لا تيأس، إياك أن تيأس، لا تدعهم يهزموا روحك، لا تسمح لهم بأن يخدشوا رهافتك أو يفسدوا حياتك أو يزعزعوا ثقتك فى نفسك. أنت الأكبر، الأطهر، الأجمل، الأنبل. وحتى لو امتلكوا القدرة على إيذاء حاضرك فالمستقبل لك. وإذا أشعلوا الحرائق داخلك فوهجها سيُنير أيامك. وكلما هبت عاصفة أعقبها الربيع الدائم.
صدقنى. الحياة أعرض بمراحل من السلطة الوقتية، وأكبر من ألاعيب الحزب الوطنى الذى لم يكتف بخداعنا وإنما خدع وتلاعب بمرشحيه فى الانتخابات!. أكبر من تصريحات دكتور سرور (الراقية) التى تقول إن الانتخابات الرئاسية شأن داخلى، (واللى عايز يتدخل ييجى يأكّلنا ويشرّبنا الأول!!). أكبر من أحداث البلطجة فى عين شمس، واستخدام رئيس الجامعة مفردات عفا عليها الزمن مثل وصف الأساتذة الأجلاء بأنهم قلة مندسة توزع منشورات! (التى هى نص حكم المحكمة الإدارية بإخلاء جامعة القاهرة من الحرس الجامعى).
أما هؤلاء الذين وصفهم رئيس جامعة عين شمس بالغيورين على حرمة الجامعة، فهم البلطجية مفتولو العضلات الذين لم يكتفوا باستخدام قبضاتهم الحديدية، وإنما أضافوا إليها السنج والمطاوى. والطريف أنهم اتهموا صحفيا رقيق البنية بضرب هذه الوحوش الآدمية فى مشهد يُذكّرنا بفيلم «الأستاذة فاطمة»، الذى حاولت فيه فاتن حمامة الدفاع عن الشاويش عطية بأن عينيه وديعتان مثل (السيد قشطة!).
................
رغم ذلك كله، فإن الحياة أكبر وأوسع وأجلّ وأهمّ من هؤلاء بكثير حتى لو امتلكوا السلطة الزمنية. سيذهبون كما ذهب الذين من قبلهم. اللعبة المكررة والغواية المُلونة. أين الذين جلسوا على نفس المقاعد من عشرات السنين؟ منذ مئات السنين؟ منذ آلاف السنين؟ هل يذكرهم الآن أحد؟ وحين يتركون المنصب هل يعبأ بهم أحد؟ وحين يموتون- وحتما سيموتون- هل يترحم عليهم أحد؟ فيما تبقى ذكرى الشرفاء فى ضمير الشعوب. من يذكر (يزيد) الآن إلا باللعنة؟ وإذا ذُكر (الحسين) فبالدعاء والنحيب.
...............
آه يا أيها الكوكب الأرضى الذى لا يكف عن الدوران. آه يا شمسنا التى تشرق وتغرب، يا قمرنا الذى يبزغ ويأفل. آه أيتها القصور التى صارت قبورا، والقبور التى صارت قصورا. يا لعبة الكراسى الموسيقية التى لا يغتر بها إلا الأغبياء. تراب يحكم التراب، وطين يتيه على صلصال، وفى النهاية موت، يتساوون مع الخشب والغصن اليابس والتراب.
أين المماليك الآن والطغاة المحليون الصغار؟ أين المحتسبون وجباة الضرائب والوزراء؟ أين ولاة القرن السابع عشر الراقدون تحت التراب؟ أين من كانوا يُدعى لهم على المنابر، وتُدق من أجلهم الأجراس؟ أين الهياكل العظمية التى اكتست باللحم فتوهمت أنها تملك الرقاب؟ أين ذهب وزراء الحقبة الملكية، الناصرية، الساداتية، المباركية؟ أين الذين كانت تُقام لهم المواكب وتزدان لهم السيارات؟ ذهبوا إلى حيث سيذهب من يملكون الآن الرقاب.
ويبقى الله، يبقى الله، يبقى الله
د.أيمن الجندي