قبل حوالي أربعة عشر قرن ، و في زمان كان الإنسان فيه يعتقد أن الأرض ممتدة لا يُعلم لها نهاية ، يحدّث رسول الله محمد – عليه الصلاة و السلام – أصحابه ، فيخبرهم في معرض حديثه بحقيقة عظيمة ، و هي قوله : (( إن تحت البحر نار و تحت النار بحر )) [ سنن أبي داوود ] (( حديث عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يركبن رجل البحر إلا غازياً، أو معتمراً، أو حاجاً؛ فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً» )) ، و تمضي القرون و يأتي القرن العشرين و تأتي العلوم الحديثة ، و يتم إجراء الدراسات الزلزالية و التي تؤدي الى اكتشاف هائل في علم الجيولوجيا و هو أن الأرض ليست مكونة من طبقة واحدة كما كان الإعتقاد السائد في القرن التاسع عشر، حيث كانت تنص الفرضيات آنذاك على أن الأرض كوكب متجانس الكثافة. و هذه الطبقات المكتشفة معظمها في حالة سائلة أو مائعة نتيجة انصهار المواد فيها بشكل تام أو شبه تام ، و هذا ما عبر عنه رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بالنار التي تأتي أسفل البحر ، و لكن لماذا إختص رسول الله – صلى الله عليه و سلم – البحر بوجود هذه النار العظيمة تحته مع أنها موجودة تحت اليابسة أيضا ً؟ و الإجابة أنه إختص البحر لسببان : الأول أن البحر ( المسطحات المائية ) يغطي معظم مساحة سطح الأرض [ 71.1% ] ، و السبب الثاني أنه يوجد سلاسل جبلية عظيمة في قيعان المحيطات تسمى بظهور المحيطات تنبعث منها باستمرار الحمم و المواد المنصهرة مسببة ً ما يعرف بظاهرة انجراف القارات ، كما ويوجد في قيعان المحيطات بقع ساخنة تنبعث منها المواد المنصهرة و هذه البقع هي المسؤولة عن تكوين الجزر البركانية كجزيرة هاواي في المحيط الهادي ، و بالتالي يمكن اعتبار النار موجودة في قاع البحر أيضا ً ، و هذه النار الموجودة في قيعان المحيطات هي التي أقسم الله تعالى بها في قوله : (( و البحر المسجور )) .

و لكن الإعجاز النبوي لا يتوقف عند هذا الإخبار المذهل فحسب ، فيخبر رسول الله – عليه الصلاة و السلام – بوجود بحر تحت هذه النار و هذا البحر هو المحيط الهادىء الذي يغطي تقريبا ً نصف مساحة سطح الكرة الأرضية .

و إذا قمنا بتطبيق هاتان الحقيقتان بالترتيب سنجد أن في هذا الحديث إشارة قطعية الى حقيقة أخرى و هي كروية الأرض ، فعندما نطبق هذا الحديث بالنسبة لنا – و هذه هي الحالة الطبيعية – سنبدأ بأي بحر من بحار العالم القديم ثم سنغوص في أعماق الأرض لنصل الى الستار و اللب حيث النار التي يخبرنا عنها رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ثم نصل بعدها الى المحيط الهادىء الذي عبر عنه رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بقوله : (( و تحت النار بحر )) .