مقطع في الراسب الغريني في منجم الشريط الأزرق في ألاسكا
رواسب غرينية في وادي گامتوس في جنوب أفريقيارواسب المجاري المائية Alluvium

عندما يفقد مجرى مائي طاقة حركته نتيجة التغير في الإنحدار أو السرعة أو التصريف, تضعف قدرته على النقل, ويرسب جزءاً من حمولته. وتتكون رواسب مميزة في المجار يالمائية على إمتداد حواف قناة المجرى وقيعان الوادي ومقدمات الجبل وحافة البحيرة أو المحيط, حيث إنها تمثل الأماكن التي تحدث فيها تغيرات في طاقة المجرى المائي.

أ. السهول الفيضية والجسور الطبيعية عندما يرتفع منسوب الماء في المجرى المائي أثناء فيضان عال, فإن الماء يفيض ويغمر ضفتي المجرى ويغرق السهل الفيضي floodplain المجاور, وهو جزء مسطح مستوي من وادي المجرى المائي تغمره مياه الفيضان. وقد يتكون عند الحد بين قناة المجرى المائي وسهل الفيضان جسر طبيعي natural levee, وهو أرض مرتفعة نسبياً وتدية الشكل, تمتد في مساحة ضيقة على طول حافة قناة المجرى,وهو يمثل أعلى جزء في السهل الفيضي. ويتكون الجسر الطبيعي عندما يفيض الماء المحمل بالرواسب خارج قناة المجرى المائي المغمورة تماماً أثناء الفيضان,حيث يحدث نقص مفاجئ في السرعة والعمق والإضطراب عند حواف القناة. ويؤدي النقص المفاجئ في العوامل السابقة إلى ترسيب الجزء الخشن من الحمولة المعلقة (عادة رمل ناعم وغرين خشن) على إمتداد مساحة طولية ضيقة (شقة) على حواف القناة ليتكون بهذه الطريقة الجسر الطبيعي, بينما يترسب بعيداً الغرين الأدق حجماً والصلصال في الماء الساكن الذي يغطي السهل الفيضي.

وقبل بناء السد العالي بأسوان كان الغرين المترسب في أوقات الفيضان يغطي السهل الفيضي لنهر النيل. ويبلغ أقصى عرض للسهل الفيضي 23 كم عند مدينة بني سويف, بينما لا يوجد سهل فيضي عند أسوان. ويزداد عرض السهل الفيضي عموماً كلما إتجهنا شمالاً. ويلاحظ أن عرض السهل الفيضي غير متماثل على جانبي مجرى نهر النيل,وأنه عموماً أعرض على الجانب الغربي عنه على الجانب الشرقي’ فيما عدا منطقة قنا.

ب. الشرفات (المصاطب النهرية) تشتمل معظم وديان المجاري المائية على إمتدادات طولية من الأرض على جانب النهر, تكون على هيئة مصاطب طميية مستوية أعلى السهل الفيضي تعرف بالشرفات. وتوجد عادة شرفة مزدوجة واحدة على كل جانب من جوانب المجرى المائي, ويكون منها في الغالب عدة أزواج ومجرى النهر محصور بين الزوج الأسفل منها. والشرفة (المصطبة النهرية)terrace هي بقايا سهل فيضي مهجور, وتتكون عموماً من رواسب الفيضان.

ويبدأ تكون الشرفات عندما يكون المجرى المائي سهلاً فيضياً. وقد يحدث تغير في توازن المجرى المائي مما يؤدي لأن يقطع المجرى المائي السهل الفيضي عند مستوى أقل إنخفاضاً, حتى يصل إلى مستوى لا يستطيع الفيضان فيه أن يصل إلى السهل الفيضي السابق ويعيد المجرى المائي توازنه مرة أخرى عند المستوى المنخفض. وقد يكون المجرى المائي سهلاً فيضياً آخر, يؤدي إلى تكون زوج آخر من الشرفات المنخفضة.

وقد أوضحت الدراسات وجود سلسلة من الشرفات على جانب وادي النيل مكونة من الحصى. وقد كونت الأنهار المتعاقبة الشرفات نهر النيل في البليوسين المتأخر. هذا ولم تحفظ شرفات نهر النيل في كل مكان على جانبي الوادي. وقد أزيلت بعض هذه الشرفات بالأنهار المتعاقبة, بينما لم يتكون بعضها الآخر من البداية.

ج. المراوح الطميية (الفيضية) عندما تنساب مجاري مائية في وديان ضيقة وشديدة الإنحدار في المناطق الجبلية, ثم تنبثق فجأة إلى وديان منبسطة القاع نسبياً أومناطق سهلية, فإنه يحدث تغير في الظروف عند مقدمة الجبل وتترسب على إمتداد هذه المقدمة كميات كبيرة من الرواسب على هيئة تراكمات مروحية أو مخروطية الشكل, تسمى مراوح طميية (فيضية) alluvial fans. وينتج هذا الراسب عن الإنخفاض المفاجئ في سرعة جريان الماء بسبب إتساع عرض المجرى المائي كثيراً وإنخفاض شدة الإنحدار عند مقدمة الجبل. وتأخذ المروحة الطميية (الفيضيية) شكلاً محدباً لأعلى يصل بين الجزء المنحني الذي يمثل أشد إنحداراً للجبل من ناحية ومنحنى الوادي اللطيف الإنحدار أو السهول من ناحية أخرى. وتسود المواد الخشنة من الجلاميد إلى الرمل على المنحدرات الحادة العلوية من المروحة, بينما تتكون الرواسب السفلية من رمال أكثر دقة وغرين وصلصال. وقد تتكون على مقمة الجبل مراوح طميية (فيضية) أخرى من مجاري مائية مجاورة تتصل معاً لتكون ما يسمى بالبهادا Bajada والتي تمتد عند حضيض الجبال بشكل طولي. مثال ذلك النطاق الذي يمتد عند أقدام جبال الصحراء الشرقية في مصر مكوناً الحد الشرقي للسهل الفيضي. وتكون هذه المناطق غنية بالمياه الجوفية نظراً لوجودها عند مخارج الأودية من ناحية وخشونة رواسبها من ناحيةأخرى.

د. الدلتاوات عندما تنساب الأنهار أو المجاري المائية عموماً في مياه البحار أو المحيطات أو البحيرات فإنها تختلط مع المياه المحيطة وتنخفض سرعتها بدرجة كبيرة وتفقد تدريجياً طاقة حركتها. وتستطيع بعض الأنهار الكبيرة مثل الأمازون والمسيسيبي أن تحتفظ ببعض التيارات لعدة كيلومترات في البحر, بينما تختفي تقريباً تيارات بعض الأنهار نثل نهر النيل عند المصب مباشرة, حيث تصطدم بالأمواج القوية.

وتتلاشى تدريجياً تيارات المجرى المائي عندما تلتقي بميااه البحر أو البحيرة وتفقد قدرتها على نقل الرواسب كلما تقدمت إلى الأمام, وتبدأ حمولة النهر في الترسب حسب حجم الحبيبات من الخشن إلى الناعم. فتبدأ الرمال الخشنة في الترسب أولاً عند المصب تليها الرمال الدقيقة الحبيبات ثم الغرين فالصلصال بعيداً عن الشاطئ. وتكون كل هذه الأحجام المختلفة من المواد المترسبة جسماً مسطحاً (ؤصيف ترسيبي) عند مصب المجرى المائي على قاع البحر أو البحيرة الذي ينحدر نحو المياه العميقة بعيداً عن الشاطئ. ويشبه هذا الجسم المسطح المثلث أو المروحة ويطلق عليه مصطلح دلتا delta. ويرجع إسم الدلتا إلى المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر حوالي سنة 450 قبل الميلاد, وأطلق هذا الإسم على الشكل شبه المثلث لدلتا نهر النيل لتشابه مع الحرف اليوناني دلتا. وتستمد كل الدلتاوات الأخرى في العالم إسمها من دلتا نهر النيل.

وكما سبق أن أوضحنا, فإن ماء النهر المندفع عندما يلتقي بماء البحر أو البحيرة فإن حبيبات حمولة القاع تترسب أولاً, ثم تتبعها الرواسب العالقة. ولذلك, تتدرج الطبقة التي تمثل حدثاً ترسيبياً واحداً (مثل فيضان واحد) من رواسب خشنة عند مصب النهر إلى رواسب أدق في حجم الحبيبات بعيداً عن الشاطئ. ويؤدي تراكم عديد من الطبقات المتتابعة إلى تكوين سد أو جسر ينمو بإطراد ناحية البحر. ويسمى الجزء السميك من الطبقة المترسبة من الدلتا والمنحدر بشدة والذي يتميز بحبيباته الخشنة بطيقة الواجهة foreset bed. وتتغير سحنة هذه الطبقة لتصبح حبيباتها أدق حجماً كلما تحركنا من الشاطئ ناحية البحر, ويغطي هذا الجزء من طبقة الدلتا مساحة واسعة من القاع, ويطلق عليه طبقة القاع bottomset bed.

ومع إستمرار الترسيب تنمو الدلتا للخارج, حيث تتراكب طبقات الواجهة الخشنة الحبيبات فوق طبقات القاع دقيقة الحبيبات. وهكذا, تمتد قناة النهر تدريجياً للخارج لتتراكب فوق الدلتا النامية. وتسمى كل من الرواسب خشنةالحبيبات والرواسب دقيقة الحبيبات المترسبة بين القنوات بطبقات القمة topset beds. وتتراكب طبقات القمة والتي تكون في وضع أفقي تقريباً فوق طبقات الواجهة في الدلتا.

وعندما يقترب النهر من مصبه عند الدلتا, حيث يكون الإنحدار مستوياً تقريباً مع مستوى سطح البحر, فإن نمط الصرف ينعكس, أي تتحول من تجميع المزيد من الماء من الروافد tributaries, إلى تكوين نمط أفرع التوزيع distributaries, والذي يكون عبارة عن أنهار صغيرة تتفرع من القناة الرئيسية إلى المصب. وهكذا تستقبل أفرع التوزيع الماء والرواسب من القناة الرئيسية وتوزعها في عدة قنوات - أي أنها تعمل عكس عمل الروافد.

وقد كون عديد من الأنهار الكبيرة في العالم دلتاوات ضخمة عند مصباتها, مثل أنهار النيل والأمازون والمسسيبي. ولكل دلتا مميزاتها الخاصة, والتي تحددها بعض العوامل مثل تصريف النهر وطبيعة وحجم الحمولة وشكل صخر الأساس الساحلي بالقرب من الدلتا وطبوغرافية المنطقة المغمورة على مسافة من الشاطئ وشدة وإتجاه التيارات والأمواج. وتنقل معظم الأنهار والمجاري المائية الكبيرة كميات ضخمة من الرواسب العالقة الدقيقة إلى البحر.

ومن الظواهر المهمة في تكوين الدلتاوات تغير المجرى الكلي للنهر. فإذا لم تستطع أفرع النهر الوصول إلى المحيط بسبب نقص الإنحدار وقدرة النهر على الإنسياب التدريجي, فإن النهر يبدأ في تحويل مساره إلى مجرى جديد أقل طولاً, وينقل هذا المجرى الجديد بالتالي الرواسب إلى الموضع الجديد. ونتيجة لهذا التغير, فإن الدلتا قد تنمو في مكان ما لمئات أو لآلاف السنين, ثم تتحول إلى موضع جديد وتبدأ في النمو في إتجاه آخر. وتكون الأنهار الكبيرة, مثل نهر المسسيبي أو نهر النيل, دلتاوات كبيرة تبلغ مساحتها عدة آلاف من الكيلومترات المربعة. وقد نمت دلتا المسسيبي مثل عديد من دلتاوات الأنهار الكبيرة الأخرى خلال ملايين السنين, حيث بدأت في التكون منذ حوالي 150 مليون سنة مضت. وقد تغير موضع دلتا النيل أيضاً. كما نشأت بعض الدلتاوات في مصر لأنهار سابقة لنهر النيل وغيرت موضعها أيضاً. فقد أوضحت الأبحاث الحديثة أنه كان يجري على أرض الصحراء الغربية بمصر منذ الأوليجوسين عدة أنظمة نهرية وليس نظاماً نهرياً واحداً, والتي تعرف بالأنهار أسلاف النيل Nile Ancestors. فقد نشأ في حين الأوليجوسين نظاماً نهرياً ينساب في إتجاه شمال غرب, حيث كون رواسب دلتاوية في الجزء الأوسط من الصحراء الغربية. ثم سادت ظروف مشابهة لتلك الظروف أيضاً في حين الميوسين المبكر والأوسط. وقد أدى تكون ذلك إلى تكون دلتا ضخمة في الجزء الشمالي من منخفض الفيوم, كانت أكبر كثيراً من دلتا النيل الحالية, مما يدل على أ، النهر كان قوياً. وعلى الرغم من تحديد تلك الدلتاوات, إلا أنه من الصعب التعرف على أثر مجاري الأنهار التي كونت تلك الدلتاوات, حيث محيت وأزيلت كلية بالتجوية والتعرية في الميوسين, بإستثناء القليل من الأودية التي حفظت منها.

أمثلة من الدلتاوات الحديثة هناك أنوعاً مختلفة من الدلتاوات, حيث يتحكم في كل دلتا توازن محدد بين قوىالترسيب والعميلات البحرية مثل الأمواج والدوامات. ويسود في دلتا المسسيبي عمليات الترسيب النهرية. حيث تغذي الدلتا بنظام نهري ضخم يقوم بصرف جزء كبير من شمال أمريكا, ويبلغ تصريف حمل التصريف السنوي حوالي 454 مليون طن مكعب سنوياً, وينحصر نهر المسسيبي عموماً في قناته على طول مساره بإستثناء فترات الفيضان العالية. وتصل معظم رواسبه إلى المحيط عبر قنوات فرعين أو ثلاثة أفرع, والتي إمتدت بسرعة بعيداً في خليج المكسيك. ويطلق على هذا الإمتداد دلتا قدم الطائر bird-foot delta .

وتختلف دلتا النيل بمصر عن دلتا المسسيبي في عدة جوانب. فبدلاً من أن يكون النهر محصوراً في قناة واحدة, فإن نهر النيل يبدأ في الترفع عند القاهرة (قبل 160 كم من البحر) ثم يكون شكل المروحة على طول إمتداد الدلتا. وقد يكون للنيل تسعة أفرع ثم أصبحت سبعة وأخيراً إقتصرت على فرعي دمياط ورشيد. وقد أعادت أمواج البحر المتوسط القوية توزيع الرواسب عند واجهة الدلتا. وتكون هذه الرواسب التي أعيد ترسيبها مجموعة من الحواجز المقوسة التي تحجز أجزاء من البحر لتكون بحيرات شاطئية lagoons وتقوم البحيرات الشاطئية بدور مهم في تكوين بيئة ترسيب تمتلئ برواسب دقيقة الحبيبات. ويرجع الإختلاف بين دلتا النيل ودلتا المسسيبي إلىالتوازن بين دفق الرواسب, والذي يقوم بتكوين دلتا قدم الطائر, وبين قوة تأثير الأمواج التي تعيد ترسيب الرواسب لتكوين حواجز.وتقدم دلتا النيجر أوضح مثال على التوازن بين قوة الترسيب وفعل المواج وتيارات المد والجزر, ولذلك فإن الدلتا النيجر تكون ممتماثلة بشكل لافت للنظر.