيلم Angels & Demons الذي عُرض منذ عدة أشهر.
وبهذه الإطلالة التي حاولت اختصارها قدر الإمكان، أخذنا فكرة سريعة عن تجربة سيرن وما يريد العلماء تحقيقه من خلالها. سنتابع تطورات هذا الموضوع خلال الأسابيع القادمة إن شاء الله. وأختم ببعض الحقائق المدهشة عن تجربة سيرن لتدركوا سر تسميتها بـ”أكبر تجربة علمية في تاريخ البشرية”:
- اصطدام حزمتين من البروتون يُولد مستويات حرارة قد تصل إلى ألف مليار درجة ! وفي ظرف جزء من الثانية، ستصبح النقطة متناهية الصغر الناتجة عن الاصطدام هي النقطة الأكثر حرارة في مجرتنا كلها (مجرة درب التبانة)!! وهي بذلك أكبر من الحرارة في باطن الشمس بـ 100,000 مرة !!
- سيكون قلب مُصادم الهيدرونات الكبير (LHC) أضخم آلة تجميد في العالم. حيث يوجد 700,000 لتر من الهليوم السائل تُبقي المغنطيسات في 271- درجة مئوية، وهي درجة حرارة أدنى من درجة حرارة الفضاء بين النجوم!
- البيانات والمعلومات الناتجة عن الاختبار حوالي 70000 جيغابايت في الثانية الواحدة ! لن يحفظ العلماء منه سوى ما يعادل 200000 دي في دي في السنة الواحدة، وتم عمل شبكة من عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر في شبكة خاصة تسمى Grid!
خبر مثير بالتأكيد، لكن إذا كانت هذه المرة الأولى التي تسمعون فيها اسم “مسارع الهادرونات الكبير” أو تجربة سيرن، فما رأيكم أن نتعرف في هذا الموضوع على أكبر تجربة علمية في تاريخ البشرية!!!
ولكن قبل أن نبدأ جهزوا أنفسكم واشحذوا أذهانكم لأننا سنذهب إلى عالم يصبح العلم فيه أغرب من الخيال!
ما هي سيرن CERN؟
سيرن هو اسم المنظمة الاوروبية للأبحاث النووية، وهو اختصار لاسم المنظمة بالفرنسية: Conseil Européen pour la Recherche Nucléaire، وهي أكبر مختبر للفيزياء الجزيئية في العالم.
ولسيرن مساهمات هائلة للبشرية في مجال الفيزياء وفي مجالات أخرى أيضاً، ولكم أن تتخيلوا أن الفضل في شبكة الويب التي تقرأون من خلالها هذا الموضوع هو العالم البريطاني السير تيم بيرنيرز لي الذي يعمل ضمن سيرن!
إذاً ما هي “تجربة سيرن”
؟قبل أن نعرف ما هي تجربة سيرن، لنتعرف أولاً على حقيقة ستفاجئكم كثيراً: تعلمون بالطبع أننا (أنا وأنت) نتكون ويتكون كل من حولنا من المادة، لكن هل تتصورا أن هذه المادة التي نظنها كل شيء ليست سوى 4% فقط من الكون الذي نعرفه؟!! وأن باقي الكون (96%) يتكون من أشياء غامضة لا يعرفها العلماء ولا يستطيعون رؤيتها بأجهزتهم وتلسكوبتها ولكنهم على يقين من وجودها لأنهم يشاهدون آثارها؟!!
هذا اللغز وهذه الحقيقة الغريبة هي أساس تجربة سيرن، حيث يحاول العلماء اكتشاف أسرار المادة لنعرف حقيقة الكون الذي نعيش فيه.
وكيف يريد العلماء معرفة ذلك؟
من خلال تفكيك مكونات الذرة ومشاهدة ما تحتويه داخلها. لكن المشكلة أن مكونات الذرة صغيرة جداً جداً وتربطها قوى كبيرة جداً جداً لذا لا نستطيع تفكيكها بهذه البساطة. ما هو الحل إذاً؟
تخيل معي الآتي: لو أعطيتك مجموعة قطع ليجو (لعبة الفك والتركيب)، وكانت هذه القطع ملتصقة ببعضها البعض بشدة وقلت لك أني أريد منك فكّها من بعضها البعض بأي ثمن وبأي شكل. ماذا ستفعل؟
ستحاول بكل جهدك، ولكن إذا فشلت ستقوم بقذفها بكل قوتك في الحائط أو على الأرض في محاول لفصلها عن بعضها البعض بالقوة. وهذا هو ما يحاول العلماء فعله:
أن يقوموا بصدم الجزيئات ببعضها البعض بكل قوة لسحق هذه الجزيئات وتفكيكها إلى أبسط مكوناتها
لكن السؤال هنا أيضاً، إذا كنا نقول أنها صغيرة جداً، كيف سيقوم العلماء بصدم هذه الذرات بكل قوة؟
لنجيب عن هذا السؤال بمثال آخر:
لو شبهنا الجزيء بالحَجَر. وقلت لك أنني أريد أن أقذف هذا الحجر لأبعد مسافة ممكنة؟ أي (بلغة علمية) أريد أن أجعله يكتسب أكبر طاقة ممكنة ليذهب إلى أبعد مسافة. ماذا ستفعل؟
لو كنت مكانك سأقوم بربط هذا الحجر بحبل وسأقوم بتحريكه في مسار دائري حول الحبل عدة مرات حتى يكتسب طاقة كبيرة ثم سأقوم بقذفه، تماماً مثلما يفعل قاذف الجُلّة في ألعاب الأولومبياد حين يدور حول نفسه أولاً مرة أو مرتين قبل قذف الجُلّة).
هذا هو أيضاً ما يفعله العلماء في سيرن، ولكن بدلاً من الحجر يوجد جزيء البروتون. وبدلاً من الحبل يوجد ما يسمى بمسارع الهادرونات الكبير.
ما هو مسارع الهادرونات الكبير؟
حاولوا أن تتتناسوا اسمه المخيف (لنسميه دودو مثلاً!)، ولننظر لدودو ببساطة على أنه نفق طويل للغاية (يصل طوله لـ27 كم!) ويقع تحت الأرض:
يمر هذا النفق تحت الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من مدينة جنيف، ويعتبر أضخم وأعقد جهاز عِلمي في العالم!
سيقوم العلماء بإطلاق شعاع من البرتونات في هذا النفق من أحد الاتجاهات، وإطلاق شعاع من اتجاه آخر، وسيظل هذان الشعاعان يدوران في هذا المسارع حتى تصل لسرعتهم لـ 99.9999991% من سرعة الضوء وحينها يصطدم هذان البروتونات ببعضهما البعض ليتم سحقهما، وحينها سيظهر البروتون المضاد، وسيظهر أيضاً العديد من الألغاز التي يأمل العلماء أن تكشف أسرار الكون.
ما هي الألغاز التي يريد العلماء كشفها؟
1. اللغز الأساسي الذي يأمل العلماء اكتشافه هو ما يسمى بجزيء البوزون هيجز Higgs boson (اسمه لا يقل سوءاً عن مسارع الهادرونات!). وهو جسيم دون ذري لم يُكتشَف حتى الآن، لكن يعتقد العلماء أنه مصدر كتلة كل الأجسام في الكون، وأنه سبب وجود كتلة لي ولك ولكل ما حولنا، حيث يعتقد العلماء أن سبب وجود كُتل للأجسام في الكون هو تفاعل هذه الأجسام مع مجال هيجز (الذي لا نراه ولم نكتشفه بعد!).
2. يأمل العلماء أيضاً فهم حقيقة ما يوجد في 96% من الكون ولا نستطيع أن نراه!
3. يأمل العلماء كذلك الإجابة عن لغز اختفاء المادة المضادة.
4. يريد العلماء بهذه التجربة محاكاة الظروف التي كانت موجودة بعد واحد على مليار من الثانية من نشأة الكون قبل 13,7 مليار عام!!
5. ثم أخيراً وليس آخراً يأمل العلماء الكشف عن الأبعاد الأخرى الموجودة في هذا الكون! (10 أبعاد كما يتوقع العلماء!!).
وهناك في المقابل مخاوف أبداها العديد من العلماء حول العالم من أن هذا الاصطدام قد يؤدي إلى حدوث ثقب أسود يقوم بابتلاع الأرض كلها ! ولكن العلماء المشرفون على هذا المشروع رفضوا هذه الفكرة تماما، حتى أن الأمر أثار خيال كتاب قصص الخيال العلمي فكتب دان براون، مؤلف “شفرة دافنتشي” رواية بعنوان ”ملائكة وشياطين”، تخيل فيها مجتمعا سريا يريد أن يدمر الفاتيكان باستخدام قنبلة من المادة المضادة، تم سرقتها من معمل سيرن، وتم عمل هذه الرواية في فيلم Angels & Demons الذي عُرض منذ عدة أشهر.
وبهذه الإطلالة التي حاولت اختصارها قدر الإمكان، أخذنا فكرة سريعة عن تجربة سيرن وما يريد العلماء تحقيقه من خلالها. سنتابع تطورات هذا الموضوع خلال الأسابيع القادمة إن شاء الله. وأختم ببعض الحقائق المدهشة عن تجربة سيرن لتدركوا سر تسميتها بـ”أكبر تجربة علمية في تاريخ البشرية”:
- اصطدام حزمتين من البروتون يُولد مستويات حرارة قد تصل إلى ألف مليار درجة ! وفي ظرف جزء من الثانية، ستصبح النقطة متناهية الصغر الناتجة عن الاصطدام هي النقطة الأكثر حرارة في مجرتنا كلها (مجرة درب التبانة)!! وهي بذلك أكبر من الحرارة في باطن الشمس بـ 100,000 مرة !!
- سيكون قلب مُصادم الهيدرونات الكبير (LHC) أضخم آلة تجميد في العالم. حيث يوجد 700,000 لتر من الهليوم السائل تُبقي المغنطيسات في 271- درجة مئوية، وهي درجة حرارة أدنى من درجة حرارة الفضاء بين النجوم!
- البيانات والمعلومات الناتجة عن الاختبار حوالي 70000 جيغابايت في الثانية الواحدة ! لن يحفظ العلماء منه سوى ما يعادل 200000 دي في دي في السنة الواحدة، وتم عمل شبكة من عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر في شبكة خاصة تسمى Grid!