وداعا يا رمضان
عبدالله بن محمد العسكر
== ها قد أوشكت شمس هذا الشهر على المغيب ، وآذنت أيامه الغر ولياليه الحسانُ على السفر و الرحيل .ولم يبق منه إلا صُبابة كصبابة الإناء !!
أجل لقد مرت ساعاته وأيامه كالبرق الخاطف والحلم الجميل العابر :
سلام من الرحمن كـلَّ أوان *** على خير شهر قد مضى و زمان
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كلُّ أمـــان
لئن فنيت أيامك الغر بغـتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفـان
ولنا مع توديع شهرنا وقفات يسيرات :
الوقفة الأولى :
الله الله في الحرص على تكثيف الطاعات وزيادتها في ختام هذا الشهر المبارك ، فلم يبق إلا القليل في مضمار السباق وتصل ، فلا تسقط وتكسل وقد لاح لك الهدف واقتربت منه .
## واعلم أن الكريم جعل الليلة الأخيرة من هذا الشهر من خير ليالي الشهر تعويضا لمن فاته الخير وكرامة للمحسنين .
## فعلى المسلم أن يحرص في ختام شهره على أن يكثر من الخير ما استطاع فإنما الأعمال بالخواتيم . كان أحد السلف إذا جاء آخر رمضان اشترى جارية حسناء وجملها وألبسها الحلي ثم يعتقها لوجه الله راجيا بذلك أن يعتقه الله من النار !!
## ومما يسن فعله عند ختام الشهر :
1- كثرة التكبير ، تعظيما لله وشكرا له على إتمام الصيام والقيام . كما قال الله (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) .
2- ومما يشرع أيضا ويجمل بالصائم في آخر شهره : أن يكثر من الاستغفار ، وهي سنة متبعة في عموم العبادات . فالاستغفار يكون لأجل التقصير الذي حصل في الصيام من تفويت بعض الطاعات ،والوقوع في بعض المنهيات كالغيبة أو الكذب أو نحو ذلك .
كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم أن يختموا شهرهم بالاستغفار وصدقة الفطر ، ومما جاء في كتابه ذلك للناس : " قولوا كما قال أبوكم آدم ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
الوقفة الثانية :
الحذر من الرجوع إلى المعصية وترك الطاعة بعد رمضان :
فيا من صبر وصابر في هذا الشهر وذاق طعم الإيمان وحلاوة قراءة القرآن إياك إياك أن تفسد ذلك كله بالرجوع إلى المعصية والانغماس في أوحالها . لاتكن ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) واحذر أن تهجر طاعة مولاك وترك الجمع والجماعات ، والعيش في رحاب الباقيات الصالحات ، ولا تكن من عباد رمضان فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان !!
الوقفة الثالثة :
من المقبول الذي قبل الله صيامه وقيامه ؟! إنه السؤال الذي لم يغادر أذهان الصالحين والصالحات ، وأرقهم وأسبل دموعهم ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون _ أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )
## قال علي بن أبي طالب : " كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماما منكم بالعمل "
وعن فَضالة بن عبيد قال : " لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول ( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
## وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " من المقبول منا فنهنيه ؟ و من المردود منا فنعزيه ؟ أيها المقبول هنيئاً لك ، و يا أيها المردود جبر الله مصيبتك "
غدا توفى النفوس ما صنعت *** ويحصِد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
قال الزهري :" إذا كان يوم الفطر وخرج الناس إلىالجَبَّان ( المصلى ) اطلع الله عليهم وقال : عبادي ! لي صمتم ، ولي قمتم ، ارجعوا مغفورا لكم !! "
وقال مورق لعجلي لبعض إخوانه في المصلى يوم الفطر : " يرجع هذا اليوم قومٌ كما ولدتهم أمهاتهم !! "
## نعم لقد آذن ضيفنا الحبيب بالرحيل ، ولم يبق على وقت الوداع سوى القليل . أعرف من إذا بلغه نبأ الإعلان عن ثبوت العيد يبكي بكاء مريرا ، ويزداد نحيبه ، وقد اعتاد الناس منه ذلك كل عام !! فهل ترونه يلام على ذلك ؟!
يا لائمي في البكا زدني به كلفاً *** واسمع غريب أحاديث وأشعار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع *** منا المصلي ومنا القانتُ القاري
وفي التراويح للواحات جامعة *** فيها المصابيح تزهو مثلَ أزهار
شهرٌ به يُعتق الله العصاة وقد *** أشفوا على جُرف من حصة النار
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا *** ما قد بقي، فهو حقٌ عندكم جاري
ذهب رمضان أو كاد رُحم فيه سعداء ، وحرم من خيره أشقياء .
مضى الشهر فهنيئا لمن صابر فيه نفسه على الجوع والعطش ، ونصب في ظلمات لياليه أقدامَه لله رب العالمين ، راكعا وساجدا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه !! هنيئا لهم رضا ربهم عنهم .
ويا حسرة من خسر في أيامه و لياليه ؟
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه و قد عظمت فيه مصيبته و جلّ عزاؤه ؟
كم نـُصح المسكين فما قبل النصح ؟ كم دُعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح ؟
كم شاهد الواصلين فيه و هو متباعد ؟ كم مرت به زمر السائرين و هو قاعد ؟
حتى إذا ضاع الوقت ، و خاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم. و طلب الاستدراك في وقت العدم ?!!
== فياليت شعري من الذي أعتق رقبته من النار ؟ وفاز بدار النعيم والقرار ؟ سائل نفسك وأعظم الرجاء في ربك ، فإن لم تكن ممن أعتق في فيما انصرم من ليالي الشهر فلا يفوتنَّك ما بقي ، فلعلّ وعسى :
عسى وعسى من قبل وقتِ التفرقِ *** إلى كلِّ ما ترجو من الخير ترتقي
فيـُجبر مكسورٌ ويـُقبـَل تائبٌ *** ويـُعتـَق خطّاءٌ ويَسعد من شقي
== فيا رمضان نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، وجبر الله عزاءنا في فراقك ، وأعادك علينا مرات ومرات ونحن على ما يرضي ربَّنا ومولانا .
اللهم تقبل منا ما أودعنا في شهرنا ، واغفر لنا السيئات والتقصير ، واكتبنا من عتقائك من النار ووالدينا وأزواجَنا وذرياتِنا والمسلمين أجمعين الأحياءَ منهم والميتين برحمتك إنك أنت الجواد الكريم
عبدالله بن محمد العسكر
== ها قد أوشكت شمس هذا الشهر على المغيب ، وآذنت أيامه الغر ولياليه الحسانُ على السفر و الرحيل .ولم يبق منه إلا صُبابة كصبابة الإناء !!
أجل لقد مرت ساعاته وأيامه كالبرق الخاطف والحلم الجميل العابر :
سلام من الرحمن كـلَّ أوان *** على خير شهر قد مضى و زمان
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كلُّ أمـــان
لئن فنيت أيامك الغر بغـتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفـان
ولنا مع توديع شهرنا وقفات يسيرات :
الوقفة الأولى :
الله الله في الحرص على تكثيف الطاعات وزيادتها في ختام هذا الشهر المبارك ، فلم يبق إلا القليل في مضمار السباق وتصل ، فلا تسقط وتكسل وقد لاح لك الهدف واقتربت منه .
## واعلم أن الكريم جعل الليلة الأخيرة من هذا الشهر من خير ليالي الشهر تعويضا لمن فاته الخير وكرامة للمحسنين .
## فعلى المسلم أن يحرص في ختام شهره على أن يكثر من الخير ما استطاع فإنما الأعمال بالخواتيم . كان أحد السلف إذا جاء آخر رمضان اشترى جارية حسناء وجملها وألبسها الحلي ثم يعتقها لوجه الله راجيا بذلك أن يعتقه الله من النار !!
## ومما يسن فعله عند ختام الشهر :
1- كثرة التكبير ، تعظيما لله وشكرا له على إتمام الصيام والقيام . كما قال الله (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) .
2- ومما يشرع أيضا ويجمل بالصائم في آخر شهره : أن يكثر من الاستغفار ، وهي سنة متبعة في عموم العبادات . فالاستغفار يكون لأجل التقصير الذي حصل في الصيام من تفويت بعض الطاعات ،والوقوع في بعض المنهيات كالغيبة أو الكذب أو نحو ذلك .
كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم أن يختموا شهرهم بالاستغفار وصدقة الفطر ، ومما جاء في كتابه ذلك للناس : " قولوا كما قال أبوكم آدم ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
الوقفة الثانية :
الحذر من الرجوع إلى المعصية وترك الطاعة بعد رمضان :
فيا من صبر وصابر في هذا الشهر وذاق طعم الإيمان وحلاوة قراءة القرآن إياك إياك أن تفسد ذلك كله بالرجوع إلى المعصية والانغماس في أوحالها . لاتكن ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) واحذر أن تهجر طاعة مولاك وترك الجمع والجماعات ، والعيش في رحاب الباقيات الصالحات ، ولا تكن من عباد رمضان فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان !!
الوقفة الثالثة :
من المقبول الذي قبل الله صيامه وقيامه ؟! إنه السؤال الذي لم يغادر أذهان الصالحين والصالحات ، وأرقهم وأسبل دموعهم ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون _ أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )
## قال علي بن أبي طالب : " كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماما منكم بالعمل "
وعن فَضالة بن عبيد قال : " لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول ( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
## وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " من المقبول منا فنهنيه ؟ و من المردود منا فنعزيه ؟ أيها المقبول هنيئاً لك ، و يا أيها المردود جبر الله مصيبتك "
غدا توفى النفوس ما صنعت *** ويحصِد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
قال الزهري :" إذا كان يوم الفطر وخرج الناس إلىالجَبَّان ( المصلى ) اطلع الله عليهم وقال : عبادي ! لي صمتم ، ولي قمتم ، ارجعوا مغفورا لكم !! "
وقال مورق لعجلي لبعض إخوانه في المصلى يوم الفطر : " يرجع هذا اليوم قومٌ كما ولدتهم أمهاتهم !! "
## نعم لقد آذن ضيفنا الحبيب بالرحيل ، ولم يبق على وقت الوداع سوى القليل . أعرف من إذا بلغه نبأ الإعلان عن ثبوت العيد يبكي بكاء مريرا ، ويزداد نحيبه ، وقد اعتاد الناس منه ذلك كل عام !! فهل ترونه يلام على ذلك ؟!
يا لائمي في البكا زدني به كلفاً *** واسمع غريب أحاديث وأشعار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع *** منا المصلي ومنا القانتُ القاري
وفي التراويح للواحات جامعة *** فيها المصابيح تزهو مثلَ أزهار
شهرٌ به يُعتق الله العصاة وقد *** أشفوا على جُرف من حصة النار
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا *** ما قد بقي، فهو حقٌ عندكم جاري
ذهب رمضان أو كاد رُحم فيه سعداء ، وحرم من خيره أشقياء .
مضى الشهر فهنيئا لمن صابر فيه نفسه على الجوع والعطش ، ونصب في ظلمات لياليه أقدامَه لله رب العالمين ، راكعا وساجدا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه !! هنيئا لهم رضا ربهم عنهم .
ويا حسرة من خسر في أيامه و لياليه ؟
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه و قد عظمت فيه مصيبته و جلّ عزاؤه ؟
كم نـُصح المسكين فما قبل النصح ؟ كم دُعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح ؟
كم شاهد الواصلين فيه و هو متباعد ؟ كم مرت به زمر السائرين و هو قاعد ؟
حتى إذا ضاع الوقت ، و خاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم. و طلب الاستدراك في وقت العدم ?!!
== فياليت شعري من الذي أعتق رقبته من النار ؟ وفاز بدار النعيم والقرار ؟ سائل نفسك وأعظم الرجاء في ربك ، فإن لم تكن ممن أعتق في فيما انصرم من ليالي الشهر فلا يفوتنَّك ما بقي ، فلعلّ وعسى :
عسى وعسى من قبل وقتِ التفرقِ *** إلى كلِّ ما ترجو من الخير ترتقي
فيـُجبر مكسورٌ ويـُقبـَل تائبٌ *** ويـُعتـَق خطّاءٌ ويَسعد من شقي
== فيا رمضان نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، وجبر الله عزاءنا في فراقك ، وأعادك علينا مرات ومرات ونحن على ما يرضي ربَّنا ومولانا .
اللهم تقبل منا ما أودعنا في شهرنا ، واغفر لنا السيئات والتقصير ، واكتبنا من عتقائك من النار ووالدينا وأزواجَنا وذرياتِنا والمسلمين أجمعين الأحياءَ منهم والميتين برحمتك إنك أنت الجواد الكريم