[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كتب الكاتب الصحفى أشرف توفيق هذا المقال....أرجو أن يعجبكوا
*
*
*
قرأت كثيرا عن ذلك الشعور بالفرحة الطاغية عندما يرى الكاتب تأثير مقاله على وجوه قرائه.. والحقيقة أنني قد جرّبت بالفعل هذا الشعور من قبل.. وإن كان عادة من وراء حجاب أو من أحد أعرفه.. ولم يسعفني الحظ أن أرى تأثير ما أكتب على قارئ واحد يوحد الله لا أعرفه.. ولهذا فلم أكن أتوقّع أن الأمر سيصل بي إلى هذه الدرجة التي بسببها فعلت ما فعلت..
تبدأ القصة في مترو الأنفاق وتحديدا عند آخر قطار بعد منتصف الليل.. والمعروف أن هذا القطار تحديدا يأتي بعد أن تكون أرواح البشر المنتظرين قد طارت إلى بارئها.. وقسّمت كل عائلة تركة المرحوم وصرفها أبناؤه!!
الجو خانق جدا رغم درجة الحرارة المنخفضة جدا بالخارج ولكن مئات البشر المكدسين غيروا تكوين الهواء الجوي ليصبح ببساطة كله ثاني أكسيد الكربون.. كل هذا شعرت به وأنا أتَّكِئ على الحائط انتظارا لما ستسفر عنه الدقائق القادمة وانتظارا لهذه الحرب الضروس التي ستشتعل بمجرد رؤية المترو العائد بعد غياب جراء اندفاع الناس..
وفجأة وجدته..
شاب في العشرينيات يجلس على الكرسي ويفتح أول صفحة في الصحيفة التي أكتب فيها.. وجدت نفسي متورطا "غصبن عني" في النظر إليه بضراوة.. ودارت الأفكار في رأسي.. هل يا ترى سوف يفتح الصحيفة كبداية على الصفحة التي أكتب فيها رغم وجودها في آخر الصحيفة باعتبار أنه متلهِّف على قراءة مقالي أنا بالتحديد؟؟ أم أن باقي "الزملاء" أمثال "فهمي هويدي" و"إبراهيم عيسى" و"يحيى الجمل" و"القعيد" سوف يلقطون الزبون مني؟؟
لم أستغرق وقتا في التفكير حينما لاحظت أن الزبون من النوعيات المنظمة التي تقرأ الصحيفة بالترتيب.. يعني أول صفحة ثم الثانية وهكذا..
يا صلاة النبي!! طب ده أنا مقالي في آخر صفحتين!! استعنَّا ع الشقى بالله!!
ولم أكد أكتشف هذه الملاحظة حتى وجدت نفسي دون أن أدري أدعو الله أن يتأخر المترو أكثر.. حتى ولو أصابه عطل لمدة ساعة أو أكثر.. والله أعلم بقى الراجل ده سريع في القراية وللا هيقرفنا؟؟
حسنا... الشاب يقرأ الآن مقال "إبراهيم عيسى"..لا بأس في ذلك فواجبي أن أعطي الفرصة للزملاء!! وها هو يقلب الصفحة ويبدأ في الدخول لدهاليز صحيفتي الموقرة.. وبسم الله يا رجالة!!
إنه الآن منهمك تماما في قراءة الأخبار السياسية المتخمة السوداوية في الصفحات الأولى.. وما إن أرى علامات التأثُّر على وجهه حتى أهمس في سري: ياعم والله كل حاجة في البلد هتبقى تمام.. اقلب إنت بس الصفحة وربنا هيكرمنا إن شاء الله!!
وساعتها لاحظت ملاحظة أخرى فزبوني العزيز كان يقرأ سريعا عناوين الموضوعات كما أنه يهتم كثيرا بالعنوان صاحب أكبر بنط.. باعتباره الأهم.. وساعتها حمدت الله فها هي كل الظروف متاحة.. فمقالي العزيز له عنوان ساخر جذاب لا يُعلَى عليه.. أما بالنسبة لبنط الموضوع فمفيش أكبر من كده.. كما أن موضوعي يتصدر أعلى الصفحة تماما.. مما يجعله صيدا سهلا لهذا الزبون.. ياما إنت كريم يا رب!!
لماذا تأخَّر موضوعي هكذا؟؟ هذا ما قلته عندما لاحظت أن الشاب قد توقّف عند صفحتي الفن.. بل إنه قد ثنى الصحيفة استعدادا لقراءتهما حرفا حرفا.. وأنا بجواره ألاحظ عينيه حتى أعلم متى سينهي القراءة وهل سيغيب القطار أكثر من ذلك؟؟
ياعم فن إيه؟؟ فيه حاجات ورا هتعجبك والله!!
وما إن أنهى صفحتي الفن وفرد الصحيفة من جديد.. حتى سمعت صفارة المترو تقترب.. يا للعنة!! لماذا دائما يأتي المترو عندما لا نحتاجه.. ويسافر إلى ليبيا في مشوار عندما نكون في أمسّ الحاجة إليه؟؟
ولكن هل سأترك فريستي هكذا بعد كل هذا الجهد؟؟ بالطبع لا.. وراك وراك يا حلو.. وقذفت نفسي داخل المترو المزدحم خلف صاحبنا ووقفت بجواره أمارس رياضتي المفضلة وهي الوقوف بجوار واحد بيقرأ جرنال!!
بعد الفن وجدت صفحة أخرى تهتم بفارس من فرسان السينما.. ومالك إنت ياعم الحاج بالسينما والمنكر ده؟؟ اقرأ حاجة تنفعك.. اقلب ياعم الصفحة اقلب..
وطبعا لم ينفع همسي حيث ثنى الشاب الصحيفة مرة أخرى ليقرأ بتمعن وأنا أتابع معه ما يقرأ.. حتى حانت اللحظة!!
ها هما الصفحتان اللتان يقبع في إحداهما مقالي.. وما عليه إلا أن يطنش الصفحة اليُمنى ويتجه إلى اليسرى.. أبوس إيدك يا شيخ اقرأ الشمال الأول.. ربنا يجعلك من أصحاب اليمين بس اقرأ الشمال الأول!!
ولم يسمعني كالعادة.. حيث ثنى الصحيفة وبدأ في قراءة مقالات الرأي واحدا واحدا.. وفي كل لحظة أكاد أن أهمس له: ياعم صدقني فيه مقال فُل قُصادك.. هيّ الناس دي هتكتب أحسن من اللي في الصفحة الشمال يعني؟؟
وفعلا انتهت الصفحة المقابلة وحانت اللحظة التاريخية.. ساعتها كان قلبي ينبض بعنف وينتظر تلك اللحظة التي سيقف فيها شعر رأس الزبون من إعجابه بكلامي.. ويضرب رجله في الأرض من شدة الضحك والسخرية من المقال.. وتخيلت أنه سيلتفت إلى جيرانه ليحكي لهم هول هذا المقال فيجدني بجواره.. فينظر إلى المقال مرة ثانية مستغربا ومدققا في الصورة أسفله.. لينظر لي مرة أخرى فأعفيه من الإحراج وكلي تواضع وأنا أقول:
- أيوه أنا.. بس والله دي أقل حاجة عندي!!
الأمر إذن يحتمل كل هذا العذاب.. هذا هو الدليل العملي على كل هذه الآراء المشجعة والمؤيدة لموهبتي الفذة..ها هو يفتح الصفحة.. ينظر إلى عنوان مقالي المتصدر أعلى الصفحة.. يتأمل البنط العريض.. يبدو على وجهه تأثير عنوان مقالي الفظيع.. ثم.. لا شيء!!
نعم.. بمجرد أن قرأ الشاب عنوان مقالي أخذ يثني الصحيفة واتّجه إلى قراءة النصف الأسفل من المقالات ولا عزاء لمن حفيت قدماه وراءه!!
لم تطاوعني كرامتي أن أوقفه قائلا: على فكرة حضرتك نسيت مقال حلو قوي فوق.. إنت مش شايفه ولا إيه؟؟
ولم تطاوعني عزة نفسي أن أقول له: شوف يا كابتن.. على فكرة أحب أعرفك إن إنت غلطت.. غلطت غلط جامد يعني!!
ولكن نبت خيال شيطاني في عقلي.. أليس من الممكن أن يكون هذا القارئ من النوعية التي تفضل أن تترك المقالات الجيدة والممتعة إلى أن تعود إلى بيتها لتستمتع بها وهي تشرب كوب النسكافيه الدافئ؟؟ ربما.. والدليل على هذا أن هذا الشاب آثر أن يشغل وقته بقراءة المقالات "العادية" من "الزملاء العاديين" الآخرين أمثال "إبراهيم عيسى" و"فهمي هويدي"!!
شجعني عقلي على الاعتراف بهذه الحقيقة إصلاحا لما أفسده هذا القارئ..ولكني أيضا كنت حزينا لأنني لن أستطيع أن ألاحظ تعبيرات وجه زبوني العزيز وهو يقرأ مقالي الفظيع _الوحيد الذي لم يقرأه_ وهو يشرب كوب النسكافيه الدافئ في حجرة نومه!!