ظاهرة الكهرباء الإنضغاطية
ظاهرة الكهرباء الإنضغاطية والتي تعرف باسم Piezoelectricity هي ظاهرة فيزيائية طبيعية تظهرها بعض المواد وبالأخص البلورات وبعض أنواع السيراميك حيث تمتلك هذه المواد قدرة على توليد فرق جهد كهربي عندما تتعرض لإجهاد ميكانيكي. حيث انه إذا ما تم الضغط على سطح المادة بقوة فان انفصال للشحنات الكهربي يحدث عبر الشبكة البلورية للمادة. ونتيجة للانفصال في الشحنات ينتج على طرفي المادة فرق جهد كهربي. ومصطلح الكهرباء الإنضغاطية جاء من تعريب كلمة piezo وهي كلمة يونانية piezein والتي تعني الضغط ومن هنا كانت التسمية تعكس طبيعة الظاهرة نفسها حيث ان الكهرباء تنتج بالضغط على المادة.
كما إن هذه المواد إذا ما تعرضت لمجال كهربي خارجي فان المادة نفسها تنضغط أو تنكمش بقدر يتناسب مع شدة المجال الكهربي، بمعنى أخر انه إذا وضعت المادة التي لها خاصية الكهرباء الإنضغاطية Piezoelectricity بين طرفي فرق جهد كهربي فإنها تنكمش. وعلى سبيل المثال بلورة lead zirconate titanate تتغير أبعادها بنسبة 0.1% عن حجمها الأصلي.
هذه الظاهرة لها تطبيقات مفيدة جداً فمثلا تستخدم في إنتاج الصوت أو مجسات للصوت، أو لتوليد الجهد الكهربي، وتستخدم في أجهزة توليد الموجات الالكترونية electronic frequency generator، كما إنها تستخدم في صناعة الموازين الحساسة microbalance، وفي تحديد أدق بؤرة للأنظمة البصرية من خلال التحكم الدقيق في مكانها على المحور البصري. كما إنها تدخل في الأجهزة الدقيقة التي تعمل على الأبعاد الذرية مثل جهاز الميكروسكوب الالكتروني بأنواعه المختلفة (STM, AFM, MTA, SNOM)، هذا بالإضافة إلى استخدامها في العاب الأطفال وأيضا في الولاعة لتوليد الشرارة الكهربية.
ومن استخداماتها أيضا في تنظيف الأسطح المستخدمة لتصنيع الأغشية الرقيقة thin films لإزالة الدقائق الصغيرة جدا من على السطح، وذلك لان البلورة الإنضغاطية إذا ما تعرضت لفرق متردد وعالي فإنها تنتج تتذبذب وتصدر أمواج فوق صوتية تنتشر عبر السائل المنظف وتساعد في التنظيف لتلك الأسطح التي يتطلب ان تكون على درجة عالية جدا من النقاء قبل ترسيب الأغشية الرقيقة عليها.
معلومات تاريخية
اكتشفت ظاهرة الكهرباء الإنضغاطية Piezoelectricity في العام 1880 بواسطة الأخوين Pierre Curie و Jacques Curie. وذلك من خلال عملهما وخبرتهما في الكهرباء الحرارية pyroelectricity (توليد الكهرباء بواسطة التسخين) وعلاقة ذلك بالتركيب البلوري حيث توقعا أن يكون لتأثير الضغط أيضا توليد كهرباء وبالفعل تمكنا من إثبات ذلك على بلورة الكوارتز والتورمالين والتوباذ والسكر والملح، ووجدا إن بلورة الكوارتز والملح تظهرا الخواص الكهربية بالضغط اكثر من غيرهم.
واستمر هذا الاكتشاف لعشرات الأعوام محل دهشة العلماء والباحثين في محاولة فهم هذه الظاهرة وعلاقتها بالتركيب البلوري للمادة. وفي العام 1910 توجت هذه الأبحاث بكتاب نشره العالم Woldemar Voigt’s عن فيزياء البلورات ووصف في كتابه 20 بلورة طبيعية لها القدرة على إنتاج الكهرباء وتمكن من حساب ثابت الكهرباء الإنضغاطية بواسطة التحليل الرياضي tensor analysis.
وقد مرت مواد الكهرباء الإنضغاطية بمرحلتين من التطوير المرحلة الأولى كانت في الحرب العالمية الأولى والمرحلة الثانية كانت في الحرب العالمية الثانية. وفيما يلي سوف نتحدث عن هاتين المرحلتين
المرحلة الأولى
أول تطبيق استخدمت فيه البلورات الإنضغاطية هو في جهاز السونار sonar، والذي تم تطويره أثناء الحرب العالمية الأولى في فرسنا في العام 1917 بواسطة العالم Paul Langevin وزملاؤه، حيث كان اول استخدام لبلورات الكهرباء الإنضغاطية هو مجس يعمل الأمواج الفوق صوتية في الغواصات الحربية. يحث تكون المجس من ترانسديوسر transducer مصنوع من بلورة الكوارتز موضوعة بين لوحين معدنيين بعناية فائقة، وكذلك ميكرفون حساس لالتقاط صدى الأمواج الفوق صوتية المرتدة. يعمل هذا المجس عن طريق إصدار أمواج فوق صوتية وقياس زمن ارتدادها عن الأجسام التي اصطدمت بها ومنها يتم حساب المسافة بين الغواصة وهذه الأجسام.
ولقد كان لنجاح السونار في الكشف عن الغواصات المعادية اثر كبير في الاهتمام بظاهرة الكهرباء الإنضغاطية Piezoelectric وتطوير الكثير من الأجهزة التي تعتمد عليها.
المرحلة الثانية
في أثناء الحرب العالمية الثانية قام فريق بحثي مستقل في الولايات المتحدة وروسيا واليابان باكتشاف مواد مصنعة لها خصائص الكهرباء الإنضغاطية. هذه المواد تعرف باسم الفروكهربية ferroelectric وتتميز بقدرة اكبر عدة مرات من البلورات الطبيعية في لتوليد الكهرباء الإنضغاطية. هذه المواد المكتشفة كانت السبب في توجه الكثير من العلماء لإجراء بحوث مكثفة مواد بخصائص مميزة ولتطبيقات معينة ومن هذه المواد bariun titanate و lead zirconate titanate
في الولايات المتحدة حرصت الشركات الداعمة لأبحاث الكهرباء الإنضغاطية على سرية أبحاثهم طمعا في الاستفادة من براءات الاختراعات التي تسجل لهم. وبالفعل توصلوا لاكتشاف مواد ذات خواص كهرباء إنضغاطية أفضل من بلورات الكوارتز ولكن عندما طرحت هذه المواد في السوق الأمريكية لم يكون لها النجاح المتوقع لان تسويق هذه المواد يعتمد على التطبيقات العملية التي تحتاجها. وبدون هذه تطبيقات جديدة لن يكون هناك رواجا لهذه المواد ولهذا كان اثر كبير على تقدم الصناعة المعتمدة على مواد الكهرباء الإنضغاطية.
ولكن في المقابل في اليابان شاركت الشركات الداعمة لأبحاث الكهرباء الإنضغاطية معلوماتها التي توصلت إليها مع المؤسسات الصناعية، فكانت النتيجة تطوير ومتلازم بين اداء المواد الجديدة والتطبيقات الصناعية لها. فتطورت بسرعة منتجات حديثة وجديدة مثل مرشحات خاصة للراديو والتلفزيون piezoceramic filters وأجراس piezo buzzers وترانسديوسر transducers لتطبيقات الكترونية مختلفة، ومولدات شرارة كهربية استخدمت في ولاعات السجائر. هذا بالإضافة إلى مجسات خاصة لشركات السيارات لتنبيه السائق إذا ما اقتربت سيارته من عائق في الطريق ليعد مساره
نلاحظ هنا انه بالرغم من التطور الكبير الذي شهدنه مواد الكهرباء الإنضغاطية في الولايات المتحدة عنها في اليابان إلا إن هذه المواد كانت في الولايات المتحدة تمتلك براءة اختراع في حين في اليابان كانت متاحة مجانا للاستخدام مما كانت النتيجة انطلاق تكنولوجيا كاملة تعتمد على مواد الكهرباء الإنضغاطية وأصبحت منتجاتها في
مكان مما عاد بالفائدة العظمى على الدولة التي كانت سياستها مفتوحة أمام الجميع.[img][spoiler][img][img]