كثيراً ما يصادف المرء في معترك الحياة الكثير من المصادمات أو اضطراب جسر وصاله مع من يحب أو يصاحب، وكثيرة هي سقطات النفوس أثناء تلك المصادمات الحياتية سواء في إطار العمل أو إطار الحياة المعيشية بشكل عام.
أذكر كثيراً من الأشخاص الذين يتململون من الضجر كلما وقعوا في مناقشات شبه حادة، أو أرغموا نفوسهم في خوض معركة كلامية غير متزنة، وهم بالتالي يعيشون حياة مضطربة هائجة بأحوالها، ذلك أن نفوسهم جبلت على الخوض في مثل هذه الممارسات المغلوطة، وهم بالتالي يرغمون قلوبهم على التأثر بهذه الممارسات الحياتية، فيعصفون بها، ويردونها حبيسة إلى ظلمات بعضها فوق بعض، مع أن هذه الممارسات عادية جداً، ولا تعدو كونها نقطة فوق "نون"!
إن القلب مضغة إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله، فإن استطعت أن تجعل قلبك نقياً طاهراً كطهارة ماء الغمام فافعل، فإن ذلك عون لك على صلاح أمرك، وتعاضد علاقاتك مع الآخرين، فبطهارة القلب تسمو النفس، وتتطهر من الأدران، وتمد بصــرها إلى الأمام ناشدة معالي الأمور والهمم.
نم يا أخي الليل وأنت لا تحمل في نفسك وفي قلبك أي شيء على الآخرين، وقل قبل أن تنام: "اللهم إني تصدقتُ بعرضي على الناس، وعفوتُ عمن ظلمني"، وتذكر دائماً قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي خرج على صحابة رسول الله ص فقال لهم رسول الله ص: "يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة"، فخرج ذلك الأنصاري، ولحيته يقطر منها قطرات الوضوء، وفعل ذلك ثلاثة أيام، فقام أحد الصحابة ليرى صنيع هذا الصحابي الذي دفعه ليكون من أهل الجنة فبات عنده الليل، فلم يجده كثير صلاة، ولا صيام، فسأله عن سبب وصف النبي ص له بأنه من أهل الجنة، فأجابه بأنه ينام الليل، ولا يحمل في قلبه أي شيء على الناس.
أخي الكريم:
من حق أخيك ـ في قلبك ـ أن تتغاضى عن هفواته، وزلاته، وتصفح عنه متى ما أخطأ في حقك، وبدر منه أي تصرفات غير مستساغة، فحينها قف بجانبه، وانصحه، وأحسن به الظن، ولا تحمل في قلبك عليه فإن الدنيا زائلة، ولن تأخذ منها إلا طيبة القلب، نعم القلب الطيب الذي سيظل الناس يذكرونك به عقب موتك.. القلب الصافي الذي يحب الناس، ويحترمهم، ويتغاضى عن زلاتهم، ويستر عيوبهم.. ولا يفوتك ـ أخي الحبيب ـ أن تعفو عن سقطاته وزلاته فلا تحملها في قلبك، بل أفصح له عن الخطأ، وسامحه في قرارة نفسك، فليس هناك أي إنسان معصوم من الخطأ، والله تعالى يقول: فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين(40) (الشورى).
أما إن بدر منك الخطأ تجاهه فسارع إلى التسامح منه، والتغافر معه، فما يدريك فلعله أخذ بخاطره عليك، وحمل في قلبه هذا الخطأ، فلا تتأخر في ذلك حتى إذا فارقت الحياة فارقتها والجميع يذكرك بخير، لا يحملون في قلوبهم مثقال ذرة من جفاء، أو سلب للحقوق الأخوّية القلبية.. ضع ـ نصب عينيك ـ ما قاله أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: "إذا تغير أخوك، وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى".. هو أمر مدعاة للمحافظة على الوفاق الأخوي، وصفاء القلوب، وتعانقها.
أخي الحبيب:
قد نخطئ وتجري الوساوس الشيطانية في دمائنا، وقد نختلف في وجهات النظر، فلا يكون ذلك مدعاة لصبغ القلوب بصبغة سوداء مظلمة تجعلها تنفر من أحبابها، وتعكر صفو الإخاء، والمحبة في الله تعالى.. فلا يفوتك أن تكون سليم القلب، مُعافى من وساوس الشيطان المريبة، وألق ما يصادفك من ملمات، وأخطاء من إخوانك وأحبابك وراء ظهرك، وسر في طريق الحياة لا تضيرك مثل هذه التوافه التي لا طائل من ورائها إلا خسران العلاقات الأخوّية، وتأخير ركب الحياة في طريق دعوة الناس إلى دين الله القويم.
أخي ـ مرة أخرى ـ كن نقي القلب تفز بجنة الله، ورضاه، ومحبة البشر.. إن شاء الله