منذ أن وجد الإنسان على الأرض وفي ذهنه سؤال حائر: كيف سينتهي الكون - والدنيا بأسرها!؟ وقد اقرت الأديان بوجود نهاية لهذا الكون ولكنها تركت التفاصيل الدقيقة لبحث الإنسان. وعلماء الفيزياء والفلك يضعون فرضيات (محلية) لفناء الأرض، وأخرى (عامة) لفناء الكون ومن فيه.. فالحياة على الأرض يمكن أن تنتهي بسقوط نيزك ضخم (كالذي أباد الديناصورات و85% من المخلوقات قبل 65مليون عام)، ويمكن أن تنتهي بسبب تباطؤ دوران الأرض أو انفجار قلبها وخروج الحمم من الداخل إلى الخارج!
- أما فناء الكون فله فرضيتان رئيسيتان:
توقف تمدده الحالي (بفعل قوة الجذب) وتقلصه إلى مجرد كرة صغيرة سوداء ينتهي بداخلها الزمان والمكان إلى الأبد!!
والآخر (وهو موضوع اليوم) ما يُعرف بظاهرة الموت الحراري للأشياء.
فالقانون الثاني للديناميكية الحرارية يشير إلى حتمية وجود فقد أو هدر في الطاقة حين تتحول من شكل لآخر.. ففي السيارة مثلاً تتحول الطاقة الكيميائية للبنزين إلى طاقة حركية تنقلنا من مكان لآخر. غير أن جانباً كبيراً من طاقة البنزين تذهب هدراً (على شكل حرارة لا يمكن الاستفادة منها) في حين يتحول الجزء الباقي إلى شغل نافع (هو دوران المحرك).
وبوجه عام تعتبر المحركات الحرارية منخفضة الكفاءة إلى حد كبير، فأكثر من ثلاثة ارباع البنزين الذي تضعه في سيارتك يتحول إلى حرارة مهدرة، في حين تتسرب من المحرك البخاري 80% من الطاقة، و60% من محرك الديزل.
وما يحدث في المحركات ليس إلا مظهراً واحداً من مظاهر هدر مشابهة تترافق مع كل عمليات الكون. وكان العالم الألماني هيرمان هيلمولتز أول من تحدث - عام 1856- عن حتمية الموت الحراري للنظم الطبيعية. فهناك دائماً هدر يتسرب كحرارة يصعب استرجاعها. وهذا يعني تآكلاً تدريجياً لمخزون الطاقة في الكون لا يمكن تعويضه.
- ولكن قد يتساءل البعض:
ألا يتعارض هذا مع قانون حفظ الطاقة القائل "الطاقة لا تفنى، إنما تتحول من شكل لآخر".. في الحقيقة نحن لا نتحدث هنا عن فناء طاقة الكون بل عن تحولها التدريجي إلى أشكال حرارية لا يمكن استعادتها، فمن الملاحظات الفيزيائية العجيبة أن جميع أنواع الطاقة (الكهربائية والكيميائية والحركية) يمكن أن تتحول بسهولة إلى طاقة حرارية - بل إن بعضها لديه ميل طبيعي لذلك - في حين يستحيل تقريباً عكس الوضع وإعادة الطاقة الحرارية إلى ما كانت عليه.. فالحرارة المهدرة في محرك السيارة مثلاً يستحيل إعادتها إلى بنزين، والانفجار النووي يستحيل إعادته إلى يورانيوم.. وهكذا كل جسم مادي يتحول إلى حرارة يختفي ويفقد إلى الأبد - (حتى قيل إن الحرارة هي مقبرة الطاقة والشكل النهائي لكل ما ينبض بالحياة)!!
هذه الظاهرة - ظاهرة الموت الحراري للكون - تقودنا إلى استنتاجين جميلين:
الأول: أن للكون نهاية وبداية - وأنه ليس أزلياً كما يدعي البعض!!
والثاني: أن الكون يعمل من خلال استنزاف طاقة محسوبة تتناقص بلا تعويض.. ووجود طاقة بهذا النمط يجعلنا نسلم بوجود من حدد كميتها ووقت نفاذها - والقادر أيضاً على تكرار ذلك عدة مرات.. فسبحان القائل في محكم التنزيل: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون}.
فهد عامر الاحمدي
جريدة الرياض