والسماء ذات البروج
يستهل ربنا تبارك و تعالى سورة البروج بقسم عظيم بثلاث من اياته أولاها قوله( عز من قائل): "والسماء ذات البروج"
وفي شرح دلالة هذا القسم القرآني تعددت رؤي المفسرين بين قائل بأن المقصود منه هو التنبيه إلي روعة خلق السماء, وإتقان صنعها, وحسن بهائها, وقائل بأن المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهرة, الي قائل بأن المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم, الي جامع بين هذه الرؤي جميعا
ولما كان القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به- لأن الله تعالي غني عن القسم لعباده- فإن السؤا ل الذي يتبادر إلي الذهن مباشرة هو: ماهي تلك البروج التي في السماء والتي أقسم الله( تعالي) بها, وسمي سورة من سور القرآن الكريم باسمها وماهي أهميتها لاستقامة الحياة علي الأرض والتي أراد الله( تبارك وتعالي) تنبيهنا إليها؟
أهمية بروج السماء
البروج( أو الكوكبات) هي تجمعات للنجوم, وقد فصل القرآن الكريم فوائد النجوم في كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر, وزينة للسماء الدنيا, ورجوما للشياطين, ومصدرا من مصادر الرزق في السماء وجندا مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا بما وهبها الله( تعالي) من قوي الترابط والتماسك والتجاذب, وذلك علي النحو التالي:1- البروج كوسيلة الاهتداء في ظلمات البر والبحر:
يقول ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه:وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البروالبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ومن معاني هذه الآية الكريمة أن الخالق سبحانه وتعالي قد رتب النجوم في مجموعات من الكوكبات( البروج) يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الأربع الأصلية كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبية أو نجم الجدي أو كوكبة الشمال أو مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين أن يسموه(Polaris Pole Staror Polar Star) وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعتبر ألمع نجم في كوكبة الدب الأصغر يبعد عنا مسافة650 سنة ضوئية ويقدر قطره بمائة مرة قدر قطر الشمس, وتقدر قوة اشعاعه بخمسة آلاف ضعف اشعاع الشمس, وقد أعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي( الذي لا يبعد عنه إلا بأقل من درجة واحدة), وتبلغ دورته حول محوره حوالي أربعة أيام(3,97 يوم) ولذلك فإنه يصنع دائرة صغيرة جدا حول القطب الشمالي لقبة السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها.ونظرا لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق تبدو القبة السماوية وكأنها تدور من الشرق إلي الغرب في حركة ظاهرية بكافة نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي وضعه الخالق( سبحانه وتعالي) علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الأرض فيبدو لنا ساكنا, ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي, ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الأربع الأصلية علي الأرض وفي صفحة السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر, وفي تحديد القبلة, وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات.
ويحدد موقع النجم القطبي في قبة السماء بواسطة العربة الكبري( المغرفة) في كوكبة الدب الأكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربة الكبري( أي الدليلتين اللتين تسبقان في أثناء الحركة اليومية الظاهرية) حوالي خمس مرات قدر المسافة بينهما, ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر.
2- البروج زينة السماء الدنيا:
فالبروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها لقول الحق( تبارك وتعالي):"ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين"( الحجر:16) وقوله( سبحانه)"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"(الصافات:6) وقوله( عز من قال):"فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم"( فصلت:12) وقوله( تبارك اسمه):"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير"( الملك:5) والبروج والنجوم( المصابيح) والكواكب والأقمار هي من أهم الوسائل في إنارة ظلمة الليل, الأولي بأضوائها الذاتية, والكواكب والاقمار بانعكاس أضواء النجوم عليها نورا, ولولا ذلك لأصبح ليل الأرض حالك السواد, قابضا للأنفس, مخيفا مزعجا.
3- البروج والنجوم والكواكب رجوما للشياطين:
يعتقد كثير من الناس أن رجوم الشياطين هي الشهب وحدها لقول الحق( تبارك وتعالي):ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين
وقوله( عز من قائل):"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون إلي الملأ الأعلي ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب. إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب"
ولكن الذي يعلم حقيقة تبادل المادة بين دخان السماء وكافة أجرامها أدرك جانبا من روعة البيان القرآني في الإشارة إلي البروج في أيات سورة الحجر, وإلي الكواكب في آيات سورة الصافات وإلي الشهب في كل من السورتين الكريمتين, وفي سورة الجن
والشهب عبارة عن أجسام صلبة تدخل الغلاف الغازي للأرض بسرعات كبيرة جدا تصل إلي40 كيلو مترا في الثانية فتحتك بجزيئات الغلاف الغازي احتكاكا شديدا يؤدي إلي اشتعالها واحتراقها إما احتراقا كاملا أو جزئيا بحيث يتبقي عن احتراقها فضلات صلبة تعرف باسم النيازك التي ترتطم بالارض بشدة بالغة.ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم قوله): إن الملائكة تتحدث في العنان بالأمر يكون في الأرض, فتسمع الشياطين الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون مائة كذبة
فالشياطين في محاولاتهم استراق السمع في عملية من التجسس والتلصص علي أخبار السماء الدنيا يلقون بشئ من ذلك إلي أعوانهم من الدجالين والمنجمين و,الكهان والعرافين من أجل إضلال بني أدم وصرفهم عن التوكل علي رب العالمين قد حيل بينهم وبين استراق ذلك السمع بعد بعثة المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وبقيت الشهب وهي من مادة بروج ونجوم وكواكب السماء لهم بالمرصاد
4- البروج والنجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه "وفي السماء رزقكم وماتوعدون"
وفسر بعض المفسرين هذه الأية الكريمة بأمر الرزق وتقدير الموعود, بأن الموعود به هو الجنة أو النار, والثواب أو العقاب, وفسرها البعض الاخر بأنه المطر, وفسر السماء بالسحاب, وهذا كله صحيح ولكن يأتي العلم التجريبي ليؤكد لنا أن كافة العناصر يخلقها ربنا( تبارك وتعالي) في قلب النجوم, وأن الله تعالي ينزل منها إلي الأرض بقدر معلوم, فالبروج والنجوم والكواكب والشهب والنيازك من أهم مصادر الرزق علي الأرض
5- البروج بنجومها جند مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا:
إن البروج بنجومها وباقي أجرامها, والاجرام بمواقعها وكتلها جند مسخرة من قبل الله( تعالي) للإمساك بأطراف السماء الدنيا, علي الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصلها, فهي مرتبطة مع بعضها بالاتزان الدقيق بين قوي الجاذبية والقوي الطاردة المركزية, علي الرغم من تحركها بسرعات مذهلة في صفحة السماء, وفي حركات عديدة معقدة تشهد لله الخالق العظيم بطلاقة القدرة وبديع الصنعة.من هنا تتضح بعض جوانب الأهمية الكبري للبروج والتي نبهنا ربنا( تبارك وتعالي) إليها بهذا القسم الجامع والسماء ذات البروج