قيثارة البعوضة
أ.د. عرفان يلماز
---------------------------------------------------------------------
ويين... ويين... ويين" ها أنذا قد جئتُ..! هيا انهض... نِمْت كثيراً! إن النوم طوال الليل لا يليق بك، فما أطال النوم عمراً.
فانهض..! انهض يا ابن آدم..! انهض وفكر..! فهل هناك مدعاة للتفكير أحسن مني..؟ لا تُؤاخذني إن كُنت قد أَحْمَرْتُ جلدكَ قليلاً أو لَسَعْتك راغبًا، فهذا يحدثُ إلى حد ما..! فها أَنا ذا أعرض فنوني الرائعة التي منحني ربي إياها لكي أُوقظك من ناحية، ولكي أجعلك تفكر وتمعن الفكر من ناحية أخرى. ماذا يضير لو مَصَصت من دمك رَشْفَة لكي أُشْبِع نَهَمِي..؟ فعلى أي حال فأنت دَوماً تُنْتِج دماً... فَرَشْفَة مِنْ دمك من حيوان ضئيل مثلي لن تضيرك في شيء!..
عزيزي ابن آدم؛
إن رب الكائنات وخالقها قد تفضل في إحدى آيات القرآن الكريم مخاطباً إياك قائلاً:
﴿إنَّ اللهَ لا يَسْتَحيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيْعَلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِه كَثِيراً وَيَهْدِي بِه كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ (البقرة: 26).
إن رب الكائنات وخالقها قد تفضل في إحدى آيات القرآن الكريم مخاطباً إياك قائلاً:
﴿إنَّ اللهَ لا يَسْتَحيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيْعَلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِه كَثِيراً وَيَهْدِي بِه كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ (البقرة: 26).
كما ترون فإن الله يلفت الأنظار إلى ضعفي وضآلة حَجْمِي وقد عبَّر عن حقيقة كُبرى.
ففي كل مرحلة من مراحل حياتي أمتلك آلات خاصة، وأستخدم من التقنيات ما كل واحدة منها -في حد ذاتها- مُعْجِزَة كُبْرى. لشرحها وتوضيحها بالشكل الكافي لا بد من نسبتها إلى الله تعالى صاحب القدرة والعلم اللامتناهي.
أولاً؛ أود أن أُصحح شهرتي السيئة التي لديكم عني؛ نحن لسنا حيوانات شريرة تمص الدماء طوال حياتنا. كل ما في الأمر أن إناثنا تشعر بالحاجة إلى كمية من الدماء لتغطية البروتينات التي تحتاجها في مراحل وضع البيض. ذكورنا لا تمص الدماء على الإطلاق؛ فَيَكْفيها امتصاص الرحيق الحلو من النباتات.
إن إناثنا مُدَانة بسبب الدور الذي تَلْعَبه في حمل ونقل بعض أمراضكم دون وعي منها حين مص الدماء. ولكن يجب أن تتصفوا بالعدل قليلاً وأنتم تدينونها!..
نحن عائلة تتكون من حوالي 2500 نوعاً. وسط هذا الجمع الغفير يجب ألاَّ نُدان جميعاً بسبب ما يرتكبه البعض منا من تورط في بعض الأعمال القذرة ظاهرياً. كل ما هنالك أن بعض أنواعنا كذلك النوع الذي يُسمى بعوضة الملاريا (Anophel)، فإن البعض منه يُسبب مرض الحمى، ونوعنا المسمى بَرْغَشَة (Gulex) يُصِيبُ بالفلاريوز (Filaryoz) والإنسفاليته (Ensefalite). كما أن جنس بعوض الحمى الصفراء، فكل ما يفعلونه هم أيضاً، هو رَشْفَة من الدماء لإشباع بطونهم من ناحية وحفظ النوع من ناحية أخرى. من أين لهم أن يَعْلَموا أن الإنسان الذي يمصُّون دمه صحيحاً أم عليلاً؟ وحتى أنتم يا بني البشر، بالرغم من مراقبة البَيْطار في مذابحكم ومجازركم، فإنه يمكن أن تأكلوا اللحوم الملوثة بالجَمْرَة الخَبيثَة أو دَاء الكَلَبْ، وتدفعون بالأجبانِ العَفِنَة المَسْلُولَة إلى الأَسواق متسببين في إضرار وإمراض بني جلدتكم.
ولمَّا كان رفاقنا هؤلاء لا يمكنهم فحص بني البشر الذين يمتصون دماء بعضهم، فإنهم ينقلون إلى البعض الدماء الملوثة بالميكروبات التي امتصوها من شخص يحمل الفيروس أو الحمى البلازمية. مرة أخرى نحن حيوانات، نتصرف هكذا حسب البرنامج الذي استَوْدَعه ربنا فينا. والحال هكذا... فإن عَمَلِيَّة التَلْويث الميكروبي الذي قام بها رفاقُنا، هذا في الظاهر عَملٌ شرير، لم يكن بمحض إرادتهم. أما الوجه الحقيقي للحادثة فيمكن أن يُبِين عن نفسه بنتائج حكيمة للغاية. فإن كنت في الماضي قد صرت سبباً للأوبئة الفتَّاكة، فإن هذه الأمراض كالحمى وغيرها قد تضاءلت بفضل الأدوية التي اكتشفتموها. فإذا لم يبق أي إنسان مَحْمُوم، فكذلك لن يكون هناك احتمال لحملي مِيكُروب الحمى. وبينما أنا أَمص الدماء منكم، فما هي إلاَّ بُرْهَة حتى تشعر أجسادكم بذلك، وترد الصاع بإفراز المضادات الحيوية الواقية من الأمراض. ما أدراكم..! لمَّا كنت سبباً في الحساسية التي تتولد لديكم، ألم يجعل ذلك نظامكم
المناعي متيقظاً..؟
ربما تتوهمون أن هذا ادعاء مني، ولكنكم إن أجريتم أبحاثاً دقيقة في معاملكم ومراكز أبحاثكم فإنكم ستجدون أن لدغاتي هي التي تدفع جهازكم المناعي إلى الحركة. ربما ولكي لا تظهر أمراض أكثر خطورة مثل السرطان، فبسببي ستظل أجهزتكم المناعية في يقظة تامة. إنني على قناعة ويقين بأنكم سوف تصْغُون لتوصية هذا المخلوق البسيط الذي هو عبارة عن أثر فني صغير لربي العظيم، وسوف تُكَثِّفون أبحاثكم في هذا الاتجاه. في وقت ما كنتم تشنون هجوماً ضارياً ضد الذباب! وها هي الآن قد أصبحت يَرَقانَاتها وخادِراتها غنغرينة تستخدمونها في علاج الجروح.
[/size][/size][/b][/center]
منذ قليل وأنا أُدافع عن نفسي، لم أستطع أن أجد الفرصة لكي أتحدث عن الأجهزة الحساسة التي أحملها بين جَنَباتي، بينما أنا معجزة الخالق الحكيم. وإلاَّ فلماذا يتحدث عني ربي في القرآن الكريم..؟ معنى ذلك أنه أراد أن يُعطي لكم بعض الرسائل بذي روح صغير مثلي. كما تعلمون فإن صناعة ساعة كبيرة أسهل كثيراً من صناعة ساعة صغيرة. فإن التروس في الساعة الصغيرة والبراغي وغيرها من القطع لما كانت صغيرة جداً، فإن جمعها وجعلها ساعة تعمل لَمِنْ الأمور الصَّعْبَة.
إن السُّهُولة والصُّعُوبة ليست موضوع بحث بالنسبة للخالق جل جلاله، ولكنني أردت فقط بهذا المثال أن أوضح المسألة لكم.
الآن أغلقوا أعينكم، وتخيلوا..! فلي أنا أيضاً معدة وأمعاء ومصارين ومخ وقلب وأعضاء وأجهزة إخراج وتفريغ..! وقد جُعِلت هذه الأعضاء خدماً لي، تعمل وتكد بدون أدنى اعتراض. من الطبيعي أن شكل أعضائي وتكوينها وبناءها وعملها يختلف عما هي لديكم. لأن ربنا، لما كان يعلم الوسط الذي سيعيش فيه كل ما يخلقه، لذا فقد منحه الأعضاء الموائمة ونمط الحياة والأغذية المناسبة. وجعل كل ذلك في شكل مثالي. وقد جعل كل ما لدي أيضاً من أجهزة في موضعها الأمثل وخلقها على أكمل وجه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إن أهم آلاتي هي تلك الخراطيم التي مُنِحتها لكي أُشبِع نَهَمي. هذه القطعة التي أُضيفت إلى فمي من أجل مَصِّ الدماء أستخدمها مثل التكون الأرتوازي. إن خُرْطُومي الفاحص هذا قد تشكل من أربع سكاكين حادة ونِصفَي ميزاب، أي أُخدود، وقد استقر داخل غلاف . أحط هذا الخرطوم فوق أَدْمَى مكان من جلدكم بهدف مص الدماء. أَشق الغلاف، أستل سكاكيني، وهي مُصَنَّعة بشكل حاد يُمَكِّنها من قطع الجلد بسهولة. ولكي لا تَشْعُرون بي أقوم بعمل تخدير موضعي بمادة خاصة تفرزها إحدى سكاكيني. وأفرز أنا مادة في تركيب خاص حتى لا تتخَثَّر الدماء أو تتجمد
وتفقد سيولتها وتدفقها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لو لم تكن هذه المادة، لقام الدَّم الذي أمتصه بِسَدِّ خرطومي أثناء عملية المصِّ، وكنت سوف أموت ولن أستطيع امتصاص الدماء مرة أخرى. إذا ما قمت بالتخدير بشكل جيد أو إذا كان الشخص الذي لدغته نائماً ولم يشعر، فمعنى هذا أن هناك وليمة لي. فأنا أستطيع أن أَرضع كمية من الدم تبلغ 2,8 ملجم في المرة الواحدة. وهذا يزيد حتى عن وزني الذي يبلغ 2,5 ملجم. ولما كان جلد معدتي مرن وقابل للتمدد، ففي ظرف دقيقتين أو ثلاث يمتلئ بطني بالدماء. ولما كان هضم الدماء التي في بطني يَستمر طويلاً، فيمكنني البقاء ما بين 3 - 4 أيام دون أن آكل أي شيء.