منتدى علوم المنصورة
رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Ezlb9t10


منتدى علوم المنصورة
رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Ezlb9t10

منتدى علوم المنصورة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علوم المنصورةدخول

اهلا بك يا زائر لديك 16777214 مساهمة


رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
5 مشترك

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz




لأنني كنت أريد أن أبتعد عنه، و عن أروى التي تقترب منه
أكثر يوما بعد يوم، و لأنني أصبحت بإحباط شديد بعد نزول الثروة المفاجئة على أروى،
و تعلّقها أكثر و أكثر بوليد، رفضت متابعة سفري معه...

لم أعد أحتمل المزيد، إن الذي ينبض بداخلي هو قلب و ليس
محرك سيارات! لا أحتمل رؤية أروى معه، أختنق كلما أبصرتها عيني، أريدها أن تتحول
إلى خربشة مرسومة بقلم الرصاص، حتى أمحوها من الوجود تماما بممحاة فتّاكة!

وليد ، و أروى و أمها، و أفراد عائلة خالتي ، كانوا
جميعا يقفون ناظرين إلي، و أنا أكرر
:

" سأبقى هنا بقية عمري "

وليد وقف أولا صامتا، ذلك الصمت الذي يستلزمه استيعاب
الأمور، ثم قال :

" مستحيل ! "

نشبت مشادة فيما بيننا، وتدخلت خالتي، و حسام و نهلة،
واقفين إلى صفي، يطلبون من وليد تركي معهم..إلا أن وليد قال بغضب :

" هيا يا رغد فأنا متعب ما يكفي و أريد أن أرتاح "

بدأت العبرات تتناثر من مقلتي على مرأى من الجميع، و رقت
قلوب أقاربي لي، و ساورتهم الشكوك بأنني غير مرتاحة مع ، أو لا ألقى معاملة حسنة
من قبل وليد !

قالت خالتي
:

" دعها تبات عندنا الليلة على الأقل، و غدا نناقش
الأمر "

قال وليد
:

" رجاء ً يا خالتي أم حسام، إنه أمر مفروغ منه "

قالت خالتي
:

" و لكنها تريد البقاء هنا ! هل ستأخذها قهرا ؟ "

قال وليد
:

" نعم إذا لزم الأمر "

و هي جملة رنت في الأجواء و أخرست الجميع، و أقلقتهم !

حتى أنا، ( ابتلعت ) دموعي و حملقت فيه بدهشة منها !

يأخذني معه رغما عني ؟ يمسك بي قهرا و يشدني بالقوة، أو
يحملني على ذراعيه عنوة، و يحبسني في السيارة !

تبدو فكرة مضحكة ! و مثيرة أيضا !
و لكن يا لسخافتي ! كيف تتسلل فكرة غبية كهذه إلى رأسي
في لحظة كهذه !

حسام قال منفعلا :

" ماذا تعني ؟؟كيف تجرؤ !؟ "

رمقه وليد بنظرة غاضبة و قال بحدة :

" لا تتدخّل أنت "

قال حسام مستاء :

" كيف لا ؟ أ نسيت أنها ابنة خالتي ؟ نحن أولى
برعايتها منك فأمي لا تزال حية أطال الله في عمرها "

تدخّل أبو حسام قائلا :

" ليس هذا وقت التحدّث بهذا الشأن "

التفت إليه حسام و قال :

" بلى يا والدي، كان يجب أن تحضر إلى هنا منذ شهور
، لولا الحظر الذي أعاق تحركنا
"

وليد تحدّث بنفاذ صبر قائلا :

" هل تعتقد أنني سأقبل بهذا ؟ "

حسام قال حانقا :

" ليست مسألة تقبل أم لا تقبل ! هذا ما يجب أن يحدث
شئت أم أبيت، كما و أنها رغبة رغد
"

و التفت إلي، طالبا التأييد، كما التفت إلي وليد و
الجميع !
قلت بتحد:

" نعم، أريد العيش هنا مع خالتي "

وجه وليد تحوّل إلى كتلة من النار... الأوداج التي تجانب
عنقه و جبينه انتفخت لحد يخيل للمرء إنها على وشك الانفجار !
عيناه تقذفان حمما بركانية حامية !
رباه
!
كم هو مرعب ! يكاد شعر رأسي يخترق حجابي و يشع من رأسي
كالشمس السوداء !

قال :

" و أنا، لن أبتعد عن هذا المكان خطوة واحدة إلا و
أنت معي "

في لحظة حاسمة مرعبة هذه، يتسلل تعليق غبي من ابنة خالتي
الصغرى، حين تقول :

" إذن .. نم معنا ! "

جميعنا نظرنا إلى سارة نظرة مستهجنة، تلتها نظرة تفكير،
تلتها نظرة استحسان !
قال خالتي
:

" تبدو فكرة جيّدة ! لم لا تقضون هذه الليلة معنا ؟ "

وليد اعترض مباشرة، و كذلك أروى ... و بعد نقاش قصير،
نظر إلي وليد و قال :

" لهذه الليلة فقط "

معلنا بذلك موافقته على المبيت في بيت خالتي، و إصراره
على عدم الخروج من الباب إلا و أنا معه
!

يا لهذا الوليد ! من يظن نفسه ؟؟ أبي ؟ أمي ؟ خطيبي ؟؟
لو كان كذلك، ما تركني تائهة وسط دموعي في بيتنا
المحروق، بحاجة لحضن يضمني و يد تربّت على كتفي، و وقف كالجبل الجليدي، يتفرّج علي ...

أخرجت لنهلة كل ما كبته في صدري طوال تلك الشهور...حتى
أثقلت صدرها و رأسها، و نامت و تركتني أخاطب نفسي!

كذلك نام الجميع، و مضى الوقت... و أنا في عجز كلي عن
النوم، و وليد يلعب فوق جفني ّ ، لذا نهضت عن السرير، و ذهبت إلى الطابق السفلي،
بحثا عن وليد !
كنت أدرك أنني لن أتمكن من النوم و لن يهدأ لي بال حتى
أراه...

لمحته جالسا في نفس المكان الذي كان يجلس فيه أثناء (
شجارنا ) و كان يبدو غارقا في التفكير العميق...

انسحبت بحذر، إذ إنني لم أكن أريد الظهور أمامه.. فظهوري
سيفتح باب للمشادة !
لكني، بعدما رأيته، أستطيع أن أنام قريرة العين !
( نوما هنيئا..يا وليد قلبي ! )
جملة أكررها كل ليلة قبيل نومي , مخاطبة بها صورة وليد
المحفورة في جفنيّ...
و التي أعجز عن محوها و لو اقتلعت جفني من جذورهما...





~ ~ ~ ~





وافقت كارها على قضاء الليلة في بيت أبي حسام، و لم أنم
غير ساعتين، لأن أفكاري كانت تعبث بدماغي طوال الوقت.

ماذا إن قررت صغيرتي البقاء هنا ؟
أتعتقد هي أنني سأسمح بهذا ؟؟
مطلقا يا رغد مطلقا .. و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا
لن أدعك تبتعدين عني...
ما كدت أصدّق، أنك ِ تحررت ِ من أخي... الطيور.. يجب أن
تعود إلى أعشاشها...
مهما ابتعدت، و مهما حلّقت...
مهما حدث و مهما يحدث يا رغد.. أنت ِ فتاتي أنا...

تناولنا فطورنا في وقت متأخر، الرجال في مكان و النساء
في مكان آخر... و حين فرغنا منه، طلبت أم حسام أن تتحدّث معي حديثا مطوّلا، فجلسنا
أنا و هي، و ابنتها الصغيرة في غرفة المجلس... و كنت أعلم مسبقا عن أي شيء سيدور
الحديث !

" وليد يا بني.. إن ما مرّت به رغد لهي تجربة
عنيفة، احترق بيتها، و تشردت ، ثم مات والداها، ثم انفصلت عن خطيبها، و عاشت في
مكان غريب مع أناس غرباء ! هذا كثير على فتاة صغيرة يا بني ! "

التزمت الصمت في انتظار التتمة

" إنه لمن الخطأ جعلها تستمر في العيش هناك، إنها
بحاجة إلى رعاية (أمومية و أبوية).. لذلك يجب أن تبقى معنا "

هزت رأسي اعتراضا مباشرة... فقالت أم حسام :

" لم لا ؟ "

" لا يمكنني تركها هنا "

" و لكن لماذا ؟ إنه المكان الطبيعي الذي يجب أن
تكون فيه بعدما فقدت والديك، مع خالتها و عائلة خالتها، التي تربت بينهم منذ
طفولتها"

قلت مستنكرا
:

" لا يمكن ذلك يا أم حسام، الموضوع منته "

استاءت أم حسام و قالت :

" لماذا ؟ أترى تصرّفك حكيما ؟؟ تعيش معك أنت، ابن
عمّها الغريب، و زوجته و أمها الأجنبيتين، و تترك خالتها و ابنتي خالتها !؟ "

وقفت من شدة الانزعاج من كلامها ... كيف تصفني بالغريب
؟؟

" أنا ابن عمّها و لست بالرجل الغريب "

" و ابن عمّها ماذا يعني ؟ لو كان سامر لكان الأمر
مختلفا .. بل إنه حتى مع سامر لا يمكنها العيش بعدما انفصلا . أنت لست محرما لها
يا وليد "

استفزّتني الجملة، فقلت بغضب:

" و لا حسام و لا أباه ! "

أم حسام ابتسمت ابتسامة خفيفة و هي تقول :

" لكنني هنا ! "

" و إن ْ ؟ ... أروى و أمها أيضا هناك "

" لا مجال للمقارنة ! إنهما شخصان غريبان ، و أنا
خالة رغد ، يعني أمها "

قلت بنفاذ صبر :

" لكنك لست ( المحرم ) هنا ! لن يغيّر وجودك و
ابنتيك شيئا ! "

أم حسا صمتت برهة ثم قالت :

" إن كانت المشكلة في ذلك، فحلّها موجود، و إن كان
سابقا لأوانه "

الجملة دقّت نواقيس الخطر في رأسي، فقلت بحذر و بطء :

" ماذا ... تقصدين ؟ "

أم حسام قالت
:

" كان يحلم بالزواج منها منذ سنين، فإن هي وافقت
على ذلك، أصبح حسام و رغد زوجين يعيشان معا في بيت واحد ! "

كنت أتوقع أن تقول ذلك ، و أخشاه.. اضطربت و تبدّلت
تعبيرات وجهي ، و استدرت فورا مغادرا الغرفة

حين بلغت الباب سمعتها تناديني :

" وليد ! إلى أين ! ؟ "

استدرت إليها و النار مشتعلة من عيني و صدري، لم أكن
أريد أن أفقد أعصابي لحظتها و أمام أم حسام.. لكنني صرخت :

" سآخذها و نغادر فورا "

و تابعت طريقي دون الاستجابة إلى نداءاتها من خلفي

و من أمامي، رأيت حسام، واقفا على مقربة، ينتظر نتاج
اللقاء الودي بيني و بين أمه

لما رآني في حال يوحي للناظر بشدة انفعالي، و رأى أمه
مقبلة من بعدي تناديني ، سأل بقلق
:

" ماذا حصل ؟ "

لم يجب أينا، الجواب الذي كان بحوزتي لحظتها هي لكمة
عنيفة توشك على الانطلاق من يدي رغما عني، كبتها عنوة حتى لا أزيد الموقف سوء ً

التفت ّ الآن إلى الصغيرة سارة و طلبت منها استدعاء رغد
و أروى و الخالة ليندا

" اخبريهن بأننا سنغادر الآن "

و ركضت الفتاة إلى حيث كن ّ يجلسن .. في إحدى الغرف .

أم حسام قالت
:

" وليد ! يهديك الله يا بني ، ما أنت فاعل ؟ "

أجبت بحنق
:

" راحل مع عائلتي ، و شكرا لكم على استضافتنا و
جزيتم خيرا "

حسام خاطب أمّه :

" هل أخبرتِه ؟ "

أجابت
:

" نعم ، و لكن ... "

و نظرت إلي، فحذا هو حذوها ، و قال :

" هل أخبرتك أمي عني و عن رغد ؟ "

اكتفيت هذه المرّة بنظرة حادة فقأت بها عينيه...

بدا مترددا، لكنه قال :

" منذ زمن كنت أفكّر في ... "

و هذه المرّة صرخت في وجهه بشدّة :

" لا تفكّر في شيء و ابق حيث أنت "

الاثنان تبادلا النظرات المتعجّبة ... و المستنكرة

ثم نطق حسام
:

" و لتبق رغد معي أيضا، فأنا أرغب في الزواج منها
بأسرع ما يمكن، و بما أنك هنا.. يمكننا أن ... "

و في هذه المرة، و بأسرع ما يمكن ، و بعد انفلات أعصابي
تماما، تفجرت اللكمة الدفينة في يدي، نحو وجه حسام ، بعنف و قسوة...

ربما الصدمة مما فعلتـُه فاجأت حسام أكثر من الضربة
نفسها، فوقف متسمرا محملقا في ّ في دهشة و ذهول !

كنت لا أزال أشعر بشحنة في يدي بحاجة إلى التفريغ ! و
ليتني أفرغتها فورا في أي شي.. حسام، الجدار، الأرض ، الشجر، الحجر ، الحديد ...
أي شيء.. و لا أن أكبتها لذلك الوقت...
...

عادت سارة، و معها أروى و أمها
نقلت نظري بين الثلاث و لم أكد أسأل ، إذ أن الصغيرة
قالت :

" رغد تقول : ارحلوا ، فهي لن تأتي معكم أبدا ! "

تحدّثت أروى الآن قائلة :

" إنها مصرّة على البقاء هنا و اعتقد، أنها تشعر
بالراحة و السعادة مع خالتها و ابنتيها
! "

و استدارت إلى أمها متممة :

" أليس كذلك أمي ؟ "

قالت خالتي ليندا :

" بلى، مسكينة ، لقد مرّت بظروف صعبة جدا، لم لا
تتركها هنا لبعض الوقت يا وليد ؟
"

عند هذا الحد، و ثار البركان...
الجميع من حولي يقفون إلى صفها ضدّي، الكل يطلب مني ترك
رغد هنا.. و يرى أنه التصرف السليم، و قد يكون كذلك، و قد يصدر من إنسان عاقل ،
أما أنا..في هذه اللحظة فمجنون، و حين يتعلّق الأمر برغد فأنا أجن المجانين...

سألت الصغيرة سارة :

" أين هي ؟ "

أشارت إلى الغرفة التي كانت النساء يجلسن فيها

قلت :

" أ أستطيع الدخول ؟ "

فنظرت إلي الصغيرة سارة ببلاهة ، أشحت بأنظاري عنها و
نظرت إلى أروى محوّلا السؤال إليها ، و كررت :

" أ أستطيع الدخول ؟ "

قالت أروى
:

" أجل
... "

و سرت ُ نحو الغرفة ، و أنا أنادى بصوت عال مسموع :

" رغد ... رغد "

حتى أنبهها و ابنة خالتها إلى قدومي..
طرقت الباب، ثم فتحته بنفسي، و أنا مستمر في النداء...
الجميع تبعني، و رموني بنظرات مختلفة المعاني، لا تهمني،
كما لا يهمكم سردها هنا
وجدت صغيرتي واقفة و إلى جانبها ابنة خالتها، و على وجهيهما
بدا التوتر و القلق...

قلت :

" رغد، هيا بنا ... "

هزّت رأسها اعتراضا و ممانعة ، فقلت بصوت جعلته أكثر
حدّة و خشونة :

" رغد ، هيا بنا، سنرحل فورا "

رغد تكلّمت قائلة :

" لن أرحل معكم ، اذهبوا و اتركوني و شأني "

رفعت صوتي أكثر و قلت بلهجة الإنذار الأخير :

" رغد، أقول هيا بنا ، لأنه حان وقت الرحيل، و أنا
لن أخرج من هنا إلا و أنت معي
"

قالت رغد بتحد ٍ :

" لن أذهب ! "

في هذه اللحظة، استخدمت بقايا الشحنة المكبوتة في يدي
..التي حدّثتكم عنها.. على حبيبة قلبي ، رغد
أسرعت نحوها، و أمسكت بذراعها بعنف، و شددتها رغما عنها
و أجبرتها على السير معي نحو الباب
...
من حولي كان الجميع يهتف و يستنكر و يعترض ، و لكنني
أبعدت ُ كل من حاول اعتراض طريقي بعنف، و دفعت حسام دفعة قوية صفعته بالجدار
أم حسام حاولت استيقافي و صرخت في وجهي ، و مدّت رغد
ذراعها الأخرى و تشبثت بخالتها، و بابنة خالتها ، و بكل شيء...إلا أنني سحبتها من
بين أيديهم بقسوة
أروى و أمها حاولتا ثنيي عما أقدمت عليه فكان نصيبها
زجرة قوية مرعبة فجّرتها في وجهيهما كالقنبلة...
نحو المخرج سرت و لحق بي حسام و البقية من بعده فأنذرته :

" عن طريقي ابتعد لأنني لا أريد أن تصيبك كسور أنت
في غنى عنها "

" من تظن نفسك !؟ اترك ابنة خالتي و إلا .. "

استخرجت المفتاح من جيبي و فتحت باب السيارة المجاور
لمقعد السائق، و دفعت رغد عنوة إلى الداخل ، و أقفلته من بعدها .

و الآن.. علي ّ أن ألقّن حسام درسا ، ليعرف جزاء من
يتجرّأ على خطبة حبيبتي منّي
...

كنت أنوي إيساعه ضربا، إلا أن تدخّل من حولي جعلني أكتفي
ببعض اللكمات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و لا تخمد بركانا جنونيا ثار في
داخلي بلا هوادة .
وسط المعمة و البلبلة و الصراخ و الهتاف، و استغاثة رغد
و ضرباتها المتتالية لنافذة السيارة ، و الفوضى التي عمّت الأجواء، التفت أنا إلى
أروى و الخالة ليندا و هتفت بقوة
:

" ماذا تنتظران ؟ هيا إلى السيارة "

و توجّهت إليها باندفاع، فركبتها و فتحت الأقفال لتركب
الاثنتان، و أوصدها مجددا، و أنطلقت بسرعة ...




descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 72

more_horiz

قطعنا مسافة طويلة، و نحن في صمت
يشوبه صوت محرّك السيارة، و صوت الهواء المتدفق من فتحة نافذتي الضيقة، و صوت بكاء
رغد المتواصل...

لم يتجرّأ أحد على النطق بكلمة
واحدة... فقد كنا جميعا في ذهول مما حصل..

لم أتخيّل نفسي... أقسو على صغيرتي
بهذا الشكل..ولكن .. جن جنوني لفكرة أنها باقية مع حسام، أو صائرة إليه...

و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن
أسمح لأحد بأخذ رغد منّي مهما كان..و مهما كانت الظروف.. و مصيرك يا رغد لي أنا...


" أما اكتفيت
ِ بكاء ً ؟ هيا توقّفي فلا جدوى من هذر الدموع ... "

قلت ذلك بأسلوب جاف ، جعل أروى تمد
يدها من خلفي، و تلامس كتفي قاصدة أن أصمت و أدع رغد و شأنها...
صمت ّ فترة لا بأس بها، بعدها فقدت أي
قدرة لي على التركيز في القيادة، و أنا أرى رغد مستمرة في البكاء إلى جانبي...
أوقفت السيارة على جانب الطريق، و
التفت إليها ...
كانت تسند رأسها إلى النافذة، في وضع
تخشع له قلوب الجبابرة..فكيف بقلب وليد ؟؟

" صغيرتي ... "

ألقت علي نظرة إحباط و خيبة أمل أوشكت
معها أن أستدير و أعود أدراجي و أوصلها إلى بيت خالتها ... إلا أنني تمالكت نفسي ...

" رغد ...
أنا آسف ... "

لم تعر جملتي أية أهمية، و ظلت على ما
كانت عليه...

" أرجوك يا
رغد.. قدّري موقفي، لا أستطيع تركك في مدينة و أسافر أنا إلى أخرى ! إنك تحت
مسؤوليتي و لا يمكنني الابتعاد عنك ليلة واحدة "

لم أر منها أي تجاوب، مددت يدي بعد
تردد و أمسكت ُ بيدها ، فسحبت يدها بقوة و غضب :

" اتركني ... "

قلت :

" لا أستطيع
أن أتركك في أي مكان ... "

رغد أجابت بانفعال :

" و أنا لا
أريد الذهاب معك ! أهو جبر ؟ أهو تسلّط ؟ لا أريد السفر معك ... أعدني إلى خالتي
.. أعدني إلى خالتي .. "

و أجهشت بكاء قويا ...

قلت أنا :

" سنعود
لزيارتها حين ننهي مهمتنا ، و سنبقى هناك القدر الذي تريدين "

صرخت رغد :

" أريد العيش
معهم مدى الحياة ! ألا تفهم ذلك ؟ "

اشتط غضبي من هذه الجملة، فأمسكت
بيدها مجددا و شددت قبضتي عليها و قلت بحدة و أنا أضغط على أسناني كأني أمزّق
حقيقة أكرهها بين نابي ّ :

" لن أدع لك
الفرصة لتحقيق ما يدور برأسك.. و أقسم يا رغد.. أقسم بأنه ستمضي سنون خمس على
الأقل، قبل أن أسمح لأي رجل بالزواج منك .. و إن كان ابن خالتك يطمع بك، فلينتظر
هو بالذات عشر سنوات حتى أسمح له بطرح الفكرة ، و إن تجرأ على إعادة عرضه ثانية
قبل ذلك .. فوالذي لم يخلق في داخلي قلبين اثنين، لأقننه درسا يُنسيه حروف اسمه
... و دون ذلك، لن يبعدك شيء عني ّ غير الموت.. الموت و الموت فقط "

لم أدرك تماما خطورة ما تفوّهت به ،
إلا بعد أن رأيت رغد تحملق بي بذهول شديد، و قد تبخّرت الدموع التي كانت تجري على
وجنتيها.. و ألجم حديثي لسانها و منعها حتى عن التأوّه من شدة قبضي على يدها...
ربما أكون قد كسرت أحد عظامها أو
حرّكت أحد مفاصلها .. لقد كنت أضغط بقوة شديدة... أصابت عضلات يدي أنا بالإعياء...
سكون تام خيّم علينا، ما عاد هناك صوت
للمحرك، و لا للهواء ، و لا لرغد، و لا لأي شيء آخر..
حررت يد رغد من قبضتي، فرأيتها
محمرّة.. و بالتأكيد مؤلمة...
إلا أن رغد لم يظهر عليها الألم، و لم
تسحب يدها بعيدا عني ، كما لم ترفع عينيها المذهولتين عن عيني ...
طوال الأشهر الماضية، كنت أنظر إلى
خطيبي وليد نظرة إعجاب شديد، أكاد معها أجزم بأنه أفضل رجل على وجه الأرض، و لا
أرى منه أو فيه أي عيب أو نقص...
و كانت جميع خصاله و طباعه تعجبني، و
سلوكه و تصرفاته كلها مثار إنبهاري ..
و في هذا اليوم، رأيت شيئا أذهلني و
فاجأني...
لم أتصوّر أن يكون وليد بهذا التسلّط
أو هذه القسوة ! لم أتوقع أن يصدر منه أي تصرّف وحشي.. كنت أراه إنسانا هادئ
الطباع و مسالما... و عظيم الخلق...

الطريقة التي سحب بها رغد رغما عنها،
و الطريقة التي زجرنا بها حين حاولنا ثنيه عما كان مقبلا عليه، و الطريقة التي لكم
بها حسام بوحشية، و الطريقة التي خاطب بها رغد و نحن في طريقنا الطويل إلى المدينة
الساحلية، كلها أثارت في قلبي الخوف و الحذر...
و ذكّرتني، بأن خطيبي هذا قد قتل شخصا
ما ذات يوم ... !

كان الطريق إلى المدينة الساحلية
طويلا جدا، و مملا جدا ... و قد سيطر الصمت الموحش علينا نحن الأربعة ...
والدتي سرعان ما نامت، و بقيت أنا
أراقب الطريق، و أحاول النظر إلى وليد ، إلا أنه كان مركزا على الطريق تركيزا
تاما، و كان يسير بسرعة مخيفة !

" هللا خففت
السرعة يا وليد ! "

طلبت منه ذلك، فقد شعرت بالخوف من
انفعاله ... لكنه لم يخففها بل قال :

" طريقنا
طويل جدا ... أجدر بي زيادتها "

ثم التفت إلى رغد، و التي كانت مشيحة
بوجهها نحو النافذة و مسندة رأسها إليها ، و خاطبها قائلا :

" اربطي حزام
الأمان "

لم أر من رغد أي حركة ، أهي نائمة ؟
أم لم تسمع ؟ أم ماذا ؟؟

عاد وليد يقول :

" رغد ..
اربطي حزام الأمان "

رأيتها تتحرك، ثم سمعتها تقول :

" لماذا ؟ هل
تنوي أن تصدمنا بشاحنة أو جبل ؟ "

بدا على وليد ، من نبرة صوته ، نفاذ
الصبر و الاستياء، إذ قال :

" لا قدّر
الله ، فقط اربطيه للسلامة "

قالت رغد :

" لا تخش على
سلامتي ! مرحبا بالموت في أي وقت .. أنا انتظره بشوق "

الجملة هذه أربكت وليد فانحرف في
مسيره قليلا و أفزعنا ! ثم خفف السرعة تدريجيا، حتى أوقف السيارة... و التفت إلى
رغد قائلا :

" توقّفي عن
ذكر الموت يا رغد.. تجرّعت منه ما يكفي.. إياك و تكرار ذلك ثانية "

لم تعقّب رغد، بل أسندت رأسها إلى
النافذة من جديد...

قال وليد :

" اربطي
الحزام "

قالت :

" لن أفعل ! "

" رغد ! هيا ! "

" لن أربطه ! "

" إذن، أنا
سأربطه ! "

و رأيت وليد يمد يده باتجاه الحزام،
ثم رأيتها ترتد بسرعة إليه! أظن أن رغد دفعتها بعيدا ، ثم سمعت صوت اصطكاك لسان
الحزام بفكّه !
لقد ربطته بنفسها !
ثم سمعت وليد يقول :

" فتاة مطيعة "

و يعاود الانطلاق بالسيارة بأقصى سرعة !

بعد فترة، توقّف وليد عند إحدى محطّات
الوقود، من أجل الوقود، و الطعام، و الصلاة...

خاطبنا مشيرا إلى مبنى على جانبنا :

" يوجد هنا
مصلى للسيدات، حينما تفرغن عدن إلى السيارة ، ثم نذهب إلى المطعم "

أنا و والدتي فتحنا البابين الخلفيين،
و نزلنا...
وليد فتح بابه.. ثم التفت إلى رغد...
و التي كانت لا تزال جالسة مكانها لا تصدر منها أي حركة تشير إلى عزمها على النهوض ! ..

" ألن تنزلي
؟ "

سألها ، فسمعتها ترد بسؤال :

" إلى أين
ستذهب أنت ؟ "

قال وليد :

" إلى المسجد "

و أشار بيده إلى نفس البناية، و التي
تحوي مصلى صغيرا خاصا بالرجال، و آخر بالنساء ، يفصلهما جدار، و يقع باباهما في
الطرفين المتضادين ..
يظهر أن الفكرة لم ترق لرغد ( هذه
المدللة المدلّعة ) و أبت إلا أن يقف وليد عند مدخل المصلى النسائي، حارسا على
الباب !

بعد ذلك، اقترح وليد أن ندخل إلى
المطعم المجاور لتناول الطعام، فلم يعجبها الاقتراح، فاقترح أن يذهب هو لإحضاره و
نبقى نحن في السيارة، و أيضا لم يعجبها الاقتراح ! يا لهذه الفتاة ... لقد بدأت
أشعر بالضيق من تصرفاتها ! إنها بالفعل مجرد طفلة كبيرة !

أتدرون ما فعلت في النهاية ؟
أصرّت على الذهاب معه، و تركتنا أنا و
أمي نعود للسيارة !
ركبت أنا المقعد الأمامي، و أمي خلفي
مباشرة، و قلت مستاءة :

" إنه يدللها
بشكل يثير سخطي يا أمي .. أستغرب.. لم َ لم ْ يتركها في بيت خالتها كما أرادت و
أصرّت ! إنه ينفذ جميع رغباتها بلا استثناء! فلم عارض هذه الرغبة ؟؟ "

قالت والدتي :

" هذا لأنه
يشعر بالمسؤولية الكاملة تجاهها، لا تنسي يا ابنتي أنها يتيمة و وحيدة "

قلت :

" هل سمعت ِ
ما قاله ؟ يبدو أن ابن خالتها يخطط للزواج منها، بعدما انفصلت عن خطيبها السابق !
أظنه حلا ممتازا لمثل وضعها ! لم يعارضه وليد ؟ "

قالت :

" هو الأدرى
بالمصلحة يا أروى، لا تتدخلي في الموضوع بنيّتي "

و في الواقع، الموضوع كان يشغل تفكيري
طوال الساعات الماضية...

لقد قال وليد و هو في قمّة الثورة و
العصبية ، مخاطبا رغد أنه لن يسمح لها بالزواج من أي رجل قبل مرور سنين ! ... هذه
الجملة تثير في داخلي شكوكا و أفكارا خطيرة ...

بعد قليل، أقبل وليد يحمل كيسا حاويا
للطعام، و إلى جانبه تسير مدللته الصغيرة ..
من خلال النافذة، ألقت رغد علي نظرة
غيظ حادة لم أفهم لها سببا، ثم ركبت السيارة إلى جوار والدتي...
وليد بعدما جلس، أخذ يوزّع علينا
حصصنا من الطعام، و الذي كان عبارة عن ( هامبرجر ) و بعض العصير...

و حين جاء دور (المدللة) ، التفت
إليها مادا يده، مقدّما علبة البطاطا المقلية ...

" تفضلي
رغد.. طبقك "

الفتاة التي تجلس خلف وليد مباشرة
قالت ببساطة :

" لا أريد !
كله أنت ! "

وليد بدا مستغربا ! و قال :

" ألم تطلبي
بطاطا مقلية !؟ "

قالت :

" بلى، غيّرت
رأيي، احتفظ به "

وليد مدّ إليها بعلبة ( الهامبرجر )
الخاصة به...

" خذي هذه
إذن "

قالت :

" لا أريد !
شكرا "

" و لكن هل
ستبقين دون طعام ؟ ماذا تريدين أن أحضر لك ؟؟ "

" لا شيء !
لا أشتهي شيئا و لا أريد شيئا ! "

" و هذه
البطاطا ؟؟ "

" كلها ! أو
... أطعمها مخطوبتك ! "

و أسندت رأسها إلى النافذة، معلنة
نهاية الحوار !

وليد أعاد علبتي البطاطا و الهامبرجر
إلى داخل الكيس، و انطلق بالسيارة ...
باختصار، أنا و أمي كنا الشخصين
اللذين تناولا وجبتيهما !

عدّة مواقف حصلت أثناء الرحلة الطويلة
الشاقة، و رغد إذا خاطبتني ، تخاطبني بطريقة جافة و خشنة، كأنها تصب جم غضبها علي
أنا !
بعد مرور ساعات أخرى، و وسط الظلام،
استسلمت أنا للنوم..
حينما أفقت بعد مدة لم أحسبها، وجدت
السيارة موقفة، و وجدت وليد و رغد يجلسان في الخارج، على الرمال، و أمي نائمة
خلفي، و يتحدّثان فيما لا يعلم به إلا الله
لأن النعاس غلبني، كما غلب جميع من
معي، أوقفت السيارة و في نيتي الخروج و الاسترخاء قليلا ، و تجديد نشاطي...

استدرت للخلف، فرأيت رغد تنظر إلي
مباشرة !

" لماذا
توقّفت ! ؟ "

" ألم تنامي
؟ أشعر بالتعب، سأمشي قليلا ... "

و ما إن سرت بضع خطوات، حتى تبعتني
صغيرتي ...
لم نتحدّث، و أخذت أسير ببطء... على
الرمال مبتعدا عن السيارة عدّة أمتار... و أشعر بها تسير خلفي، دون أن ألتفت إليها...
بعد مسافة قصيرة، استدرت قاصدا
العودة، فوقعت عيناي على عينيها مباشرة...

أعتقد أن الزمن توقّف عن السير تلك
اللحظة... لو تعرفون ما الذي تفعله، نظرة واحدة إلى عيني رغد بي ... لربما بررتم
التصرفات الغريبة التي تصدر مني !
إنها ترسلني إلى الجنون... فهل يلام
مجنون على ما يفعل ؟؟

بعد أن تابع الزمن سيره، تقدّمت
نحوها... عائدا إلى حيث السيارة... رغد بقيت واقفة مكانها، إلى أن تجاوزتها ببضع
خطوات، ثم أحسست بها تسير خلفي...

مشاعر كثيرة شعرت بها و أنا أغرس
حذائي في الرمال..خطوة بعد خطوة...
الشعور بالقلق..لما يخبئه القدر لي،
الشعور بالغيظ من رغبة رغد في البقاء مع خالتها.. و ابن خالتها، و بالندم من قسوتي
معها.. بالرغبة في الاعتذار.. و بالشوق لأن أواسيها و أعيد إلى نفسها الطمأنينة و
الأمان و الثقة بي.. و بالحزن مما قد يكون الآن دائرا في رأسها حولي.. و برغبة
جنونية ، في أن أستدير إليها الآن و أهتف في وجهها :
( أنا أحبك ! ) ...
ماذا سيحدث حينها ؟؟
و أخيرا.. بشعور ٍ مسيطر...إن تمكّنت
من السيطرة على جميع مشاعري و كبتها ، لا يمكنني الصمود في وجه هذا الشعور بالذات !
إنه قارس و قارص !
أنا جائع !

صدر نداء استغاثة من معدتي، سألت الله
عشر مرات ألا يكون قد وصل إلى مسامع رغد !

حينما وصلت إلى السيارة، أسرعت الخطى
إلى ( نافذتي ) المفتوحة فمددت يدي و استخرجت كيس الطعام، قبل أن تصل رغد ...

عدت ُ إلى الرمال، و جلست عليها.. و
فتحت الكيس و استخرجت العلب الثلاث المتبقية فيه، علبة البطاطا المقلية، و
الهامبرجر، و العصير !
رغد وقفت على مقربة تنظر إلي ! لابد
أنها متعجبة مني ! رفعت رأسي إليها و قلت :

" تعالي و
شاركيني ! "

و قمت بتقسيم الشطيرة ( الهامبرجر)
إلى نصفين... و مددت ُ يدي بأحدهما إليها..

كانت لا تزال تنظر إلي باستغراب...
قلت :

" صحيح باردة
، و لكنها تبقى طيبة المذاق "

ترددت رغد، ثم جاءت، و جلست إلى
جانبي... و تناولت ( نصف الشطيرة ) من يدي...
قرّبت منها علبة البطاطا، و كذلك
العصير، فرفضتهما...
بدأت أقضم حصتي من الشطيرة، و أبتلع
أصابع البطاطا الباردة، و أشرب العصير، و أتلذذ بوجبتي هذه !
إنه الجوع ، يصيّر الرديء لذيذا !

قلت و أنا أمضغ إصبع بطاطا :

" لذيذ !
جرّبيه ! "

و أمسكت أحدها و قرّبته منها... كنت
أنتظر أن تمد يدها لتمسكه بأصابعها، إلا أنها مدّت رأسها و أمسكته بأسنانها ! و
بدأت تمضغه، و يبدو أنه أعجبها لذلك ابتسمت !
أن أراها تبتسم، و إن كانت ابتسامة
خفيفة باهتة سطحية، بعد كل الذي حصل، لهو أمر يكفي لأن يجعلني أنسى عمري الماضي...
الماضي... آه ... الماضي...
في الماضي، كنت أطعمها أصابع البطاطا
بهذه اليد... نفس اليد كانت تمد إليها بإصبع البطاطا قبل ثوان...
نفس اليد، التي تتوق لأن تمسح على
رأسها و تطبطب على كتفيها و تضمها إلى صدري...
نفس اليد، التي شدّتها بعنف وقسوة، و
أجبرتها على ركوب السيارة رغم مقاومتها...
إنها نفس اليد التي قتلت بها عمّار...
و ضربت بها سامر ... و لكمت بها حسام... و سأذبح بها أي رجل يحاول الاقتراب منك يا
رغد...
و بهذه اليد ذاتها، سأبقى ممسكا و
متمسكا بك لآخر نسمة هواء تدخل إلى صدري، أو تخرج منه...
يا رغد... ليتك تعلمين...

" رغد ... "

نظرت إلي، فبقيت صامتا برهة، بينما
عيناي تتحدثان بإسهاب... ألا ليتك تفهمين...

" نعم ؟؟! "

" سامحيني..."

جاء دورها الآن لتنظر إلي نظرة مليئة
بالكلام... إلا أنني عجزت ُ عن ترجمته...

قلت :

" سامحيني..
أرجوك "

لم ترد إيجابا و لا سلبا، لكنها مدّت
يدها إلى علبة البطاطا، و تابعت أكلها... على الأقل، هي إشارة حسنة و مطمئنة...

انهينا وجبتنا الباردة ، و في داخلي
شعور غريب بالسعادة و الرضا، و الاسترخاء ، و الشبع أيضا !

و عوضا عن تجديد نشاطي، تملّكتني رغبة
عارمة في النوم !

( فرشت ) الكيس على الرمال، و تمددت
واضعا رأسي فوقه.. و أغمضت عيني..

أنا متأكد من أنني لو بقيت على هذا
الوضع دقيقتين اثنتين، لدخلت في سبات عميق و فوري...

الذي حصل هو أن صغيرتي و بمجرد أن
أغمضت عيني نادتني بقلق :

" هل ستنام
وليد ؟؟ "

قلت و أنا أتثاءب :

" أنا نعسان
بالفعل ! سوف أسترخي لدقائق "

" وليـــد !
اجلس ! "

صدر هذا الأمر من صاحبة الدلال و
السيادة ، جعلني انهض فورا ، و أصحو تماما !
التفت إليها فوجدتها تنظر إلي بقلق...

" دعنا نعود
إلى السيارة و نم هناك "

" حسنا...
إذن هيا بنا "

و نهضنا و عدنا إلى مقعدينا...

" هل يضايقك
أن أزيح مسند مقعدي للوراء يا رغد ؟ "

" كلا .. خذ
راحتك "

" شكرا "

صمت برهة ثم عدت أقول :

" أنا متعب
بالفعل، قد أنام طويلا ! إذا نهضت ِ و وجدت ِ الشمس توشك على الشروق، فلتوقظيني "

" حسنا "

" نوما
هنيئا، صغيرتي "

" لك أيضا "
لم ينته الأمر هنا...

صحيح أن وليد قد نام بسرعة، إلا أن
رغد ظلت تتحرك، و أشعر بحركتها لفترة...

كنت أتظاهر بالنوم.. و من حين لآخر
أفتح عيني ّ قليلا ، خصوصا إذا أحسست بحركة ما...
هذه المرّة فتحتها فتحة صغيرة، فرأيت
يد رغد تمتد إلى مقعد وليد، و رأسها يستند عليه...
هذا لا شيء...!
فالشيء.. الذي أيقظ كل الخلايا الحسية
و العصبية و الوجدانية في جسدي، في ساعة كنت فيها في غاية التعب و النعاس، و أرسل
أفكاري إلى الجحيم ...هو جملتها الهامسة التالية :

" ( نوما
هنيئا... يا وليد قلبي ...) "

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 73

more_horiz








لم أكن أريد أن يدركنا الظلام ، سرت بأقصى سرعة ممكنة ،
لكن الشمس سبقتني بالغياب ...

حين وصلت إلى المدينة الساحلية ، مسقط رأسي ، كان الظلام
قد غطى الأجواء ...

تسارعت نبضات قلبي و أنا أسير في الطريق المؤدي إلى
بيتنا... كلما وقفت عند إشارة مرور ، توقفت الذكريات عند حدث معيّن ...
شوارع المدينة لم تتغير... الكثير من الحفريات و
الإصلاحات مبعثرة على الشوارع... لا تزال بعض المباني منهارة كما خلّفتها يد
الحرب... و لا تزال المناظر تثير الرهبة في قلوب الناظرين...

" هنا مدينتنا "

قلت ذلك ، مخاطبا أروى التي كانت تشاهد المناظر من
حولها... و كأنه واقع مخيف مرير أخشى تلقيه بمفردي...

" إنها آثار الحرب ! "

عقّبت أروى ، فقلت :

" و أي آثار ... ! تحمل هذه المدينة من ألم الذكرى
و بصمات الماضي ما يجعل قلبي يتصدّع من مجرد ذكر اسمها ... "

و أي ذكرى أقسى من ... ذلك اليوم المشؤوم... الذي غيّر
مجرى حياتي نهائيا ...
كأني به يعود للوراء...
كأني بعمار اللعين ... ينبعث من قبره...
كأني أراه يبتسم ابتسامته الشرسة القذرة... و يرمي
بالحزام في الهواء...
كأني ... برغد تصرخ... تركض إلي... تتشبث بي... تخترق
صدري ، و خلايا جسدي ... تمزّق قلبي ... تحرق أعصابي عصبا عصبا ... و تفجّر في داخلي
رغبة عارمة مزلزلة ... منطلقة بعنف و سرعة ... ككتلة نارية قذفها بركان ثائر
هائج... آبية إلا أن تنتهي بضربة بشعة فتاكة على رأس عمّار... خاتمة بها آخر
أعماله القذرة ...

لم أتمالك نفسي ، دست بقدمي بقوة ... انطلقت السيارة
بشكل جنوني... كنت ُ أراه أمامي... و كنت أريد أن أدوسه و أسحقه تحت العجلات ...
مرة بعد مرة ... بعد مرة ...

" وليد ! خفف رجاء ً ! "

هذه المرة كانت أم أروى هي المتحدثة ، أعادتني إلى
الواقع ، فوجدت نفسي أقود سيارة في شارع داخلي لا يخلو من النتوءات و الحفر ...

خففت السرعة ، و ألقيت نظرة على رغد من خلال المرآة ...
كانت هي الأخرى مشغولة بمراقبة الطريق
...

أتراها تذكر ؟؟

الآن انتقل بصرها إلي ... أشارت إلى الخارج عبر النافذة
و قالت :

" إنها مدرستي ! "

نعم إنها هي
!

نعم إنها تذكر ... حاولت أن استشف من عينيها مدى
تأثرها... و إلى أين وصلت بها الذكرى...
حدّقت في مبنى المدرسة... ثم حدّقت بي...

كيف تشعرين يا رغد ؟؟

هل يؤلمك شيء كما يؤلمني ؟؟

هل تطوف في مخيلتك ذكريات ذلك اليوم النحس، كما هي
مسيطرة علي الآن ...؟؟

لو أملك يا رغد ... لمحوت ذلك الماضي من ذاكرتك نهائيا ...

لو أملك يا رغد ... لاستئصلت ذلك اليوم من عمرك ... و
اقتلعته من أصل جذوره ...

لو أملك يا رغد ... لقتلت عمّار قبل أن تلده أمه ... و
ما تركت له الفرصة ليؤذي أغلى مخلوقة لدي ... بأبشع طريقة ....


المسافة تقصر... النهاية تقترب ... المباني تمر بنا و
تنصرف ... واحدا تلو الآخر... إلى أن ظهر أخيرا ... مبنى كبير قديم ... مهجور و
غارق في الظلام ... موصد الأبواب و النوافذ ... كئيب ميت و مرعب... تحف به أشجار
جافة بلا أوراق و لا ثمر ... أشجار ماتت واقفة... و بعثرت الريح أوراقها على
المجرّة منذ سنين ... و ظلّت واقفة ... و قامت الحرب... و قعدت الحرب ... و ظلت هي
واقفة ... في انتظار عودة سيدي المنزل ... لتنحني أمامهما ... محيية مرحبة ...
يا أشجار بيتي العزيز ...
ستظلين واقفة ما امتد بك الدهر ...
لأن السيدين ... اللذين تنتظرين عودتهما... لن يعودا
أبدا ...

عند الباب مباشرة ، أوقفت سيارتي أخيرا...
بقيت قابعا في مكاني لا أجرؤ على الحراك ... مركزا بصري
على البوابة... كأنني أستأذنها بالدخول ... كأنها تستغرب عودتي ... كأنها
نسيتني !

مرت لحظات ليست كاللحظات، و أنا في سكون شارد ...

تحدّثت أروى قائلة بعد أن طال بنا البقاء :

" أليس هذا هو المنزل ؟ ألن ننزل ؟؟ "

التفت إليها و منها إلى الوراء ، حيث تجلس صغيرتي
بتعبيرات وجهها المضطربة و نظراتها المتوجسة ...

قلت بصوت يكاد يختنق في حنجرتي :

" منزلنا يا رغد ! "

رأيت يدها تمتد من موضعها على صدرها إلى عنقها ... كأنها
تمنع صرخة من الانبثاق قهرا من أعماق حنجرتها الصغيرة ...


تحدّثت خالتي أم أروى الآن قائلة :

" هل سننزل هنا ؟ هل تملك مفاتيح للمنزل ؟؟ "

أجبتها بتحريك المفاتيح المتدلية من مقود السيارة ، و
التي تضم مفاتيح المنزل المهجور
...

عدت بنظراتي إلى رغد ... فهي أهم ما يعنيني في الأمر ...
لطالما كانت هي الأهم ... قلت :

" هيا بنا ... توكّلنا على الله "

بدا على صغيرتي المزيد من التوتر و القلق ، كانا جليين
لي ...

أخيرا فتحنا الأبواب و هبطنا أرضا ...
صغيرتي وقفت و سارت شبه ملتصقة بي ، و كأنها تخشى شيئا ...
فتحت البوابة الرئيسية أخيرا ... و سمحت لطوفان الذكريات
باجتياحنا ....

الحديقة الخارجية ... التي لطالما كانت غناء خضراء زاهية
... هي الآن مجرد صحراء موحشة تعذّر حتى على الأشواك البرية العيش في رحابها ...

لم أكن أشعر بقدمي و هي تسير خطوة بعد خطوة نحو الداخل
... اقتربنا من الساحة المرصوفة بقطع الرخام ......

في هذه الساحة ... كانت فيها رغد تقود دراجة سامر فيما
مضى ...

تجاوزنا الباب الخارجي للمنزل ، و سرنا متابعين طريقنا
... حتى بلغنا الساحة الخلفية للمنزل ... و من خلال بصيص خفيف للضوء ، وقعت
أنظارنا على أدوات الشواء المركونة هناك في زاوية الساحة منذ سنين ...

ما أن رأتها رغد ، حتى رفعت يدها اليمنى و أمسكت بذراعها
الأيسر...كأنها شعرت بلسعة الجمر تحرق ذراعها ... مكان الندبة القديمة ...

قلت بعطف
:

" رغد ! أأنت على ما يرام ؟؟ "

و بالرغم من الظلام ، استطعت أن ألمح القلق المرسوم على
وجهها الصغير ...

قلت أخيرا
:

" دعونا ندخل إلى الداخل "

و رأيت يد رغد اليمنى و هي تترك ذراعها الأيسر... و
تقترب شيئا فشيئا من يدي ، و تلتحم بها
!

أظنها كانت للشعور ببعض الأمان ، فقد كان المكان موحشا ،
عدا عن الذكريات الأليمة التي يثيرها
...

تركت يدي أسيرة يديها حتى بلغنا الباب الداخلي ، و أردت
استخدام يدي في فتح الباب ، إلا أنها لم تطلق سراحها ...

بيدي الأخرى فتحت القفل و الباب ، و خطوت الخطوة الأولى
نحو الداخل ... وظلت يدي اليسرى مسحوبة إلى الوراء ، مربوطة بيد رغد ...

كان المنزل غارقا في الظلام ... مددت يدي نحو الجدار
متحسسا المكابس ، حتى أضأت المصباح ... و لحسن الحظ ، بل للعجب ، كان يعمل ... !

الإنارة سمحت لنا برؤية ذرات الغبار التي تغطي الأرضية
الرخامية عند المدخل...

شددت ُ يدي اليسرى و معها شددت ُ صغيرتي نحو الداخل و
أنا أقول :

" ادخلن
... "

رغد خطت خطوة نحو الداخل و أخذت تدور برأسها في المكان
... و تشد ضغطها على يدي ، و على صدرها من فرط التأثر...

إن قضيت الوقت في وصف المنزل فإنني لن أنتهي ...

لكن ... و إن تجاهلت وصفي للمنزل و ذكرياته ، فهل أجسر
على تجاهل وصف تعبيرات رغد ؟؟

إنها وقفت على مقربة من الدرج ... و هي لا تزال ممسكة
بيدي ، و قالت :


" يا إلهي ... إنه بيتنا ! لم يتغيّر يا وليد ! أنا
أذكره ! "

ثم قفزت الدموع من عينيها فجأة ...

أتذكرين يا رغد ؟؟

أتذكرين هذا المنزل ، الذي تربينا فيه سوية ؟؟

أتذكرين حين كنت أحملك على كتفي و أجول بك أرجاء المنزل
، و أنت تضحكين بفرح ؟؟

كم و كم و كم من الذكريات أحمل في صدري ... ذكريات طفلتي
الحبيبة المدللة التي تركتها نائمة على سريرها ذات يوم ، و عدت ُ بعد 8 سنين ، و
لم أجدها ...

ثمان سنين يا رغد ... كان يمكن أن أعيشها معك لحظة بلحظة
يوما بيوم و سنة بسنة ... قضيتها هناك في السجن ... برفقة المجرمين المذنبين ،
أُضرب و أهان و يُكسر أنفي ، و آكل الطعام الرديء الممزوج بالحشرات ، و أنام على
سرير خشبي قاس و وسادة أشبه بالحجر ، بينما أنت في حضن شقيقي ... تنعمين بالحب و
الرفاهية !


آه يا رغد
...
آه ثم آه ثم آه ...

قطع سيل الذكريات صوت أروى قائلة :

" أين غرف النوم ؟ أود أن أستلقي فأنا مرهقة جدا "

طبعا ، جميعنا مصابون بالإرهاق بعد سفر طويل و شاق ...

قلت
"

" في الأعلى "

وهممت بالصعود ...

كلما صعدت ٌ خطوة تصاعدت الدماء إلى وجهي ، و تزايدت
نبضات قلبي ، و كلما أنرت مصباحا تفجرت ذكريات أخرى في رأسي ... حتى إذا ما بلغت
الردهة الرئيسية ... شعرت ُ بمفاصلي تتساقط أرضا من هول ما أنا فيه ...

وجها لوجه ، أمام البابين المتجاورين ... لغرفتي أنا و
غرفة رغد ...

وجها لوجه ، و على بعد خطوات معدودة من بؤرة الذكريات ...

لهذا الحد و توقفت كل شيء عن الحركة من حولي ... و تجمّد
الكون ... و تصلّبت الأشياء ...

وخز قوي شعرت به أخيرا في راحة يدي ، سببه ضغط أظافر رغد
الشديد على يدي ...

هنا ...التفت إليها ... رأيت نهرا من الدموع ينساب من
بين رموشها ... و على شفتيها كلمة لا تكاد تنطلق ...

" غرفتي ! غرفتي يا وليد ! "

حاولت تحريك يدي ، و تقريب ميدالية المفاتيح من عيني
لاختيار المفتاح المناسب ، ألا أن رعشة قوية سرت ببدني .. جعلت الميدالية تنزلق من
بين أصابعي و تسقط أرضا ، محدثة رنينا تخلخل عظامي و زلزلها ....

وقفت متسمرا في مكاني عاجزا عن الانثناء و التقاط
المفاتيح



رغد تحرّكت و التقطت المفاتيح بنفسها و مدّت يدها إلي ...

تحشرج صوتي عن كلمة :

" افتحيه "

لا أعرف كيف ظهرت حروفها !

نظرت رغد إلي بتردد ، ثم التفتت نحو باب غرفتها ، و
تقدّمت خطوة ... و بدأت تجرّب المفاتيح
...

و أخيرا انفتح القفل ... و حركت رغد الباب للأمام قليلا
، بتردد

كانت الغرفة غاطة في السبات العميق المظلم ، منذ تسع
سنين !

لم تتحرك رغد ، بل توقفت في مكانها لا تملك من الشجاعة
ما يكفي لأن تدخل

أما أنا ، فقد أصاب ركبتي تصلب حاد عجزت معه تحريك أي
منهما

" أنا خائفة ! "

قالت ذلك رغد و هي تلتفت نحوي ...

" لا تقلقي ! لا يوجد أشباح ! "

قلت ذلك ، و أنا أرتجف خوفا من أشباح الماضي ...

و لما رأيت في عينيها التردد ... أجبرت قدمي على السير
للأمام ... و وقفت إلى جانبها مباشرة ... أمام الباب

دفعت ُ به بهدوء حتى فتحته ... و أنا مغمض العينين !

من سأرى في الداخل ؟؟ لابد أنها طفلتي الصغيرة الحبيبة ،
نائمة على سريرها ... كالملاك !

فتحت عيني ... كانت الغرفة تسبح في الظلام ... مددت يدي
و أضأت المصباح ... و أخيرا ... رأيت كل شيء ...

و آه مما رأيت ...

هناك ... إلى اليمين ، ترقد سرير رغد القديم ، تماما كما
تركته منذ سنين ...

لقد كنت أنا من وضع السرير في مكانه ، كما رتّبت أثاث
الغرفة بنفسي ...

شمعت شهقة ضعيفة انطلقت من صدر رغد ... الواقفة إلى
جواري

لكنني لم التفت إليها ... لقد كنت مأخوذا بسحر الذكرى
الماضية ...

تقدّمت نحو سرير رغد ... أجر قدمي ّ جرا ... حتى إذا ما
بلغته انثنيت عليه و أخذت أتحسسه
...

طافت بي الذكرى ... و تخيلت رؤية رغد نائمة هناك ... و
هيء لي أنني لمست شعرها الناعم ... و أحسست بأنفاسها القصيرة ... شعرت بجسمها
الضئيل يتحرك !

" رغد صغيرتي ! "

انطلق الاسم من لساني عفويا ... كما انطلقت عبرة حارقة
من مقلتي ...

يا للأيام
!

بعد كل هذه السنين ... أعود إليك !

داهمتني رغبة جنونية في أن أحتضن السرير برمته ... في أن
أطوّقه بذراعي ... في أن أقبّل دعائمه
...

" هل كانت هذه غرفتك يا رغد ؟ "

كان هذا صوت أروى ، أيقظني من سبات الذكريات ، فهو صوت
لم أعتد على سماعه في هذا البيت
!

" نعم
"

أجابت رغد و هي تتقدم نحوي ...

التفت إليها فإذا بي أراها تحدّق في شيء ما و هي تقول :

" وليد
! "

التفت إلى ذلك الشيء ، فإذا به ورقة صغيرة ... ملصقة بالجدار
بشريط لاصق ، مرسوم عليها صورة لشخص ما ، و قد امتد خط طويل تحت أنفه !

إنها الصورة التي رسمتها لي رغد عندما كنا هنا ، قبل زمن !

و هذا الخط الطويل ... هو ( الشارب ) الذي تخيلته ينبت
لي ، عندما أكبر !


مددت ُ يدي و انتزعت الورقة و نظرت إليها مليا ...

رباه ! ألا تزال هذه الصورة حيّة حتى الآن !

نظرت إلى رغد ... أعساها تذكرها ؟؟

سمعتها تقول
:

" تشبهك ! أليس كذلك ؟ "

و تبتسم
!

رفعت يدي إلى شاربي أتحسسه ، ثم قلت :

" إلى حد ما ! "

ثم نظرت إليها ...

و تعرفون ما حصل ؟؟

انفجرنا ضاحكين ...

ذلك الضحك الذي أعاد الحياة فجأة إلى بيت ميّت منذ سنين ....

بدت الأجواء الآن أكثر حيوية ، و جالت رغد في غرفتها
بمرح تتحسس الأشياء من حولها و تنفض يديها من الغبار !

" لا شيء تغيّر وليد ! "

" لا شيء ! "

سوى أن تسع سنوات قد أضيفت إلى عمرك ِ و منعتني من أن
أحملك ِ على ذراعي و أدور بك في الغرفة كما كنت أفعل سابقا !


" دعنا نرى غرفتك ! "

قالت ذلك رغد فالتفت ّ إلى الباب ، و حينها فقط تذكرت أن
أروى و أمها كانتا موجودتين معنا
!

بعد ذلك ، فتحت ُ باب غرفتي الملاصقة لغرفة رغد و ما إن
أضأت المصباح حتى وقعت عيني مباشرة على ذلك الشيء المجعّد الملقى هناك عند تلك
الزاوية !

التفت إلى رغد ... أتراها رأته ؟ أتراها تذكّرته ؟؟
أتراها تذكر الأمنيات التي ... حبستها فيه قبل 11 عام أو يزيد ؟؟

لكن رغد لم يبد ُ عليها أنها انتبهت لوجوده ، و هو محشور
عند تلك الزاوية ...


تسللت رغد إلى الداخل و جالت ببصرها في أنحاء الغرفة
جولة سريعة ثم وضعت يديها على وجهها و تنهّدت ...

" يا إلهي !! "

و عندما رفعت يديها ، كانت الدموع قد بللتهما

مسحت دموعها و أعادت تأمل الغرفة ، ثم قالت :

" لقد منعتني أمي من دخولها بعد رحيلك ! لا أصدق
أنني دخلتها مجددا ! "

ثم التفتت فجأة ناحية الباب و قالت :

" لقد تركت ُ رسالة هاهنا ! "

قلت :

" نعم . لقد رأيتها ! لم أكن لأصل إليكم لولاها يا
رغد ! شكرا لك ! "

و كانت رغد قد كتبت رسالة وضعتها أسفل الباب ، تذكر فيها
انتقالهم إلى المدينة الصناعية ، و اكتشفت أنا وجودها ليلة عودتي إلى المنزل ، بعد
خروجي من السجن ، العام الماضي
!


رغد عادت تتأمل الغرفة إلا أنها لم تلمح ذلك الصندوق ...

و يبدو أنه لم يكن ليخطر لها على بال ...

بل و ربما لم تعد تذكره ...

و هذا ، جعلني أتألم كثيرا ... و كنت سأنبهها إليه لولا
أن الخالة ليندا قالت لحظتها :

" أضنانا التعب يا بني ، أرنا أين يمكننا المبيت ؟ "

قالت رغد مباشرة :

" أنا سأنام في غرفتي ! "

و رُتّب الأمر بحيث أنام أنا في غرفتي ، و ورغد في
غرفتها ، و أروى و الخالة في الصالة
...

كان التعب قد نال منا ما نال ، للدرجة التي ، و رغم كل ما
أثارته الذكريات من الآلام ، نمت ُ فيها بسرعة ...

أظن أنني كنت أحلم بشيء ما ... و أظنه كان شيئا جميلا
... و أظن أن رغد كانت هي مضمون حلمي
...

فجأة سمعت نقرا على الباب ... استويت جالسا و أخذت أحدق
في الظلام من حولي ... تذكّرت أنني أنام على سريري في منزلي القديم ... لم أصّدق أنها
الحقيقة ... النقر كان يصل أذني ... أستطيع أن أسمعه جيدا ... إنه ليس بالحلم ...
و حين أنهض ... و أفتح الباب ... سوف لن أجد خيال رغد الطفلة الصغيرة ... و أسمعها
تقول ...

" وليد أنا خائفة ! دعني أنام معك ! "

تقدّمت نحو الباب و دقات قلبي تتسارع ...

أحقا ستظهر رغد ؟

أ أنت ِ خلف الباب يا رغد ؟

أعدت ِ للظهور كما في السابق ؟

هل رجع الزمن للوراء ... فقط تسع سنين ؟ ...

أمسكت بمقبض الباب ... و أدرتها ...

و أنا أنظر إلى الأسفل ... إلى حيث أتوقع أن أجد عيني
صغيرتي الخائفة ...

يا رب ... حقق حلمي و لو لحظة واحدة ...

و لو لمرة أخيرة ... أرى فيها صغيرتي الحبيبة و آخذها
إلي ...


فتحت الباب ... فوقعت عيناي على اليد التي كانت تطرق
الباب ...

رفعتها للأعلى قليلا ... فإذا بي أرى وجها كالذي تمنيت
رؤيته ...

أغمضت عيني برهة و عدت أحدق بعينيها

أأنا أحلم ؟ أم هذه حقيقة ؟؟

" رغد
!!! "

همست بصوت لم أكد أن أسمعه ...

ارتفعت يد رغد قرب عنقها ، و تنهّد صدرها ثم سمعتها تقول :

" وليد ... أنا خائفة ... ابقني قربك ! "








descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 74

more_horiz



وقفت غير مصدّق لما أرى... متوهما أنه الحلم الذي لطالما
راودني منذ سنين...

لكن... بالتأكيد فإن الشيء الذي يقف أمامي هذه اللحظة
... يضم ذراعيه إلى بعضهما البعض ... و يقشعر بدنه إن خوفا و بردا ... هذا الشيء
الملفوف في السواد ... هو بالتأكيد كائن بشري ...
و ليس أي كائن ...
تحديدا هي رغد !


" وليد ... أنا خائفة ! أبقني معك "


لا أعرف من الذي حرّك يدي ، نحو مكبس المصباح ، و أناره ...
هل يمكن أن أكون قد فعلت ذلك بلا وعي ؟؟

الإنارة القوية المفاجئة أزعجت بؤبؤي عيني ، فأغمضت
جفوني بسرعة

و من ثم فتحتها ببطء...

رأيت وجه رغد بعينيها المتورمتين الحمراوين ، و اللتين
تدلان على طول البكاء و مرارته
...



" رغد ... أأنت على ما يرام صغيرتي ؟؟ "

" أنا أشعر بالخوف ... وليد ... المكان موحش و ...
ويثير الذكريات ... المؤلمة !
"

و سرعان ما انخرطت رغد في بكاء أجش بصوت مبحوح ...

" حسنا... عزيزتي يكفي ... لا تبكي صغيرتي ...
تعالي اجلسي هنا "


و أشرت إلى مقعد بالجوار ، فجلست رغد عليه ... و بقيت
واقفا برهة ... ثم جلست على طرف سريري
...

كنت في منتهى التعب و الإرهاق و أشعر برغبة ملحة جدا في
النوم... لابد أن رأسي سيهوي على السرير فجأة و أغط في النوم دون شعور !


نظرت إلى الفتاة الجالسة على مقربة جاهلا ما يتوجب علي
فعله !

سألتها
:

" صغيرتي ... ألا تشعرين بالنعاس ؟ ألست ِ متعبة ؟ "

" بلى ... لكن ... لا أشعر بالطمأنينة ! لا أستطيع
النوم ... أنا خائفة ! "

و رفعت يدها إلى صدرها كمن يريد تهدئة أنفاسه المرعوبة

قلت :


" لا تخشي شيئا صغيرتي ... ما دمت ُ معك "

و لا أدري من أين و لا كيف خرجت هذه الجملة في مثل هذا
الوقت و الحال !
و هل كنت أعنيها أم لا ... و هل كنت جديرا بها أم لا !

لكن فتاتي ابتسمت !

ثم تنهدت تنهيدة عميقة جدا

ثم أسندت رأسها إلى المقعد و أرخت ذراعيها إلى جانبيها
...ا و أغمضت عينيها !


و أظن ... و الله الأعلم ... أنها نامت !


" رغد ! ... رغد ؟ "


فتحت رغد عينيها ببطء و نظرت إلي ...


" إنك بحاجة للنوم ! "


ردت ، بشيء لا يتوافق و سؤالي البسيط :


" غرفتك لم تتغير أبدا وليد ! كم أنا سعيدة بالعودة
إليها ! "

و أخذت تدور بعينيها في الغرفة ...

كان الهدوء الشديد يسيطر على الأجواء ... فالوقت متأخر
... و العالم يغط في الظلام و السبات
...

قالت و هي تشير إلى موضع في الغرفة :


" كان سريري هنا سابقا ! هل تذكر يا وليد ؟ "


ثم وقفت و سارت نحو الموضع الذي كان سرير رغد الصغير
يستلقي فيه لسنين ... قبل زمن
...

قالت
:

" و أنت كنت تقرأ القصص الجميلة لي ! كم كنت أحب
قصصك كثيرا جدا يا وليد ! ليت الزمن يعود للوراء ... و لو لحظة ! "


عندها وقفت أنا ... و قد استفقت فجأة من نعاسي الثقيل
... و قفزت إلى قمة اليقظة و الصحوة ... و كأن نهرا من الماء البارد قد صب فوق
رأسي ...


التفتت إلي ّ صغيرتي و قالت :


" كنت ... كنت أحتفظ بالقصص التي اشتريتها لي في
بيتنا الثاني ... لكن ... أحرقتها النيران ! "

و آلمتني ... جملتها كثيرا ...

رجعت بي الذكرى إلى البيت المحترق ... فإذا بالنار تشتعل
في معدتي ...

أضافت رغد بصوت أخف و أشجى :

" تماما كما احترقت الصورة ... "

" رغد
... "



إنه ليس بالوقت المناسب لاسترجاع ذكريات كهذه ... أرجوك
... كفى !

نظرت من حولها ثم قالت :

" لا تزال كتبك منثورة ! أتذكر ... ؟ كنت تستعد
للذهاب إلى الجامعة لإجراء امتحان ما ! أليس كذلك ؟؟ أليس هذا ما أخبرتني به ؟؟
أتذكر ؟؟ "


لا أريد أن أتذكّر !

أرجوك أيتها الذكرى .. توقفي عند هذا الحد ..

أرجوك
...

لا تعودي إلى ذلك اليوم المشؤوم ...

لو كان باستطاعتي حذفه نهائيا ... لو كنت ُ ... ؟؟؟


كنت ُ أريد الهروب السريع من تلك الذكرى اللعينة ...
لكنها كانت تقترب ... و تقترب أكثر فأكثر ... حتى صارت أمامي مباشرة ...

عينان تحدّقان بعيني بقوة ... تقيّدان أنظاري رغم عني ...

عينان أستطيع اختراقهما إلى ما بعدهما ...

خلف تينك العينين ، تختبئ أمر الذكريات و أبشعها ...

أرجوك يا رغد
...

لا تنظري إلي هكذا ...

لا ترمني بهذه السهام الموجعة ...

لم لا تعودين للنوم ؟؟


" وليد
... "

" إه ... نعم ... صـ ... غيرتي ؟؟ "

" لماذا ... لم تخبرني بالحقيقة ؟ "

قلت بصوت متهدرج :

" أي ... أي حقيقة ؟ "

" إنك ... قتلته ! "




آه
...

آه
...

إنه فأس يقع على هامتي ...

لقد فلقتها يا رغد ...

ما عدت قادرا على الوقوف ...

نصفاي سينهاران ...

أرجوك كفى
...



" وليد ... لماذا لم تخبرني ؟؟ أنا يا وليد ...
أنا... لم أدرك شيئا ... كنت ُ صغيرة ... و خائفة حد الموت ... لا أذكر ما فعلتَ به ...
و لا ...
و لا أذكر ... ما فعله بي ! "


عند هذه اللحظة ... و فجأة ... و دون شعور مني و لا
إدراك ... مددت يدي بعنف نحو رغد و انقضضت على ذراعيها بقوّة ... بكل قوّة ...


انتفضت فتاتي بين يدي هلعا ... و حملقت بي بفزع ...

لابد أن قبضتي كانتا مؤلمتين جدا آنذاك ، و لابد أنها
كانت خائفة ...

خرجت هذه الجملة من لساني كالصاروخ في قوّة اندفاعها ...
مخلفة خلفها سحابة غبار هائلة تسد الأنوف و تكتم الأنفاس ... و تخنق الأفئدة ...


كررت ُ بجنون
:

" ماذا فعل بك يا رغد ؟؟ ...
حتى... حتى لو كان قد ... لامس طرف حزامك فقط ... بأطراف
أظافره القذرة ... كنت سأقتله بكل تأكيد ... بكل تأكيد ..."


فجأة رفعت رغد يديها و غطّت وجهها ... و هي تطلق صيحة
قصيرة ...

كانت قبضتا يدي ّ لا تزالان تطبقان على ذراعيها بعنف ...
و بنفس العنف انقضتا فجأة على يديها ... و أبعدتهما بسرعة عن وجهها ، فيما عيناي
تحملقان بعينيها بقوة ....



صرخت ُ
:

" ماذا فعل بك ؟؟ "



كانت رغد تنظر إلي ّ بذعر ...

نعم إنه الذعر ...

أشبه بالذعر الذي قرأته في عينيها ذلك اليوم ...


تملّصت رغد من بين يدي و ابتعدت بسرعة ، و اتجهت نحو
المقعد الذي كانت تجلس عليه قبل قليل ... و ارتمت عليه ... و هتفت :

" لا أريد أن أذكر ذلك ... لا أريد ... لا أريد "

و عادت لإخفاء وجهها خلف كفيّها .

دارت بي الدنيا آنذاك و شعرت برغبة شديدة في تمزيق أي
شيء ... أي أي شيء !

التفت يمنة و يسرة في اضطراب باحثا عن ضحية تمزيقي ... و
بعض زخات العرق تنحدر من جبيني بينما أشعر باختناق ... و كأن تجويف حنجرتي لم يعد
يكفي لتلقي كمية الهواء المهولة و الممزوجة بذلك الغبار و التي يرغمها صدري الشاهق
على الاندفاع إليه ...


تحركت خطوة في كل اتجاه ... و بلا اتجاه ...

بعثرت نظراتي في كل صوب ... و بلا هدف ...

و أخيرا وقع بصري على شيء مختبئ عند إحدى زوايا الغرفة ...
يصلح للتمزيق
!


توجهت إلى ذلك الشيء ، و التقطته عن الأرض ... تأمّلته
برهة ... و استدرت نحو رغد ...


إنه صندوق الأماني القديم ... الذي جمع أمنيات صغرنا منذ
13 عاما !

ها قد آن أخيرا ... أوان استخراج الأماني ...

و لم علينا الاحتفاظ بها مخبأة أطول ما دامت الأقدار ...
أبت تحقيقها ؟

على الأقل ... أمنياتي أنا ...

يجب أن يتمزّق أخيرا ....

و الآن يا رغد ... جاء دورك !


" رغد
"

ناديتها فلم تستجب مباشرة . اقتربت منها أكثر فأكثر حتى
صرت ُ أمامها مباشرة

هي جالسة على المقعد مطأطئة الرأس ... تداري الدموع

و أنا واقف كشجرة بلا جذور في انتظار اللحظة التي تهب
فيها الرياح ، فتقلعها ...

" رغد ... أتذكرين هذا ؟ "

و ازدردت ريقي ...

إنها اللحظة التي لطالما انتظرتها ... سنين و سنين و
سنين ، و أنا أتوق شوقا و أحترق لهفة لمعرفة أمنيتك يا رغد ...

رفعت رغد رأسها و أخذت تنظر إلى الشيء المحمول بين يدي ...

نظرت إليه نظرة مطوّلة ... ثم اتسعت حدقتا عينيها و
انفغر فاها و شهقت شهقة مذهولة !

إذن ، فأنت تذكرينه ؟؟

إنه صندوق أمانيك يا رغد ... أيتها الطفلة العزيزة ...
أنا صنعته لك منذ 13 عاما ... في ذلك اليوم الجميل ... حين قدمت ِ إلي ّ منفعلة و أنت ِ
تحملين كتابك الصغير و تهتفين :

" وليد ... وليد اصنع لي صندوقا "

تحركت عينا رغد من على الصندوق إلى عيني ّ ...

كانت آخر دمعة لا تزال معلقة على رموشها ، في حيرة ....
أ تنحدر أم تتراجع ؟؟

شفتاها الآن تحركتا و رسمتا ما يشبه الابتسامة المترددة ...

و أخيرا نطق لسانها :


" صندوقي !! "

ثم هتفت متفاجئة :

" صندوقي ! أوه ... إنه صندوقي ! "

و هبّت واقفة و التقطته من بين يدي !


" يا إلهي ! "

قلت :

" أتذكرينه ؟ "

رفعت عينيها عن الصندوق مجددا و قالت بانفعال :

" نعم ! أذكره ! إنه صندوق الأماني "

قالت ذلك و هي تؤشر بإصبعها على كلمة (( صندوق الأماني
)) المكتوبة على الصندوق الورقي
...

ثم أخذت تقلّبه ، و من ثم عبس وجهها فجأة و نظرت إلي ّ
بحدّة و وجس :


" هل ... فتحته ؟؟ "

" ماذا ؟ "

" فتحتَه ؟؟ "


إنه سؤال بسيط ! و عادي جدا ! أليس كذلك ؟؟

و لكن ... لم لم أستوعبه ؟؟ و لم تطلّب مني الأمر كل هذا
التركيز و الجهد البليغين حتى أفهمه ؟؟

هل فتحته ؟؟

أوتسألين ؟؟

رغد !

ألم أقطع لك العهد بألا أفتحه دون علمك ؟؟

أتشكين في أنني ... قد أخون عهدي معك ذات يوم ؟

ألا تعرفين ما سببه لي و ما زال يسببه لي صندوق أمانيك
هذا مذ صنعته و حتى اليوم ؟؟

هل تعتقدين إنه اختفى من حياتي بمجرّد أن علّقته هناك
فوق رف المكتبة ؟؟

إنه لم يكن في الحياة ... صندوق أهم من صندوقك !


قلت :

" لا ... مستحيل ! "

أخذت تقلّبه في يدها ثم نظرت إلي بتساؤل :

" ماذا حدث له إذن ؟ "


إن كنتم قد نسيتم فأذكركم بأنني ذات مرّة و من فرط يأسي
و حزني جعّدت الصندوق في قبضتي
...

قلت :

" إنه الزمن ! "

من الصندوق ، إلى عيني ّ إلى أنفي ، ثم إلى عيني ،
انتقلت نظرات الصغيرة قبل أن تقول
:

" إذن الزمن ... لا يحب أن تبقى الأشياء مستقيمة ! "

" عفوا ؟؟ "

ابتسمت رغد و قالت :

" أليس الزمن هو أيضا من عقف أنفك ؟ "

رفعتُ سبابتي اليمنى و لامست أنفي المعقوف ... و عندها
تذكّرت ُ أنني عندما التقيت برغد أول مرّة بعد خروجي من السجن ، سألتني عما حدث
لأنفي فأجبتها :

( إنه الزمن
! )

" نعم ! إنه الزمن ... "

و صمتّ قليلا ثم واصلت :

" ألن تفتحيه ؟ "

و كنت في قمة الشوق لأن أستخرج سر رغد الدفين و أعرف ...
من هو ذلك ( الصبي ) الذي كانت تتمنى الزواج منه عندما تكبر ؟؟

نظرت إليها بنفاذ صبر ... هيا يا رغد ! افتحيه أرجوك !
أو اسمحي لي و أنا سأمزقه فورا ... و افضح مكنونه !

لكن رغد أومأت برأسها سلبا ...

كررت ُ السؤال :

" ألن تفتحيه ؟ "

" لا
! "

" لم ؟ ألا تتوقين لمعرفة ما بالداخل ؟ بعد كل هذه
السنين ؟؟ "

" لا
! "

و طأطأت برأسها ... و قد علت خديها حمرة مفاجئة ... ما
زادني فضولا فوق فضول لمعرفة ما تحويه
!

قلت :

" هل ... تذكرين ... أمنيتك ؟ "

لم ترفع رأسها بل أجابت بإيماءة بسيطة موجبة .

" مادام الأمر كذلك ... فما الجدوى في إبقائها داخل
الصندوق ؟ "

رفعت رغد أخيرا نظرها إلي و قالت :

" لأنها لم تتحقق بعد "

شعرت بنبضات قلبي تتوقف برهة ، ثم تندفع بسرعة جنونية
...و تخترق قدمي ّ و تصطدم بالأرض
!

و استطردت ْ، و قد بدا الجد و الإصرار على ملامح وجهها
فجأة :


" و سأعمل على تحقيقها من كل بد ... و بأي وسيلة
... و مهما كان الثمن "


و أضافت و هي تلوح بسبابتها نحوي و تحد من صوتها أكثر :


" ... و لن أسمح لأي شيء باعتراض طريقي "




الكلمات التي خرجت بحدّة من لسان رغد ، مقرونة بالنظرة
القوية و اللهجة الجدية ، و المليئة بمعاني التحدّي ، جعلت تلك النبضات تقفز من
باطن الأرض ، و تعود أدراجها متخللة قدمي ّ المرتجفتين ، و تضرب قلبي بعنف ...
محدثة تصدّع خطير ...


اعتقد ... أنني أنا ( الشيء ) الذي لن تسمح له باعتراض
طريقها ... و أعتقد أن اسم ( حسام ) مكتوب على قصاصة قديمة مختبئة داخل هذا
الصندوق ... و اعتقد أنني أتلقى الآن تهديدا من حبيبة قلبي ... بألا أعترض طريق
زواجها من الرجل الذي تمنت الارتباط به منذ الصغر ...

غضبي ثار ... نعم ثار ...

لازالت تنظر إلي ّ بتحد ...

حسنا يا رغد
...

قبلت ُ التحدي ...

قلت :

" و أنا أيضا لم أحقق أمنيتي بعد "

و بحدّة أضفت
:

" و سأعمل على تحقيقها مهما كلّفني ذلك ... و أي
شيء يعترض طريقي ... "

و صمت ّ برهة ، ثم أضفت :

" سأقتله ! "


و سحبت الصندوق من يدها بغتة ، و أكّدت :

" إنه حلمي ... و الموت وحده ما قد يحول دون نيله
... عدا عن هذا يا رغد ... عدا عن الموت ... فإنني لن أسمح لأي شيء بأن يبعده عنّي ... لن
أتخلى عن حلمي أبدا ... إنه دائما أمامي ... و قريبا ... سيصبح بين يدي ... و لي
وحدي ... "


لم أشعر بمدى قوة الضغط الذي كنت أمارسه على ذلك الصندوق
الورقي المخنوق في قبضتي ، حتى أطلقت رغد صيحة اعتراض

كانت تنظر إلى الصندوق برثاء ... و مدّت يدها لتخلّصه
منّي ... إلا أنني سحبت يدي بعيدا عنها ... ثم سرت ُ مبتعدا ... و اتجهت إلى
مكتبتي و وضعت الصندوق المخنوق في نفس الموضع الذي كان يقف فيه قبل سنين ...


و حين استدرت ُ إلى رغد رأيتها تراقبني بنظرات اعتراض
غاضبة .

قلت بتحدٍَ أكبر :


" سنرى من منّا سيحقق أمنيته ! "



descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
وحسام كمان ربنا يستر على باقى الرجاله فى الروايه

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
انتو الاتنين هتحققوا امنيتكم
جزء جميل
بشكرك على الاجزاء الجديدة الجميله

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
الحلم بيتحقق فى ثوانى
الى بعده

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
ياترى اروى هتعمل ايه

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
الرجاله بس والستات كمان وحياتك

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
devil devil devil pirat pirat pirat انا نفسى افهم مقالهاش ليه انه بيحبها بس انا مبسوطه ان اروى سمعت رغد يارب تتغاظ

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
حلو اوى يارب يفتحه بقى

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
حلو قربنا مستنين الباقى

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
حلو قربنا مستنين الباقى

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
مش قلتلكم حسام ده هينوبه من الحب جانب وليد لازم يخلى الرجاله اللى فى الروايه ياخذوا نصيبهم من لكمياته

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
بس اكيد النهايه قربت ولو انى مش حاسس

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
اخيرا رجعم لصندوق الامانى بس حاسس انه مش هيفتحه برضه

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
مش بقول مش هيفتحوة
فينك يا اروى تشوفى اللى وليد بيعمله
وصحيح فين سيف صاحبه معتشى ظاهر

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
فين باقى الاجزاء احنا متشوقين اوى

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
m3lsh ya sendrilla hanazel 8 agza2 bass 3ala el sa3a 10 enharda ok giver

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرد: رواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من ( 71 ) الي (80 )

more_horiz
مش مشكله يا قمر giver انا هستنى وهقعد اسمع عبد الحليم لما تنزليهم

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 75

more_horiz

لم أفهم معنى تلك النظرة القوية التي رمقني بها وليد !

كانت أشبه بنظرة تحد و إصرار ... و كانت مرعبة !

و ... في الحقيقة ... جذّابة !

أكاد أجن من هذا الـ وليد ! إن به مغناطيسا قويا جدا يجعل أي شيء يصدر منه ... نظرة ، إشارة ، إيماءة ، حركة ... ضحكة أو حتى صرخة ، أو ربما ركلة ، أي شيء يصدر منه يجذبني !

لا تسخروا منّي !

إنه وسط الليل و أنا شديدة التعب أكثر مما تعتقدون ، لكن الخوف جعلني أطرق باب وليد...



كان واقفا قرب المكتبة ، استدار إلي :

" بعد إذنك "

و ذهب إلى دورة المياه

جلست ُ أنا على المقعد الذي كنت أقف أمامه ، و أسندت رأسي إليه و شعرت بموجة قوية من النعاس تجتاحني ... انتظرت وليد ... لكن تأخر ...


في المرة التالية التي فتحت فيها عيني ّ ... كانت أشعة الشمس تتسلل عبر النافذة و الستار و جفوني !

شعرت بانزعاج شديد فأنا لازلت راغبة في النوم ... لكنني تذكرت فجأة أنني في غرفة وليد في بيتنا القديم ...

فتحت عيني ّ أوسعهما سامحة للضوء باختراق بؤبؤي و استثارة دماغي و إيقاظه بعنف !


مباشرة جلست و نظرت من حولي ...


وليد كان نائما في فراشه !


باب الغرفة كان مفتوحا كما تركته ليلة الأمس ...

نهضت عن مقعدي و شعرت بإعياء في مفاصلي ... ألقيت نظرة على وليد ، و كان يغلف جسده الضخم بالشرشف و بالكاد تظهر إحدى يديه !


عندما خرجت من الغرفة ، توجهت لإلقاء نظرة سريعة على الصالة ، حيث كانت الشقراء و أمها تنامان ...

ما إن ظهرت ُ في الصورة حتى رأين أعين أربع تحدّق بي !

لقد كانتا هناك تجلسان قرب بعضهما البعض ... و تنظران إلي !


" ص... صباح الخير ! "

قلت ذلك ثم ألقيت نظرة على ساعة يدي ، و عدّلت الجملة :

" أو ... مساء الخير "



لم تجب أي منهما مباشرة ... لكن الخالة قالت بعدها :

" مساء الخير . نوم الهناء "


لم أرتح للطريقة التي ردّت بها علي ، و شعرت أن في الأمر شيء ...

قالت أروى :

" مساء الخير. هل نهض ابن عمّك ؟؟ "


تعجّبت من الطريقة التي كلّمتني بها ، و من كلمة ( ابن عمّك ) هذه !

و لم تبد لي نظرتها طبيعية ...

قلت :

" لا ! إنه ... لا يزال نائما ! "



تبادلت الاثنتان النظرات ... وعادتا للصمت...


ذهبت بعدها إلى غرفتي الملاصقة لغرفة وليد ... و عندما خرجت للصالة بعد قرابة النصف ساعة أو يزيد ، رأيت الثلاثة ، وليد و الشقراء و أمها يجلسون سوية في الصالة ...


لا أعرف في أي شيء كانوا يتحدثون ... و بمجرّد أن لمحوني لاذوا بالصمت !

ألا يشعركم ذلك بأنني أنا موضوع حديثهم ؟؟؟

إلى وليد وجهت نظراتي و كلماتي ، بل و حتى خطواتي :

" مساء الخير "

" مساء النور ... "

و جلست ُ على مقربة .

نظرت ُ إلى الأشياء من حولي ، فأنا لم أتأملها البارحة ... الصالة كما تركناها قبل 9 سنين ... حسبما أذكر ، و الغبار يغطي أجزاءها !
قلت :

" سنحتاج وقتا طويلا و جهدا مكثفا لتنظيف كل هذا ! "

أروى قالت معترضة :

" و هل سيكون علينا تنظيف هذا ؟ إننا لن نسكن هنا على أية حال "

استغربت ، و نظرت إلى وليد متسائلة ... و هذا الأخير لم يعقّب !

قلت :

" وليد ... ألن نسكن هنا ؟ "

أجاب :

" سنبقى هنا في الوقت الراهن . لا نعرف كم من الوقت ستستغرق مسألة استلام الإرث . سأستعين بوالد صديقي سيف . آمل أن تسير الأمور بسرعة"

قلت :

" أتعني ... أننا بعد إتمام هذه المهمّة سنعود إلى المزرعة ؟؟ "

تولت الشقراء الرد بسرعة :

" بالطبع ! ماذا تعتقدين إذن ؟؟ سنعود للمزرعة و نجري بعض التعديلات في المنزل ... ثم ... "

و نظرت إلى وليد و قالت مبتسمة :

" نتزوّج ! "

تخيلوا كيف يكون شعور فتاة تسمع أي امرأة أخرى تقول لها :

( سأتزوج حبيبك ) ؟؟

رميت سهام نظراتي الحارقة نحو الشقراء البغيضة ، ثم نحو وليد ... و اجتاحتني رغبة عارمة في تمزيقهما سوية !

أهذا ما يخططان له ؟؟

يستلمان الإرث الضخم ، و يذهبان للمزرعة ليعدا عشهما و يتزوجان !

ماذا عنّي أنا ؟؟

مجرّد هامش زائد لا أهمية له و لا معنى لوجوده ؟

كنت أريد أن أسمع من وليد أي تعليق ، لكنه ظل صامتا شاردا ... ما أثار جنوني ...

مازالت الابتسامة معلقة على شفتي الحسناء الدخيلة ، و هاهي تحرّكهما من جديد و تقول بصوت شديد النعومة :

" فيم شردت ... عزيزي ؟ "

مخاطبة بذلك الرجل الوحيد معنا في الصالة ، و الذي يجلس على مقربة منّي ، و الذي يجري حبّه في عروقي تماما كما تجري دماء قرابتنا ...

وليد قال :

" كنت أفكّر في أن ذهب إلى أحد المطاعم ! لابد أننا جائعون الآن ! "



....................







في الحقيقة كان الطعام هو آخر ما أفكر به ، و لكنه أول ما قفز إلى ذهني عندما تلقيت سؤال أروى و أنا شارد ذلك الوقت ...

و ما حدث هو أننا ذهبنا إلى المطعم ثم إلى السوق و اشترينا بعض الحاجيات و من ثم عدنا إلى المنزل ...

كما و اتصلنا بالعم إلياس و كذلك بأم حسام – تحت إصرار من رغد – و طمأنا الجميع على وصولنا سالمين .

بعدها اتصلت بصديقي القديم و رفيق دراستي و محنتي ... سيف و اتفقت معه على أن يحضر إلى منزلي ليلا .

تعاونا نحن الأربعة في تنظيف غرفة الضيوف قدر الإمكان من أجل استقبال سيف .

حاولت جاهدا أن أتجاهل أي ذكرى تحاول التسلل إلى مخيلتي من جراء رؤيتي لأجزاء المنزل من حولي ... إلا إن هذه الذكرى الأليمة اخترقتني بكل إصرار !

كان ذلك عندما قمنا بنقل بعض قطع السجاد إلى الخارج ... إلى مؤخرة المنزل ، حيث تقع الحديقة الميتة و التي أصبحت مقبرة للحشائش الجافة و مأوى للرمال الصفراء ...

عند إحدى الزوايا ... كانت عدّة الشواء القديمة تجلس بكل صمود ... متحدية الزمن !

لا أعرف لماذا يقشعر بدني كلما رأيت هذه بالذات !
و لم أكن أعرف أن لها نفس التأثير على أي مخلوق إلى أن رأيت رغد ... و التي كانت تحمل السجادة معي تقف فجأة ، و تسند طرف السجادة إلى الأرض ... و تمد يدها اليمنى لتلامس ذراعها الأيسر !


صحيح أنها كانت صغيرة آنذاك ، و لكن حادثة السقوط على الجمر المتقد هي حادثة أقسى على قلب الطفل من أن ينسى آثارها ...

إن أثر الحرق ظل محفورا في ذراعها الأيسر ... و كنت أراه كل يوم فيما مضى !

ترى ...

ألا يزال كما هو ؟؟

وضعنا السجادة الملفوفة قرب أدوات الشواء تلك ، ثم جلسنا فوقها نلتقط أنفاسنا !


" ثقيلة جدا ! أراهن أنهما لن تتمكنا من حمل الأخرى ! "

قالت رغد ذلك ... و كانت أروى الخالة تحملان سجادة ملفوفة أصغر حجما و في طريقهما إلينا

قلت :

" بل ستفعلان ! لا تعرفين كم هما قويتان ! "

و أنا أعرف كيف كانتا تعملان الأعمال الشاقة في المزرعة !

قالت :

" إنهما متشابهتان جدا "

" نعم ... صحيح "

" و جميلتان جدا ! "

استغربت ... لكنني قلت :

" نعم ! صحيح ! "

واصلت رغد :

" و أنت محظوظ جدا ! "

صمت ، و علتني الريبة ! ما الذي تعنيه صغيرتي ؟؟

رمقتها بنظرة استفسار فتطوّعت هي بالإيضاح مباشرة :

" لديك خطيبة جميلة جدا ... و ثرية جدا ! ... سوف تعيشان سعيدين جدا "

و صمتت ثوان ثم استطردت :

" أما أنا ... "

ظهرت أروى و الخالة في مرآنا فالتفتنا إليهما ...

كانتا تجران السجادة بتثاقل ... و سرعان ما هببت ُ أنا لمساعدتهما .

[/justify][/center]

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 76

more_horiz
[center]

تتمه


و في الليل حضر صديقي العزيز سيف و كان لقاؤنا حميما جدا ...
تبادلنا الأخبار ... فعلمت منه أنه رزق طفلا صغيرا !

" دورك يا رجل ! و بما أن أمورك قد استقرت ... فهيا عجّل بالزواج ! "
ابتسمت ُ لدى تعليقه المتفائل ... إن أموري لم تستقر و لم تحل ... بل هي آخذة في التعقد مرة لعد أخرى ... و الآن أنا في حيرة شديدة ... ماذا علي َ أن أفعل ؟؟

شرحت له تفاصيل إرث أبي عمّار ... عم أروى التي هي خطيبتي ، و ابنة صاحبي الذي تعرفت علي في السجن ، بعد قتلي لعمّار ... فبدا الأمر أشبه بخرافة من خرافات الجدات العجائز !

" سبحان الله ! أي قدرة إلهية عجيبة أودت بك إلى هذا الوادي يا وليد ! "

" إنها الأقدار يا صديقي ! "

" إذن ... ستصبح زوج سيدة من أثرى سيدات المنطقة ! سبحان الله ! ها قد ابتسمت ، بل ضحكت لك الدنيا أخيرا يا وليد ! "

و لأن أي من علامات السرور لم تظهر علي ، فإن سيف لاذ بالصمت المفاجئ المتعجّب ...

كانت في صدري عشرات الهموم إلا أنني لم أشأ أن أنفثها في وجه صديقي مذ أول لقاء يجمعنا بعد طول فراق ...

بعد ذلك ، اتفقت مع سيف على ترتيب زيارة رسمية لمكتب المحاماة الذي يملكه والده غدا باكرا ، و اتخاذه محاميا قانونيا لتولي الإجراءات اللازمة بشأن الإرث.

بعد انصرافه ، ذهبت إلى الصالة العلوية حيث يفترض أن يكون الجميع ، فوجدت أروى تتصفح مجلة كانت قد اشترتها عصر اليوم أثناء تسوقنا ، و قد نفشت شعرها الذهبي الطويل على كتفيها بحرية ... بينما الخالة ليندا نائمة على المقعد ، و رغد غير موجودة ...


بادرتني أروى بالسؤال :

" كيف كان اللقاء ؟ "

" حميما و مثمرا ! سأذهب غدا مع سيف إلى مكتب أبيه و هو محام معروف و ماهر ، و سننطلق من هناك ! "

" آمل ألا يطول الأمر ... "

" إنها أمور تطول في العادة يا أروى ! علينا بالصبر "

قالت و هي تضع يدها على صدرها :

" أشعر بالحنين إلى المزرعة ... و إلى خالي ! الجو هنا مغبر و كاتم ... و كئيب جدا يا وليد "

تحركت الخالة ليندا قليلا ... فالتفتنا إليها ثم قالت أروى :

" دعنا نذهب إلى غرفتك كي لا نزعجها "

و هناك ، في غرفتي واصلنا الحديث ... أخبرتها بتفاصيل لقائي بسيف و ما خططنا له . و تشعبت أحاديثنا إلى أمور كثيرة و مر الوقت سريعا دون أن نشعر به !

فجأة ، سمعت طرقا على الباب ...

استنتاجكم صحيح !

العينان الواسعتان ذاتا النظرات الشجية ، حلقتا بعيدا عن عيني ّ و حطّتا على الفتاة الجالسة على السرير داخل الغرفة تعبث بخصلات شعرها الذهبية ...
ابتسمت ُ لصغيرتي ... و قلت :

" مرحبا رغد ! "

رغد لم تنظر إلي ّ، كما لم ترد علي ّ... و رأيت ُ وجهها يحمر !

قلت :

" تفضَلي "

رفعت بصرها إلي و رمتني بسهم ثاقب !

قلت :

" أهناك شيء ؟؟ "

ردّت رغد بجملة مضطربة :

" كنت ... أريد ...
أريد الهاتف ! "

و كررت بنبرة أكثر ثقة :

" أريد هاتفك لبعض الوقت ! هل تعيرني إياه ؟ "

كنت متشككا ، لكنني قلت :

" بكل تأكيد ! "

و أحضرت لها هاتفي المحمول ... و هو وسيلتنا الوحيدة للاتصال ...

تناولته رغد و شكرتني و انصرفت بسرعة ...

عندما استدرت ُ للخلف ، و جدت ُ أروى و قد مدّت رجليها على السرير و استندت على إحدى ذراعيها بينما استخدمت الأخرى في العبث بخصلات شعرها الطويل الأملس !


" حان وقت النوم ! سأنهض غدا باكرا و أريد أن آخذ قسطا كافيا من الراحة "

قلت ذلك معلنا نهاية الجلسة ... فاسحا المجال لأروى للذهاب من حيث أتت.


ساعتان و نصف من التقلب على السرير ... دون أن يجد النوم طريقه إلى إي من جفوني الأربعة ...

ليس ما يقلقني هو إجراءات الإرث تلك ... و لا خططي المستقبلية ... و لا المفاجآت التي يمكن أن تخبئها القدر لي ...

بل هو مخلوق بشري عزيز على نفسي ... يحتل حجرات قلبي الأربعة ... و يتدفق منها مع تدفق الدم ... و يسري في عروقي مع سريانها و ينتشر في خلايا جسدي أجمع ... ثم يعود ليقطن الحجرات الأربع من جديد ...

كائن صغير جدا ... و ضعيف جدا ... و خواف جدا !

و هو لا يشعر بالطمأنينة إذا ما ابتعد عني ... و جاء طلبا لبعض الأمان بقربي ...

لكنه اكتفى بأخذ هاتفي المحمول ... و اختفى خلف هذا الجدار المشترك بين غرفتي و غرفته ...

إنني لو اخترقت الجدار ... سأجده نائما على السرير ... بأمان

أو ربما باكيا خلف الجدار ... في خوف ...

أو جاثيا على الأرض ... في حزن ...

أو ربما ذارعا الغرفة جيئة و ذهابا ... في ألم ...



إنني لا أستطيع أن أنام دون أن أطمئن عليها ! و ستبوء كل محاولاتي بالفشل حتما !

استسلم !

لا تكابر يا وليد !




تسللت من غرفتي بهدوء و أنا أتلفت ذات اليمين و ذات الشمال ... مخافة أن يشعر بي أحد ... و وقفت عند باب غرفة صغيرتي و أمسكت بالمقبض !


كنت على وشك أن أفتحه لو أن عقلي لم يستيقظ و يزجرني بعنف ! أي جنون هذا ؟؟ من تظن نفسك يا وليد ؟؟ كيف تجرؤ ؟؟


عدت مسرعا ...أجر أذيال الخيبة ... و رميت بجسدي المثقل على مرارة الواقع ... و استسلمت لحدود الله....




لم يكن الأمر بالصعوبة التي توقعتها لكنه لم يكن سهلا ! الكثير من الأوراق و الوثائق و التواقيع استغرقت منا ساعات طويلة . و كان يتوجب علي أخذ أروى إلى المحكمة ...


منتصف الظهيرة ، هو الوقت الذي عدت ُ فيه إلى المنزل بعد جهودي السابقة و أنا أحمل وثائق في غاية الأهمية في يد ، و طعام الغذاء في اليد الأخرى !


كيف وجدت أروى و الخالة ؟

وجدتهما منهمكتين في تنظيف المطبخ !


" أوه ! لم تتعبان نفسيكما ! إنه مليء بالغبار ! "

ردّت الخالة :

" و نحن لا نحتمل الغبار و لا نحبه يا ولدي . اعتدنا الجو النقي في المزرعة . على الأقل هكذا سيغدو أفضل "

وضعت كيس الطعام على المائدة المحتلة قلب المطبخ . و نظرت من حولي
كل شيء نظيف و مرتب ! كما كانت والدتي رحمها الله تفعل . شعرت بامتنان شديد لأروى و الخالة و قلت :

" جزاكما الله خيرا . أحسنتما . أنتما بارعيتن ! "

أقبلت أروى نحوي و هي تبتسم و تقول :

" هذا لتعرف أي نوع من النساء قد تزوّجت ! "

فضحكت الخالة و ضحكنا معها ...

في هذه اللحظة دخلت رغد إلى المطبخ .

كان وجهها مكفهرا حزينا ... و بعض الشرر يتطاير من بؤبؤيها !

وجهت حديثها إلي ، و كان صوتها حانقا حادا :

" هل عدت أخيرا ؟ تفضّل . نسيت أن تأخذ هذا "

و دفعت إلي بهاتفي المحمول و الذي كنت قد أعطيتها إياه ليلة الأمس ... و تركته معها فيما رافقت سيف إلى حيث ذهبنا صباحا .


و من ثم غادرت مسرعة و غاضبة ...

أنا و السيدتان الأخريان تبادلنا النظرات ... ثم سألت :

" ما بها ؟ "

فردت أروى بلا مبالاة :

" كالعادة ! غضبت حين علمت أنك خرجت و لم تخبرها ! كانت تنتظر أن توقظها من النوم لتستأذنها قبل الخروج ! "

و لم تعجبني لا الطريقة التي تحدّثت أروى بها ، و لا الحديث الذي قالته .

استدرت قاصدا الخروج و اللحاق برغد ... فنادتني أروى :

" إلى أين ؟ "

التفت إليها مجيبا :

" سأتحدث معها "

بدا استياء غريب و غير معهود على ملامح أروى ... ثم قالت :

" حسنا ... أسرع إلى مدللتك ! لابد أنها واقفة في انتظارك الآن "





...................







عندما أتى إلي ... كنت أشتعل غضبا ...

كنت واقفة في الصالة العلوية أضرب أخماسا بأسداس ...

وليد بدأ الحديث بـ :

" كيف أنت ِ ؟ "

رددت بعنف :

" كيف تراني ؟ "

صمت وليد قليلا ثم قال :

" أراك ... بخير ! "

قلت بعصبية :

" و هل يهمّك ذلك ؟ "

" بالطبع رغد ! أي سؤال هذا ؟؟ "

لم أتمالك نفسي و هتفت بقوّة :

" كذّاب "

تفاجأ وليد من كلمتي القاسية ... و امتقع وجهه ... ثم إنه قال :

" رغد ! ... هل لا أخبرتني ... ما بك ؟؟ "

اندفعت قائلة :

" لو كان يهمك أمري ... ما خرجت و تركتني وحيدة في مكان موحش ! "

" وحيدة ؟ بالله عليك ! لقد كانت أروى و الخالة معك ! "

" لا شأن لي بأي منهما . كيف تجرؤ على الخروج دون إعلامي ! كيف تتركني وحيدة هنا ؟ "

" و أين يمكنني تركك يا رغد إذن ؟؟ "

اشتططت غضبا و قلت :

" إن كان عليك تركي في مكان ما ، فكان أجدر بك تركي في بيت خالتي . مع من أحبهم و يحبونني و يهتمون لأمري ... لماذا أحضرتني معك إلى هنا ؟؟ ما دمت غير قادر على رعايتي كما يجب ؟؟ "



تنهّد وليد بنفاذ صبر ...

ثم قال :

" حسنا.. أنا آسف... لم أشأ أن أوقظك لأخبرك بأني سأخرج . لكن يا رغد ... هذا سيتكرر كثيرا ... ففي كل يوم سأذهب لمتابعة إجراءات استلام إرث أروى ... "


أروى ... أروى ... أروى ...

إنني بت أكره حتى حروف اسمها ...

حينما رأيتها البارحة في غرفة وليد ... و جالسة بذلك الوضع الحر ... على سريره ... و نافشة شعرها بكل أحقية ... و ربما كان وليد يجلس قربها مباشرة قبل أن أفسد عليهما خلوتهما ... حينما أتذكر ذلك ... أتعرفون كيف أشعر ؟؟؟


نفس شعور الليمونة الصغيرة حينما تعصر قهرا بين الأصابع !


أشحت بوجهي عن وليد ... و أوليته ظهري ... أردته أن ينصرف ... فأنا حانقة عليه جدا و سأنفجر فيما لو بقي معي دقيقة أخرى بعد ...

وليد للأسف لم ينصرف ... بل اقترب أكثر و قال مغيرا الحديث :

" لقد أحضرت طعام الغداء من أحد المطاعم . هلمّي بنا لنتناوله "

قلت بعصبية :

" لا أريد ! اذهب و استمتع بوجبتك مع خطيبتك الغالية و أمها "

" رغد ! "

التفت ّ إلى وليد الآن و صرخت :

" حل عنّي يا وليد الآن ... أرجوك "

و هنا شاهدت أروى مقبلة نحونا... عندما لمح وليد نظراتي تبتعد إلى ما ورائه ، استدار فشاهد أروى مقبلة ....

و أروى ، طبعا بكل بساطة تتجول في المنزل بحرية و بلا قيود ... أو حجاب مثلي !

قالت :

" رتبنا المائدة ! هيا للغداء "

التفت إلي وليد و قال :

" هيا صغيرتي ... أعدك بألا يتكرر ذلك ثانية "

صرخت بغضب :

" كذّاب "

حقيقة ... كنت منزعجة حد الجنون ... !

على غير توقّع ، فوجئنا بأروى تقول :

" كيف تجرؤين ! ألا تحترمين ولي أمرك ؟ كيف تصرخين بوجهه و تشتمينه هكذا ؟ أنت ِ فتاة سيئة الأخلاق "

صعقت للجملة التي تفوهت بها أروى ، بل إن وليد نفسه كان مصعوقا ...

قال بدهشة :

" أروى !! ما الذي تقولينه ؟؟ "

أروى نظرت إلى وليد بانزعاج و ضيق صدر و قالت :

" نعم يا وليد ألا ترى كيف تخاطبك ؟ إنها لا تحترمك رغم كل ما تفعل لأجلها ! و لا تحترم أحدا ... و لا أنا لا أسمح لأحد بأن يهين خطيبي العزيز مهما كان "

قالت هذا ... ثم التفتت إلي ّ أنا و تابعت :

" يجب أن تقفي عند حدّك يا رغد ... و تتخلي عن أفعالك المراهقة السخيفة هذه ... و تعرفي كيف تعاملين رجلا مسؤولا يكرّس جهوده ليكون أبا حنونا لفتاة متدللة لا تقدّر جهود الآخرين ! "

" أروى ! "

هتف وليد بانفعال ... و هو يحدّق بها ... فرّدت :

" الحقيقة يا عزيزي ... كما ندركها جميعا ... "

التفت وليد نحوي ... ربما ليقرأ ملامح وجهي بعد هذه الصدمة ... أو ربّما ... ليظهر أمام عيني هاتفه المحمول في يده ... و أنقض عليه بدون شعور ... و أرفعه في يدي لأقصى حد ... و أرميه بكل قوّتي و عنفي ... نحو ذلك الوجه الجميل الأشقر .... !

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 77

more_horiz
[center]

لم يكن للضربة التي تلقيتها بيدي في آخر لحظة أي أثر على وجهي أو يدي... لكن أثرها كان غزيرا غائرا في قلبي و مشاعري...
ليس فقط لأنني اكتشفت مدى الكره الذي تكنّه رغد لي، بل و لأنني اكتشفت أن وليد متساهل معها لأقصى حد ... بل و بلا حدود ...
و فوق كونها فتاة مراهقة شديدة التدلل و الغنج، و قليلة التفكير في مشاعر الآخرين و ظروفهم، و فوق فرضها لوجودها و احتلالها مساحة كبيرة جدا من اهتمام وليد و مسؤوليته، و فوق كرهها لي و غيرتها الواضحة مني، فوق كل هذا و هذا، رغد تحب خطيبي !

إنني و مذ سمعتها تلك الليلة... تهمس له – و هو نائم في السيارة –

( وليد قلبي )

و أنا في حالة عصيبة و رغما عني بدأت أراقب كل تصرفاتها و أترجم كل أفعالها على أنها ولع بوليد !

فكيف أصحو ذات صباح، و أذهب إلى غرفة خطيبي فأراها نائمة على المقعد في غرفته ؟؟

يومها أخبرت أمي بكل ما جد... و أطلعتها على اكتشافي... و بكيت بمرارة

إنها و منذ أن ظهرت في حياتي ... قبل عدّة أشهر... منذ تلك الليلة التي حضرت مع وليد و دانة هاربين من القصف ... و هي تشغل اهتمام وليد و تفكيره !

و بالرغم من أنني تعاطفت معها كثيرا ... للظروف المفجعة التي مرّت بها خلال أشهر ... و بالرغم من أنني أحسنت معاملتها و آويتها و أسرتي إلى منزلنا ... و أسكنتها غرفتي كذلك ... و عاملتها و أهلي كفرد منا و حاولنا توفير كل ما احتاجت إليه ... بالرغم من كل ذلك، ها أنا أشعر الآن برغبة قوية في إخراجها من حياتي أنا و وليد ...

وليد خذلني في الموقف الأخير ...

فعوضا عن زجرها أو تأنيبها و ردعها... ما إن هربت إلى غرفتها بعد رميي بهاتفه المحمول حتى حثّ الخطى سيرا خلفها هي !

هتف :

" رغد "

و لم تكترث له فتوقف في منتصف الطرق و ضرب راحته اليسرى بقبضته اليمنى غضبا ...

التفت إلى ّ أخيرا و قال :

" لماذا فعلت ِ ذلك ؟؟ أروى ! ماذا أصابك ؟؟ "

تفاجأت من سؤاله، فعوضا عن أن يقف إلى جانبي و يواسيني أراه غاضبا منّي أنا ! إنني أنا من تلقيت تلك الضربة من رغد ... ألم تر َ ذلك جليا يا وليد ؟؟

قلت :

" ماذا فعلت ُ أنا ؟؟ وليد هل رأيت كيف ضربتني ابنة عمّك ؟؟ أليس لديك شيء تقوله من أجلي ؟؟ "

بدا على وليد العصبية أكثر من ذهول المفاجأة... و ظهر كالمستاء من كلامي أكثر من استيائه من فعلة رغد ...

قلت :

" وليد ... تحدّث ! "

التقط وليد نفسا أو اثنين عميقين ، ثم قال و هو يعود أدراجه نحو قلب الصالة :

" كلماتك كانت قاسية و جارحة "

و أذهلني موقفه أكثر و أكثر . ..

قلت بانزعاج :

" أليست هذه هي الحقيقة يا وليد؟؟ ألست تبالغ جدا في تدليل ابنة عمّك و كأنها اليتيمة الوحيدة على وجه الأرض ؟؟ أنا أيضا يتيمة يا وليد ... ولو كان ابن عمّي عمّار حيا و يرعاني كما ترعى أنت ابنة عمّك، لألصقت جبيني في الأرض سجودا و شكرا لله مدى الحياة ! "

و لا أدري لم استفزّت هذه الجملة وليد بشكل مبالغ به فصرخ بوجهي :

" اسكتي "

اعترتني رغبة مباغتة في البكاء لحظتها فآثرت ُ الانسحاب و هرعت إلى المطبخ ، حيث كانت أمي ترتب الملاعق على مائدة الغذاء

خاصمت ُ وليد للساعات التالية و رفضت الذهاب معه إلى المحكمة كما كان يخطط.. يحق لي أن أغضب حين أرى الموقف البارد من خطيبي ...
و يحق لي أن أطالب رغد باعتذار علني أمام وليد... و سوف لن أتخلى عن هذين الحقين هذه المرّة... و سأجعل رغد تفهم أنني المرأة الأولى في حياة وليد... رغما عن قرابتهما و ذكرياتهما السابقة... و رغما عن أي شعور تحمله هي تجاه خطيبي ... و أيا كان !





........................



لم أكن أدرك أن الشحنات المتضادة بين رغد و أروى قد كبرت و وصلت إلى هذا الحد ...
أروى كانت قد أخبرتني سابقا بأن رغد لا تبدي أي مودة تجاهها و أنها تغار منها !

أتذكرون العدستين الزرقاوين اللتين وضعتهما رغد على عينيها ذلك اليوم؟؟
هل تغار جميع النساء من بعضهن البعض؟ هذه الحقيقة على ما يبدو !

ألا ّ تحب رغد أروى هو أمر متحمل لا استبعده، فهي حسبما اكتشفتُ لا تتأقلم مع الآخرين بسهولة ...
أما أن تظهر من أروى إشارات تدل على عدم حبّها لرغد أو استيائها منها، فهو أمر جديد لم ألحظ أهميته قبل الآن ....

و بسبب الخلاف، اضطررت لتأجيل زيارتنا للمحكمة حتى اليوم التالي

الصغيرة الغاضبة ظلت حبيسة غرفتها طوال الساعات التالية ... و رفضت الاستجابة لنا حين حاولنا التحدث معها...
أما أروى فقضيت فترة لا بأس بها معها أحاول استرضاءها حتى رضت عني !

حتى و إن بذلتُ الجهود القصوى لإخفائه فإن قلقي بشأن رغد كان مصرا على الظهور !

كان ذلك صباح اليوم التالي حين كنا أنا و أروى هامين بالخروج قاصدين المحكمة لإتمام بعض الإجراءات اللازمة. كنت مشغول البال على الصغيرة التي لم أرها منذ الأمس و لا أعرف كيف قضت ليلتها ... لم أكن لأستطيع المغادرة قبل الاطمئنان عليها أو إبلاغها بأنني سأخرج ...
وقفت عند أعلى درجات السلم بينما أروى هبطت درجات ثلاث قبل أن تستدير إلي مستغربة ...

" لم وقفتَ ؟ "

كان القلق مرسوما على وجهي بشكل لا أظن أروى قد أخطأته !
أعتقد إن أحدا لا يحتاج كمية كبيرة من الذكاء ليعرف السبب !

ضيّقت أروى حدقتيها و قالت :

" رغد مجددا ؟؟ "

و بدا الضيق عليها ... فقلت مسرعا :

" لا أريد أن أخرج دون إعلامها و أسبب لها الإزعاج كالأمس ... "

قاطعتني أروى :

" بربّك وليد ! أوه كم تبالغ ! ألا تدرك أنها تفعل ذلك لمجرّد الدلال لا أكثر؟؟ ألا تعرف هي سبب مجيئنا إلى هنا؟ هيا يا وليد دعنا نمضي و ننجز المهمة في أقصر مدة ممكنة و نعود للمزرعة "

علّقت قدمي بين أعلى درجة و الدرجة التي تليها من السلم ... و بقيت برهة مترددا ...

" وليد ! هيا ! "

و عوضا عن الهبوط بقدمي للأسفل رفعتها للأعلى و أنا أتراجع و أهز رأسي استسلاما و أقول :

" يجب أن أطمئن على الصغيرة أولا "

سرتُ نحو غرفة رغد ... و وقفت عند الباب ... تبعتني أروى في صبر نافذ و أخذت تراقبني و قد كتّفت ذراعيها و رمت برأسها نحو اليمين !

قلت :

" أدخلي و اطمئني عليها "

فتحت أروى ذراعيها و رفعت رأسها مندهشة :

" أنا ؟؟ "

" طبعا ! أم يعقل أن أدخل أنا ؟؟ "

و كانت جملة اعتراض تكاد تنطلق من لسان أروى استنكارا و رفضا و لكن نظرة رجاء من عيني جعلتها تتراجع !

أروى تقدّمت نحو الباب و طرقته طرقا خفيفا ثم فتحته و ولجت الغرفة ... و بقيت أنا في الخارج موليا ظهري لفتحة الباب ...

إنه الصباح الجميل !

يكون المرء في قمة النشاط و الحيوية و الإقبال على الحياة ... بأعصاب مسترخية و نفسية مترابطة و مزاج عال !

آخر شيء يتمنى المرء سماعه من مطلع الصباح هو الصراخ !

" أخرجي من غرفتي فورا "


كانت هذه الصيحة التي خلخلت صفو الصباح منطلقة من حنجرة رغد !

أجبرني صوت رغد على الالتفات للوراء ... و أبصرت ُ أروى و هي تتقدم مسرعة خارجة من الغرفة في ثوان ...

كان وجه أروى الأبيض الناصع شديد الاحمرار كحبة طماطم شديدة النضج...

أما التعبيرات المرسومة عليه فكانت مزيجا من الغضب و الحرج و الندم و اللوم !

حين التقت نظراتنا اندفعت قائلة :

" أ يعجبك هذا ؟؟ لم يهنّي أحد بهذا الشكل ! "

تملّكني الغضب آنذاك ... الغضب من رغد ... فتصرفها كان مشينا ... و كنت على وشك أن أدخل الغرفة لكنني انتبهت لنفسي فتوقّفت ... و قلت بحدّة :

" أنت ِ لا تطاقين يا رغد ! "

و التفت إلى أروى و قلت :

" هيا بنا "


الساعات التالية قضيتها و أروى بين المحكمة و مكتب المحاماة و مكاتب أخرى ... نوقع الوثائق الرسمية و نسجّل العقود و خلافها ...
و بفضل من الله تذللت المصاعب لنا كثيرا ... و أنهينا المهمة...

و بالرغم من ذلك قضينا ساعات النهار حتى زالت الشمس خارج المنزل

بعد ذلك عدنا للمنزل و تناولنا وجبة غذائنا، أنا و أروى و الخالة ليندا.

لا !

لا تعتقدوا أنني نسيت رغد !

إنني غاضب من تصرّفها لكنني قلق بشأنها ... و انتهزتُ أول فرصة سانحة حين غابت أروى بضع دقائق و سألت ُ الخالة ليندا :

" ماذا عن رغد ؟ هل رأيتها ؟ "

" لا أظنها غادرت غرفتها يا بني "

توتّرت ... قلت :

" هل مررت ِ بها ؟ "

" فعلت ُ ذلك و لكن ... لم تتجاوب معي فتراجعت "

غيّرت ُ نبرة صوتي حتّى صارت أقرب إلى الرجاء و قلت :

" هل لا فعلت ِ ذلك الآن يا خالتي ؟ لا بد أنها جائعة ... خذي لها بعض الطعام "

و ابتسمت الخالة و شرعت في تنفيذ الأمر و عادت بعد قليل تحمل الطعام و تقول :

" تقول أنها ستأكل حينما ترغب بذلك "


هممت ُ أنا بالنهوض للذهاب إليها إلا أن الخالة أومأت إلي بألا أفعل ... ثم قالت :

" ليس الآن ... "

و ركزت نظراتها علي و أضافت :

" بني يا وليد... الفتاة بحاجة إلى خالتها... أعدها إليها يرحمك الله"

تعجبتُ ... و قلتُ مسائلا :

" لم تقولين ذلك يا خالتي ؟ "

أجابت :

" أرحها يا بني ... إنها صغيرة و قد عانت الكثير... افهمْ يا وليد أنها بحاجة إلى أم... و هو شيء... لا يمكنك َ أنت مهما فعلت... تقديمه"

و هزت رأسها تأكيدا ... ثم انصرفت ...

أما أنا فبقيت أفكّر في كلماتها لوقت طويل ...

ألم أعد أصلح ... أما لك ِ يا رغد ؟؟



الساعة الحادية عشر مساء ...
كنا أنا و أروى ساهرين نخطط لمستقبلنا و نناقش مستجدات حياتنا و نرسم خطوط الغد ...

" ستتولى أنتَ كل شيء يا وليد ! كل ما هو لي سيكون بين يديك و تحت إشرافك ! "

" لا أعرف يا أروى ما أقول ... الثروة كبيرة جدا ... و علينا أن نكون حذرين ! أمامنا الكثير لنفعله "

كنت أشعر بالقلق ... فثروة أروى ضخمة جدا ... و ليس من السهل أن ينتقل أحدهم من حياة الفلاحة البسيطة فجأة إلى حياة الثراء الفاحش !
لا أعرف ما الذي يتوجب علينا فعله بكل تلك المبالغ المهولة التي تركها أبو عمّار ...

لدى ذكر اسم عمّار ... قفز إلى بالي شيء كنت متقاض ٍ عنه حتى الآن ...

أروى ... لا تعرف حتى الآن أن خطيبها هو الشخص الذي قتل ابن عمّها الذي ستتمتع بثروته ... !

لا أعلم لم َ لم ْ يأت ِ ذكر ٌ لهذه الحقيقة حتى الآن ... لم أتخيّل نفسي أخبرها بأن الـ ( حيوان ) الذي قتله ذات مرّة، و بسببه قضيت الـ (ثمان) سنوات من عمري في السجن و أضعت مستقبلي ... هو عمّار !

عمار ... ابن عمها الوحيد ...

شردت في هذه الفكرة الطارئة ... فلحظت أروى شرودي المفاجئ ...
رفعت يدها إلى رأسي و أخذت تطرق بسبابتها على صدغي بخفة و تبتسم و هي تقول :

" ما الذي يدور في رأس حبيبي الآن ؟؟ "

أدركت أنها لم تكن باللحظة المناسبة لأفجّر مفاجأة من هذا النوع، في وجه أروى الباسمة ...

كانت ... فرحة جدا و تحلم بالمستقبل المشرق و تفكر بما سنفعله في المزرعة ...

و كم هي طيبة و عفوية ...
إنها وضعت ثروتها كلها بين يدي ّ !

ابتسمت ُ و قلت :

" علينا أن نتوقّف عن التفكير و نأوي للنوم ! لقد أرهقنا دماغينا بما يكفي لهذا اليوم "

ابتسمت و هي تحرّك يدها هبوطا من رأسي إلى كتفي إلى يدي فتشد عليها و تقول :

" لم أكن لأعرف كيف أتصرف لو لم تكن معي يا وليد ... الله بعثك لي حتّى تقود أموري إلى الطريق الصحيح ... حمدا لك يا رب "

و زادت ضغطها على يدي و خففت صوتها و أضافت :

" و شكرا لك ... يا حبيبي "


كانت تسير بدلال و هي تبتعد عني مقتربة من الباب ... فتحته و استدارت تلقي علي نظرة أخيرة باسمة ، فلوّحت ُ لها بيدي و البسمة لا تفارق شفتي ّ ...

و استدارت لتخرج ... وقفت برهة ... ثم عادت و استدارت نحوي !
لكن ... هذه النظرة لم تكن باسمة ! بل كانت متفاجئة !

بعثرتُ الابتسامة التي كانت معلّقة على شفتي و علتني الحيرة !
كنت سأسألها ( ماذا هناك ) إلا أنها عادت و استدارت نحو الخارج ...

حثثت ُ الخطى نحوها و من خلال فتحة الباب أمكنني رؤية ما أجفل أروى

كتاب الله المقدّس ... مصحف شريف ... مضموم ٌ بقوة إلى صدر شاهق لفتاة ملفوفة بالسواد ... تقف على مقربة من الباب ... في حال يخبر الناظر إلى عينيها بمدى الرعب الذي يكتسحها ...

ما إن ظهرت ُ أنا في الصورة حتى استقبلتني عينا رغد استقبالا حارقا ...

شعرت بقلبي يهوي تحت قدمي ّ ... هتفتُ بصوت مخنوق :

" رغد ... !! "

تبادلنا أنا و أروى النظرات المستغربة ...

تخطيت أروى مقتربا من رغد و أنا شديد القلق ... قلت :

" ما بك ؟؟ "

و لو تعلمون ... كم عضضت على أسناني ندما و غضبا من نفسي آنذاك...
لو تعلمون ... كم كرهت نفسي ... و تمنيت لو أن زلزالا قد شق الأرض و ابتلعني فورا ...

صغيرتي ... قالت ... بصوت متهدرج و بكلمات متقطعة مبعثرة ... و بنبرة يأس و قنوط شديدين ... كالنبرة التي يطلقها الجاني و هو يستشعر حبل المشنقة يلف حول عنقه ... قبل الموت... :

" ألم ... تخبرك ... أمي ... أمك ... بأن لدي ... خوف ... رهبة مرضية ... من الغربة و الغرباء ...؟ يمكنك أن تغضب منّي ... تتشاجر معي ... تخاصمني... لكن... لا تدعني وحدي... المكان موحش... أنا لا أحتمل ... لا تفعل هذا بي يا وليد ... "

إنه حبل الوريد ...

ذاك الذي شعرت به يتقطّع فجأة بخنجر حاد مسنن ...
تألّمت ألما كدت ُ معه أن ألطم خدّيّ و أجدع أنفي ... و أقتلع عينَيّ ... لولا أن شللا ما قد ألم ّ بعضلاتي و أعاق حركاتي ...

متسمّرا في مكاني ... كالباب الذي أقف جواره ... طويلا عريضا جامدا أتأرجح في الهواء لو أن دفعة بسيطة من طرف إصبع ما قد سُدّدت إلي ّ

لمّا لاحظت أروى صمتي و سكوني الغير متناسبين و الحال، نظرت إلي ّ باستغراب ...

أحسست بيدي تمتد باتجاه رغد ... و بأصابعي تنثني ... و بشبه كلمة يائسة واهنة تتدحرج من لساني ...

" تعالي ... "

رغد نظرت إلى يدي المشيرة إليها... ثم إلى أروى الواقفة جواري ... ثم إلي ّ ... و ترددت ...

هززت رأسي مشجعا إياها ... و أخيرا تقدّمت نحوي ...

تنحّت أروى جانبا فاسحة المجال للصغيرة لدخول الغرفة... كانت رغد تسير ببطء و تردد وهي محتضنة المصحف الشريف إلى صدرها المرعوب ... و رأسها مطأطئ إلى الأرض ...

عندما دخلت الغرفة، أشرت ُ إلها أن تجلس على المقعد المجاور للباب، ذاك الذي نامت فوقه أول ليلة ...

كعصفور جريح ضعيف و مرعوب ... جلست صغيرتي على المقعد تجاهد الدموع لئلا تنحدر على خديها الكئيبين ...

" هل أنتِ على ما يرام ؟ "

سألتها و أنا شديد القلق عليها و الغضب من نفسي ... لم َ كنت ُ قاسيا على صغيرتي لهذا الحد ؟؟ كيف تركتها دون رعاية ... و دون حتى طمأنة وحيدة منذ الأمس ؟؟ كيف استطاع قلبي تحمّل ذلك ؟؟

" رغد صغيرتي أأنت ِ بخير ؟؟ "

عندما رفعت رغد بصرها و نظرت إلي ّ ... قتلتني !

" لا تفعل هذا بي يا وليد ! إن لم تكن تطقني ... فأعدني إلى خالتي... و لا تدعني أموت ذعرا وحيدة... أنا لم أجبرك على إحضاري إلى هنا... أنت من أرغمني ..."

صحت ُ بسرعة :

" كلا يا رغد ! ليس الأمر هكذا... أنا... أنا آسف عزيزتي لم أقصد شيئا "

استرسلت رغد :

" أعرف أنني لا أطاق ... لكن أمي كانت تعتني بي جيدا... و تحبّني كثيرا... و تتحمّلني بصدر رحب... لم أشعر بالذعر و أنا قريبة منها ... لم تكن لتسمح للذعر بمداهمتي ...كم كنت آمنة و مرتاحة في حضنها ! "

و غطّت وجهها بالمصحف و جعلت تبكي ...
جثوت ُ بدوري قربها و كدت ُ أبكي لبكائها ...

" يكفي يا رغد ... أرجوك ... سامحيني ... لم أقصد تركك وحيدة ... أنا آسف ... "

أزاحت الصغيرة المصحف عن وجهها و نظرت إلي نظرة ملؤها الذعر ... ملؤها العتاب ... ملؤها الضعف ... ملؤها الحاجة للأمان ... ملؤها سهام ثقبت بؤبؤي عيني ّ و أعمتني عن الرؤية ...

" أريد أمّي ! "

نطقت رغد بهذه الجملة التي جعلت ذراعيّ تخرّان أرضا...

" أريد أمّي ... لا أحد ... سيهتم بي مثلها ! ... الله يعلم ذلك ... اسأله أن يعيدها إلي ّ ... أو يأخذني إليها ... "

صحت :

" كفى يا رغد أرجوك "

صاحت :

" أريد أمّي ... ألا تفهم ؟؟ أريد أمّي ... أريد أمّي ... أريد أمّي ... "

لا إراديا مددت يدي ّ فأمسكت بيديها بقوّة و أنا أقول :

" كفى يا رغد ... كفى ! كفى "

انفجرت رغد قائلة بانفعال شديد :

" كأنّك لا تعرف ما حدث لي؟ أنت السبب ! بقيتُ أكتم السر في صدري كل هذه السنين ... و يعصف الذعر بقلبي الصغير ... و لا أجرؤ على البوح بما حصل أو حتّى تذكّره ... و أنتَ بعيد لا تعرف ماذا أصابني و ما حلّ بي! ألا تعرف أنني مريضة يا وليد؟ ألا تعرف ذلك؟ ألا تعرف ذلك ؟ "

اعتصرني الألم و قلت متوسلا:

" يكفي يا رغد ... أرجوك توقفي ... لا تزيدي من عذابي كفى ... كفى ... كفى ... "

كنت أستطيع الإحساس بالرجفة تسري بيدي رغد ...

التفت صوب أورى التي كانت قابعة مكانها عند الباب و قلت :

" هل لا أحضرت ِ بعض الماء ؟ "

تأملتنا أروى لبرهة في عجب، ثم امتثلت للطلب ...

كنت لا أزال ممسكا بيدي رغد حينما عادت أروى بقارورة الماء الصغيرة... تناولتها منها ... و أخذت المصحف و قرأت ُ بضع آيات ... ثم دفعت بالقارورة نحو رغد :

" اشربي صغيرتي "

بنفس الرجفة تناولت رغد القارورة الصغيرة من يدي و قرّبت عنقها إلى شفتيها ... و عدت ُ بأنظاري نحو كتاب الله و واصلت ُ تلاوة الآيات و أنا لا أزال جاثيا على الأرض أمام رغد مباشرة ...

كنت أستمع إلى أنفاسها القوية... و التي بدأت تهدأ شيئا فشيئا ... حتى إذا ما اختفت عن مسمعي رفعت بصري نحو الصغيرة فرأيتها تنظر إلي ّ

" هل أنت ِ أفضل الآن ؟ "

هزّت رأسها إيجابا ... فتنهّدت ُ بارتياح ... و قبّلت كتاب الله و وضعته جانبا ...

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 78

more_horiz

" الحمد لله "

قلتها مبتسما في وجه الصغيرة المذعورة ... فتنهّدت هي بدورها ...

" رغد ... أنا آسف يا صغيرتي ... أرجوك ِ اغفري لي هذه المرّة ... و أعدك ... بل أقسم لك برب هذا الكتاب المقدّس ... بألا أكررها ثانية ما امتدت بي الحياة ... "

رغد رفعت يدها اعتراضا و قالت :

" لا ... لا داع لأن تقسم على شيء ليس من واجبك القيام به ... يجب أن ... تعيش حياتك الطبيعية ... "

و التفتت نحو أروى ثم إلي و أضافت :

" بعيدا عمّن لا يطاقون ... "

قلت مستغربا :

" رغد ؟؟ "

قالت :

" فقط ... أعدني إلى خالتي ... و سوف لن ... أزعجك بعد ذلك مطلقا ! "

استثارتني جملتها هذه و كدت ُ أثور ... إلا أنني تمالكت نفسي ... فهي ليست باللحظة المناسبة على الإطلاق ...

قلت :

" اهدئي أنت الآن فقط ... و لا تفكّري في أي شيء ... "

نظرت إلي الآن برجاء و قالت :

" لا تتركني وحيدة يا وليد ... أرجوك "

قلت بسرعة :

" ثقي بأنني لن أكررها ... أنا معك صغيرتي فاطمئني "


ربّما الموقف كان غريبا ... ربما يحق لأروى نظرات الاستنكار التي رمقتني بها في صمت ... لكن ... كيف كنتم تنتظرون منّي أن أتصرّف و أنا أرى صغيرتي تصاب بنوبة ذعر ... بهذا الشكل ؟

إنني لا أعرف كم من الوقت ظلّت واقفة خلف الباب ... ترتجف في خوف ... إلى أن فتحته أروى و اكتشفت وجودها ...

إن لم أكن لأقدّم مجرّد الشعور بالأمان لهذه اليتيمة المذعورة ... في هذا البيت الموحش المليء بالذكريات المؤلمة ... إن لم أستطع تقديم الأمان على الأقل ... فما الجدوى من وجودي حيا على وجه الأرض ؟؟

و كطفلة صغيرة ... أعدت ُ صغيرتي إلى سريرها و بقيت جالسا بالقرب منها أتلو المزيد من كلام الله ... حتى نامت...

تركت ُ باب غرفتها نصف مغلق و عدت ُ إلى غرفتي و تهالكت ُ على السرير ... كانت أروى آنذاك جالسة على ذات المقعد المجاور للباب ... و حينما رأتني أمدد أطرافي الأربعة نحو زوايا السرير بتأوّه أقبلت نحوي ...

" وليد "

كنت التفت إليها فرأت التعب ينبع من مقلتي ...

" إذن ... فهي مريضة بالفعل ... كما توقّعت ! "

أغمضت ُ عيني متألما لهذه الحقيقة ...

قالت أروى :

" لقد ... لاحظت ُ عليها بعض التصرفات الغريبة في المزرعة ! سبق و أن أخبرتك بذلك يا وليد ! لكنك لم تعلمني بأنها مريضة بالفعل "

قلت :

" لديها نوع من الرهبة... تنتابها حالات من الذعر إذا شعرت بالوحدة و الغربة ... إنه مرض أصابها منذ الطفولة... لكني لم أعلم به إلا العام الماضي"

" يؤسفني ذلك يا وليد "

نظرت إلى عيني أروى فوجدت ُ فيهما الكثير من العطف و التعاطف ... فبادلتها بنظرة ملؤها الرجاء و الأمل :

" أروى ... أرجوك ِ ... أوقفي دائرة الخلاف بينكما عن الاتساع "

لم تجب أروى مباشرة ... ثم قالت :

" أنا لا أتعمّد فعل شيء لكنها ... إنها ... "

قاطعتها قائلا :

" إنها وحيدة بيننا يا أروى ... أرجوك اكسبي صداقتها "

و أيضا صمتت برهة و كأنها تفكّر في أمر عالق بذهنها ثم قالت :

" ألا ترى ... أن عودتها إلى خالتها ستريحها يا وليد ؟ "

قلت بسرعة حدّة :

" كلا "

" لكن "

قاطعتها قائلا :

" لأريحها سأفعل أي شيء آخر ... عدا عن إبعادها عن رعايتي "

" وليد ! "

تنهّدت و قلت :

" تصبحين على خير يا أروى ... أريد أن أنام "



انسحبت أروى من الغرفة و عند الباب وقفت لإطفاء المصباح و لما همّت بإغلاق الباب من بعدها قلت :

" اتركيه مفتوحا ... "

فلا أريد لصغيرتي أن تأتيني أي ساعة محتاجة للأمان ... ثم تجد بابي مغلقا دونها ....


في صباح اليوم التالي وجدت صغيرتي مستيقظة و بادية على وجهها الصغير أمارات التعب ...

" هل نمت جيدا ؟ "

سألتها فهزت رأسها سلبا ...

أخبرتها بعد ذلك بأنني ذاهب إلى مكتب المحامي و للعجب ... قالت :

" خذني معك "
و من أجل عيني رغد كان علي أنا و أمي كذلك الذهاب مع وليد حيثما ذهب !
شعرت بالحماقة ... و لكنني لم استطع إلا مجاراة هذه الصغيرة المدللة ...
في البداية ذهبنا إلى مكتب المحامي أبي سيف الذي سار بسيارته إلى جوارنا ... ثم إلى مكتبين آخرين ... كان وليد يبقينا في السيارة و يرافق المحامي ، ثم يعود إلينا و يذكر المكان التالي و ينطلق نحوه !

في وقت انتظارنا كنا أنا و أمي نتبادل الأحاديث، بينما رغد لائذة بالصمت المغدق ! لم أتعمّد مخاطبتها فأنا لم أنس بعد كيف رمت بالهاتف صوب وجهي و لا كيف طردتني من غرفتها ذاك الصباح ... إلا إنني أشعر الآن بشفقة عليها لا أدرك ما مصدرها !

عاد و ليد و قال :

" سنذهب إلى مكتب إدارة المصنع الآن ! قد يطول مكوثنا هناك ... أأعيدكن إلى البيت ؟ "

و استدار إلى الوراء موجها نظراته و كذا سؤاله إلى رغد !

رغد قالت :

" سنبقى معك "

لا أدري أي متعة تجدها هذه الفتاة في البقاء حبيسة السيارة في انتظار عودة وليد ! وددت أن أعترض إلا أن مبادرة وليد بتشغيل السيارة و من ثم اللحاق بسيارة المحامي جعلتني ألتزم الصمت ...

حين وصلنا إلى المكان المنشود أصابتني الدهشة !

كان مبنى كبيرا مؤلف من عدّة طوابق ... حديث الطراز و يبدو فاخرا !
قال وليد و هو يركن السيارة في أحد المواقف و يبتسم :

" هنا إدارة مصنعك ِ يا أروى ! هذا المبنى كلّه ملكك ! "

دهشت، و ابتسمت في آن واحد ... و راودتني رغبة في إلقاء نظرة شاملة
قلت – و أنا أمد يدي إلى مقبض باب السيارة و افتحه - :

" سألقي نظرة "

و خارج السيارة وقفت أنا و تبعني وليد و جعلت أتأمل المبنى الضخم الذي يفترض أن يكون ملكي !

قلت :

" كل هذا ... لي !؟ "

ابتسم وليد و قال :

" هذا لا شيء ! حين ترين المصنع ستفاجئين ! ... هنيئا لك ! "

شعرت ببهجة كبيرة اجتاحت قلبي ... قلت :

" أتمنى أن أراه من الداخل ! "

فكر وليد قليلا و تردد فقلت :

" ألستُ أنا المالكة ؟ ألا يمكنني إلقاء نظرة سريعة على ممتلكاتي ؟ أرجوك وليد ! "

ابتسم وليد و قال :

" لا أعرف إن كان هناك سيدات في الداخل... ! لم يسبق لي الدخول و لكن ... لا بأس إن كانت هذه رغبتك ! "

فرحت كثيرا و أمسكت بيد خطيبي في امتنان ...

ما الذي سيجعلني أشعر بسعادة أكثر من هذه ؟؟ لدي خطيب رائع يقف إلى جواري ... و أمامي مبنى ضخم هو ملكي و جزء من ثروتي ... لا شك أنني هذه اللحظة أسعد الناس

الحمد لله

وليد أشار على أمي و رغد أن تنزلا ... ثم لحقنا نحن الأربعة بالمحامي و وجدنا في استقبالنا أناس آخرون، رافقونا داخل المبنى إلى المكان المنشود !

و المكان المنشود كان المكتب الرئيسي للمبنى ... مكتب المدير !

ما إن دخلنا حتى وجدنا أناس آخرون في استقبالنا ... أظنهم دهشوا لدى رؤيتنا نحن الثلاث – أنا و أمي و رغد – نسير خلف الموكب ! لكن ذلك لم يمنعهم من الترحيب بنا عامة ...

دُعينا للجلوس في مكان جانبي ... بعيدا عن الآخرين ...

فيما كنّا نعبر الغرفة شاقات طريقنا نحو المقاعد، كانت عيناي لا تتوقفان عن التجول و النظر إلى كل ما حولي ... في دهشة و إعجاب !

كم كان مكتبا فخما و راقيا ! كل أثاثه يشير إلى مدى البذخ الذي كان عمّي رحمه الله يعيش فيه !

استقرّت عيناي أخيرا على الحائط خلف المكتب مباشرة ...

هناك عُلقت صورتان كبيرتان جدا لرجل كهل و شاب صغير... في إطارين أسودين !
إنهما عمّي و ابنه الراحلان، رحمهما الله !

توقّفت برهة أتأمّل الصورتين ... لهذين الشخصين اللذين ما عرفتهما يوما في حياتي ... و ها هي ثروتهما الضخمة تصبح فجأة بين يدي !

" سبحان الله ... أتصدّق يا وليد ؟ "

قلت ذلك و التفت إلى وليد متوقعة منه أن يكرر التسبيح ... و يمنحني ابتسامة عذبة و مطمئنة من شفتيه ... لكن ... لم يبد على وليد أنه سمع شيئا مما قلت ...
وليد كان يحدّق تجاه الصورتين بحدّة و تعبيرات وجهه غاضبة و مكفهرّة

عجبا ! لماذا ينظر وليد إلى هاتين الصورتين بهذا الشكل ؟؟

" وليد ...؟؟ "

رمقني وليد بنظرة غريبة و مخيفة ... و عاد يدقق النظر تجاه الصورتين

أليس هذا غريبا ؟؟

انتظروا... هذا لا شيء أمام ما حصل بعد ذلك !


" عمّار !! "


تصوروا ممن خرجت هذه الكلمة أشبه بالصيحة المباغتة ؟؟

من رغد !

التفت إلى رغد لأتأكد من أن أذني لم تكن تتخيل ... فرأيت رغد تحدّق هي الأخرى تجاه الصورتين و قد علا وجهها الذعر !

و الآن ماذا ؟؟

رغد تلتفت إلى وليد بسرعة ... ثم إلى الصورة ... و تشير بإصبعها نحو صورة عمّار ابن عمّي ... و تعود للهتاف :

" عمّار !! "

ثم تلتفت إلى وليد و تقول بذعر :

" إنه هو ! أليس كذلك ؟ هو ... هو "

وليد يحدّق برغد الآن ... و مزيج من الغضب و التوتر و القلق و تعبيرات أخرى أجهل تفسيرها بادية على وجهه جاعلة منه جمرة ملتهبة !

رغد ألقت علي نظرة سريعة ، ثم على الصورتين ، ثم على وليد الذي كان لا يزال يحدّق بها ... و هتفت :

" وليد ! "

وليد اقترب من رغد و قال :

" أجل ... إنهما عم أروى و ابنه "

بدا الذهول الفظيع على وجه رغد ... و كأنها اكتشفت أمرا خطيرا لم تكن تعرفه ! أما الذهول الذي على وجهي أنا هو لأنني لم أكتشف بعد ماذا يدور من حولي ؟!

رغد أمسكت بذراع وليد و هتفت :

" أخرجني من هنا ! "

تحوّلت نظرات وليد إلى القلق و الخوف الفاضحين و فتح فمه و لكن ما خرج منه كان النفَس خال ٍ من أي كلام !

" أخرجني من هنا بسرعة ... أخرجني فورا "

قالت ذلك رغد و ضعت يدها الأخرى على صدغيها كمن يعاني من صداع شديد... !

" رغد "

ناداها وليد بصوت حنون قلق فلما رفعت بصرها إليه ... مالت بنظراتها نحو الحائط فأغمضت عينيها بسرعة و أخفتهما خلف يدها و صاحت :

" أرجوك.. "

من فوره وليد حثّها على السير متراجعين نحو الباب ... و كانت لا تزال متشبثة بذراعه ... و خاطبنا قائلا :

" هيا بنا "

أنا و أمي و لأننا لم نفهم أي شيء ... تبادلنا النظرات المستغربة المذهولة... و لحقنا بوليد و رغد على عجل ... وسط أنظار الاستغراب من الأشخاص الآخرين !

إن في الأمر سر ما !
ما عساه يكون ؟؟؟
رغد بين يدي منهارة و مرتبكة...
و أنا مذهول و مأخوذ بالدهشة ... إن من رؤية وجه عمار الخسيس يبتسم تلك الابتسامة الحقيرة ... و التي تستفز حتى أتفه ذرات النفور في جسدي ... أو من تأثّر رغد بالصورة ... و الذعر الذي علاها ... و الذي يؤكد أنها لا تزال تذكر وجه عمّار ... بعد كل تلك السنين
و كيف لوجه مجرم كهذا أن يُنسى ؟؟

طفلتي الصغيرة لا تزال تحتفظ في ذكرياتها بصورة للشاب الحقير الذي تجرأ على اختطافها ذات يوم ...

ذلك اليوم الذي غير مجرى حياتي ... و حياتها كذلك ...

فتحت باب السيارة الأمامي الأيمن و جعلتها تدخل و تجلس عليه ... و جلست من ثم إلى جوارها ... كانت لا تزال في نوبة المفاجأة و النفور ...

وصلني صوت أروى – و التي جلست خلفي – تقول :

" ماذا هناك ؟؟ "

لم أجب

" وليد ما الأمر ؟ "

قلت بغضب :

" الزمي الصمت يا أروى رجاء ً "

قالت ليندا :

" أخبرانا ما الخطب "

قلت:

" الصمت رجاء "

و أدرت مفتاح السيارة في ذات اللحظة التي ظهر فيها أبو سيف و هو يقول :

" ما المشكلة ؟ "

أخرجت رأسي عبر النافذة و أجبته :

" لنؤجل الأمر للغد "

و انطلقت بالسيارة عائدا إلى المنزل ...

كنت أرى رغد و هي تضع يدها على صدغيها و يعبّر وجهها عن الألم بين الفينة و الأخرى ... فأدرك أنها الذكريات تعود إلى رأسها و تعصرها ألما... فأدوس على مكابح السيارة غيظا ...

عندما وصلنا إلى المنزل أوت رغد إلى غرفتها مباشرة ... هممت باللحاق بها فاستوقفني سؤال أروى :

" ماذا هناك يا وليد ؟ هل لا شرحت لي ؟ "

قلت بسرعة :

" فيما بعد "

و تابعت طريقي إلى غرفة رغد ...

كان الباب مغلقا، طرقته و ناديت رغد فأجابت :

" نعم ؟ "

و كان صوتها متحشرجا مخنوقا ...

قلت :

" أيمكنني الدخول ؟ "

أجابت :

" ماذا تريد ؟ "

قلت :

" أن نتحدّث قليلا "

" دعني و شأني "

آلمني ردها هذا فعدت أقول :

" أريد أن أحدثك يا رغد ... أيكنني الدخول ؟ "

و لم تجب

عدت أسأل :

" أأستطيع أن أدخل يا رغد ؟ أرجوك ؟ "

و لكنها أيضا لم تجب ...

أرجوك يا رغد لا تزيدي عذابا فوق عذابي ...
أخذت أطرق الباب و أناديها حتى قالت أخيرا

" دعني بمفردي يا وليد "

استدرت ُ للخلف في يأس ... فوجدت أروى تراقبني عن بعد ... و لابد أن عشرات الأسئلة تدور في رأسها ... كما تدور عشرات بل مئات الذكريات المريرة في رأسي و تفقده أي قدرة على التفكير السليم ...

استدرت ُ نحو الباب مجددا و قلت مخاطبا رغد :

" لا لن أدعك بمفردك يا رغد ! سأدخل "

و حرّكت مقبض الباب ببطء ... و دفعت الباب قليلا للأمام ...

قلت :

" سأدخل رغد ! "

و لما لم تجب ... واصلت فتح الباب ببطء ... و سمحت لصريره أن يتذبذب في أذني ّ طويلا ...

على سريرها كانت صغيرتي تجلس و عيناها موجهتان نحوي ...

تقدمت خطى نحوها و أنا أقول :

" أيمكنني أن أدخل ؟ "

و أعرف أنني في الداخل و أنني سأدخل من كل بد !

قلت :

" أنا آسف ! "

طأطأت رغد رأسها هاربة من نظراتي...

اقتربت منها أكثر و أكثر و قلت :

" أأنت ِ بخير ؟ "

و استطعت أن أرى دمعة تهوي من عينها لتبلل يديها المضمومتين فوق ركبتيها ...

اقتربت أكثر و أكثر حتى صرب جوارها مباشرة ... و قلت بصوت حنون أجش :

" لم أجد داعيا يدفعني لأن ... أخبرك ... بأن أروى هي ابنة عم عمّار.... و أن الثروة التي حصلت عليها كانت ... لعمّار و أبيه "

رغد رفعت نظرها إلي و صرخت :

" لا تذكر اسمه أمامي "

جفلت ... أخذني الذهول ... و ابتلعت لساني ... رغد رمقتني بنظرة عميقة غصت في جوفها فغرقت ... و لاطمتني أمواج الأفكار و الهواجس ... و لم أدر ِ أين كنت و متى كنت ... و على أية حال قد كنت ...

تعود للإمساك برأسها كمن يحاول جاهدا منع الذكريات من الظهور فيه ...
تتلاعب بي الأفكار و التخيلات حتّى تثير جنوني...
ماذا حصل؟ ماذا لم يحصل؟
أجيبيني يا رغد ...؟؟
و لم تزد حيرتي إلا حيرة ...

بعد صمت قصير طويل في آن معا ...

قلت :

" حسنا يا رغد...
بعد دخولي إلى السجن، تعرّفت إلى نديم، والد أروى رحمه الله... و قد ساعدني كثيرا و أحببته محبة خالصة في الله.. و قبل موته أوصاني بعائلته خيرا... و لم يكن يعرف ... أنني ... "

و لم أكمل، استدرت للخلف لأتأكد من أن أروى على مبعدة و لا تسمعنا... ثم اقتربت من رغد أكثر و أضفت ُ هامسا :

" أنني أنا من قتل ... ذلك الوغد "

بدا التفهم على تعبيرات وجه رغد فقلت ُ مترددا و مخفضا صوتي حد الهمس بل حد السكون :

" وهذا... ما لا تعرفه أروى أيضا "

و تنهّدت بمرارة و حيرة و أضفت :

" و ما أخشى عواقبه ... "

شعرتُ بشيء يسيطر على فكري فجأة... تبدلت تعبيرات وجهي إلى الجدية و الحزم... و تطايرت سهام شريرة من عيني... و شعرت بشياطين رأسي تتعارك في داخله...
كانت رغد تراقبني بقلق و حيرة... و بالتأكيد سمعتني و أنا أعض على أسناني فيما أضيّق فتحتي عيني و أشد على قبضتي بإصرار و أقول :

" و الآن ... أصبحت ثروة ذلك الحقير ... بين يدي

descriptionرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الاجزاء من  ( 71 ) الي  (80 ) Emptyرواية رومانسية اخر حاجة(أنت لي)!!!! الجزء 79

more_horiz




وجهت ْ إلي ّ سؤالا مباشرا و لكنني تهربت ُ منه ثم وعدت
ُ أروى بأن أخبرها بالأمر فيما بعد...
و رغم الحيرة ِ و الشكِ اللذين طغيا عليها طيلة الفترة
التالية، لم تصر على معرفة ما علاقة رغد بعمّار...

في صبيحة اليوم التالي عدت إلى مكتب إدارة المصنع
الرئيسي... لإتمام المهام المتبقية دون مرافقة من أحد...
يومها وقفت أتأمل صورتـَي عاطف و عمّار قليلا ... و
ابتسمتُ ابتسامة النصر...

ها هي يا عمار ثروتك الضخمة... تصبح بين يدي... و المصنع
الذي كنت تتباهى به و تطلب منّي العمل فيه ساخرا... أصبحت ُ أنا سيّده...

يا للأقدار...

بعدها أمرت بنزع الصورتين و علّقت عوضا عنهما لوحات ٍ
لمناظر طبيعية... و أخذت أتصرّف و كأنني سيّد المكان و مالكه..
و من الخزانة الرئيسية للأموال المتداولة، و ما أكثرها،
أخذت ُ مبلغا كبيرا كنا أنا و أروى قد اتفقنا على سحبه لتغطية بعض المصاريف...
أما عن أوّل شيء خطر ببالي آنذاك، فهو إعادة المبلغ الذي
استلفته من صديقي سيف قبل عام...
و انطلاقا من هذا اليوم بدأت أتصرف في النقود بتصريح من
أروى و أدون و أراجع الحسابات و احتفظ بسجلات المصاريف و أطلعها عليها...

كان لا يزال أمامي وقت طويل حتى أتمكّن من وظيفتي
الجديدة و رتّبت الأمور بحيث يظل المصنع تحت إدارة المشرف العام ذاته– السيد
أسامة- إلى أن أستلم المنصب بعد بضعة أسابيع...
و السيد أسامة بشهادة من سيف و والده و المحامي يونس
المنذر هو رجل أمين نزيه الذمّة... و كان هو الساعي وراء تسليم الثروة للوريثة
الوحيدة...

كانت خطّتنا تقتضي العودة بأهلي إلى المزرعة أولا...
أما فكرة أروى فكانت الزواج ثانيا!
أما عن نفسي فأنا أريد تأجيل هذا الأمر... حتى إشعار آخر...

عندما عدت ُ إلى المنزل وقت الزوال... و دخلت من ثم إلى
غرفة نومي، دهشت !
لقد كانت نظيفة و مرتبة و منظمة تماما كما كانت أيام
الصبا... حين غادرتها ذاهبا إلى السجن...
نظرت من حولي مبتهجا... ثم سمعت صوت أروى مقبلا من ناحية
الباب:

" هل أعجبتك ؟ "

التفت ُ إليها فإذا بي أراها مبتسمة مسرورة بما أنجزت...

قلت :

" عظيم ! لكن لابد أنّك أجهدت ِ نفسك كثيرا لإزالة
أكوام الغبار ! "

" ساعدتني أمّي و لم تكن مهمّة صعبة ! "

أعدت النظر من حولي مسرورا... كل شيء يبدو نظيفا و
منظما... بدأت أشم رائحة الماضي... و استعيد الذكريات...

هذا سريري الوثير... و هذا مكتبي القديم... و هذه مكتبتي
الكبيرة... و هذه كتبي الدراسية و الثقافية ... مرصوصة إلى جانب بعضها البعض بكل
شموخ... و كأن تسع سنين و أكثر لم تمض ِ على هجرها و إهمالها... ها هي تقف في
أرففها معززة مكرمة من جديد !

فجأة... انتبهت ُ إلى شيء مهم...

اقتربت من المكتبة و وزعت نظراتي على جميع أجزائها ...
ثم التفت إلى أروى و سألت بقلق
:

" أين الصندوق ؟ "

نظرت إلى أروى بعدم فهم :

" أي صندوق ؟؟ "

قلت موضحا
:

" صندوق الأماني ... اسطوانة ورقية مغطاة
بالطوابع... كانت هنا "

و أشرت إلى الموضع الذي كنت قد تركته فيه ليلة أن أبت
رغد فتحه...

بدا على أروى الفهم فقالت :

" تقصد ذاك الشيء المجعّد البالي ؟ "

" نعم . أين هو ؟؟ "

كانت أروى تنظر إلي باستغراب ثم قالت :

" رميتـُه ! "

دهشت... هتفت بانفعال :

" رميتـِه !! "

" نعم...ظننته قمامة و ... ... "


~~~~~~~


لم أتم جملتي ... إذ أن وليد هتف غاضبا :

" أي قمامة ؟ لم فعلت ِ ذلك ؟؟ "

ثم خرج من الغرفة باحثا عنه و استخرجه من سلة المهملات !

بدا الموقف سخيفا لكنه أثار فضولي و دهشتي... سألته
مستغربة :

" لم تحتفظ بشيء كهذا ؟؟ "

أجاب بحنق
:

" إياك و لمسه ثانية يا أروى... "

و لما رأى منّي نظرات الاستنكار عاد يقول بحدّة :

" إياك ... أتفهمين ؟ "


حقيقة أنا لم أفهم شيئا... لكن فضولي قد تفاقم خصوصا و
أنا أراه ينفعل بهذا الشكل... ثم يعيد ذلك الشيء المجعد تماما إلى المكان الذي كان
فيه !

استغرب ... ما أهمية علبة ورقية مجعدة مغطاة بطوابع
طفولية قديمة ... لرجل في الثامنة و العشرين من عمره... على وشك إدارة أكبر مصنع
في هذه المنطقة ؟؟

لابد أن أعرف...

في وقت لاحق، تسللت إلى غرفة وليد خلسة و تناولت تلك
العلبة... و تأملتها...

اكتشفت وجود هذه الجملة مكتوبة عليها : ( صندوق الأماني
) ... و اكتشفت أنها تحوي فتحة صغيرة في أحد طرفيها و بأن في داخلها أوراق ما!

تملكني الفضول الشديد لفتح العلبة و معرفة محتواها... و
ليتني فعلت!
تذكرت تحذير وليد و احتراما و طاعة لأوامره... تراجعت في
آخر لحظة و أعدت العلبة إلى مكانها...
لكن... ألا يتملككم الفضول مثلي لمعرفة... قصّة هذه
العلبة ؟؟

و لو علمت قصّتها الآن... لتغيرت أمور كثيرة لم
أدركها... إلا بعد زمن طويل...


~~~~~~~~~~


" متى ستتزوج ؟ "

سألني صديقي سيف هذا السؤال بعد تناولنا العشاء في
منزله... كان قد دعانا جميعا هو و زوجته للعشاء معهما تلك الليلة

كنت أداعب ابنه الصغير – فادي - بين يدي... و أشعر ببهجة
لا توصف!
ما أجمل الأطفال و ما أمتع اللهو معهم ...!

أضاف معقبا
:

" و نفرح بأطفالك يا وليد ؟؟ "

ابتسمت ابتسامة واهية... و أنا أرى الفكرة أشبه بالحلم
البعيد...

قلت :

" لا يزال الوقت مبكرا ! "

استنكر سيف و قال :

" خير البر عاجله يا رجل... ها قد مضت فترة لا بأس
بها على... "

و غض بصره و أضاف بصوت خافت :

" وفاة والديك... رحمهما الله "

انتفضت... و كأنني أسمع نبأ وفاة والدي ّ للمرة
الأولى... و نظرت إلى سيف الذي عاد ببصره إلي... تكسوني علامات الحزن المرير...

تنهّدت تنهيدة عميقة... فالذكرى التي لا يمكن أن تمحى...
لا تزال تثير في صدري آلاما قاتلة...

الصوت المبهم البريء الذي انطلق من حنجرة الطفل الصغير
بين يدي، كان هو ما جعلني أبعثر الذكرى الماضية و أعود للحاضر

" لم يئن الأوان بعد يا سيف... يجب أن أرتب أوضاعي
و أوضاع عملي الجديد و حياتي الجديدة... و أوضاع أروى... و رغد "

التزم سيف الصمت لكني كنت أرى التساؤل يكاد ينسكب من
عينيه...

قلت :

" تعرف... أصبحت المسؤولية الملقاة على عاتقي...
كبيرة ... "

قال :

" ماذا عن شقيقك ؟ "

أجبت ببعض الأسى:

" لا يزال يقيم في الشمال ... و بعد موت والدي ّ و
انفصاله عن رغد... أصبحت هي ضمن مسؤولياتي... أما هو... فقد طلب منّي ألا آتي بها
لزيارته ثانية..."

و استطرت ُ
:

" و أنا... لا يمكن أن أتزوّج و رغد الصغيرة... تحت
وصايتي "

ثم مسحت على رأس الصغير و ابتسمت بعذوبة و قلت و كأني
أسر إليه:

" و حينما تكبر و تصبح امرأة... سوف أتزوّجها ! "

علت الدهشة وجه سيف و قال فاغرا فاه :

" ماذا ؟؟!! "

ضحكت ضحكة خفيفة و أنا أضم فادي إلى صدري و أقول بمرح :

" إنها قدري يا سيف ! و مهما ابتعدت ستعود إلي ! "

لم يعلّق سيف و لكنّه ظل في حيرة من أمري... و أنا واثق
من أن عشرات الأسئلة المبهمة كانت تدور في رأسه آنذاك...
و ربما تدور في رؤوسكم أنتم أيضا !

أما أنا فسأستمر في مداعبة الطفل الرائع... و أتمنّى من
الله أن يرزقني طفلا مثله ذات يوم
!

سددت لصديقي الديون التي لحقت بي منذ خروجي من السجن...
و شكرته كثيرا على الدعوة الممتعة و ودّعته على أمل اللقاء به بعد عودتي من
المزرعة ذات يوم...

استعنا بالله و انطلقنا باسمه متوكلين عليه عائدين إلى
المزرعة...
و كان مشوار العودة أكثر ابتهاجا و مرحا و راحة من مشوار
الحضور... بالطبع... فقد أنجزنا بحمد الله كل شيء و حملنا معنا جزء ً قيما من النقود...

كان في رؤوسنا خطط كثيرة و أفكار عدّة و قطعنا الطريق و
نحن نتداولها
أعني بالرؤوس رأسي و رأس أروى و الخالة
أما رأس الصغيرة الجالسة خلفي في صمت مغدق، فالله وحده
الأعلم أي أفكار و خطط كانت تدور فيه
!

دعوني أخبركم بأن رغد و أروى لا تزالان متخاصمتين منذ
رمت الأولى الثانية بهاتفي المحمول ذلك اليوم... و لم تزد حقيقة ُ علاقة أروى
بعمّار... رغد َ إلا نفورا منها...
و يبدو أن وضع الخصام ناسبهما جدا و أراحهما من التصادم،
و أراح رأسي أنا بالتالي من الصداع
!
لكن إلى متى ...؟؟
كما و إن رغد على ما بدا منها قد تنازلت عن جزء من
دلالها و أحسنت التصرّف طوال رحلة العودة...
ألا يريبكم تصرفها هذا ؟؟
بقيت هادئة لأنها كانت مطمئنة إلى أنني سأعيدها إلى
خالتها... كما وعدتها... و كما نصحتني خالتي ليندا... من أجلها هي...

كانت الأمور تسير بشكل هادئ جدا... و السعادة تغمر قلب
أروى...
أما أنا فبالرغم من سعادتي شعرت بقلق قهري...
فالأقدار علّمتني ألا أفرط في الفرح بما بين يدي... خشية
مصائب المستقبل...

" دعنا نقيم حفلة كبيرة فور وصولنا يا وليد... أريد
أن يشاركني الجميع فرحتي هذه
"

قالت أروى... فردّت أمها :

" زادك الله فرحا و نعيما بنيّتي "

ثم أضافت
:

" و بلّغني رؤية أبنائك قريبا يا رب "

أروى طأطأت رأسها ببعض الخجل ثم قالت :

" قولي لوليد ! فهو من يؤجل الأمر ! "

كنت ُ أراقب الشارع... و لم أعلّق ... فقالت الخالة
ليندا :

" خيرا تفعلان إن تتزوجا مباشرة يا عزيزي... خير
البر عاجله يا وليد.. دعنا نتم الفرحة و نحتفل بالزواج ! "

تضايقت من حديثها.. فموعد زواجي مؤجل إلى أجل غير
مسمى... كما و إن ذكرى وفاة والدي ّ لم تخمد نارها بعد...

قلت ُ مجاريا
:

" سأفكر في الأمر لاحقا "

لماذا يلح علي الجميع بالزواج !؟؟
ألا يوجد رجل خاطب غيري في هذه البلاد ؟؟
و ظل الحديث عن زواجنا أنا و أروى المسيطر على الأجواء
لفترة من الزمن... أما رغد الصامتة، فكلّما ألقيت عليها نظرة رأيتها تسبح في بحر
من الشرود ...

لقينا بعض العقبات في طريقنا خصوصا مع الشرطة... و كان
التفتيش مشددا جدا على بعض الطرق و المداخل... و الوضع الأمني في تدهور مضطرد.. و
كثيرا ما تحظر الرحلات إلى و من بعض المدن، جوا أو برا...

و أخيرا... وصلنا إلى المدينة الصناعية المدمّرة...
و أخيرا بدأ وجه رغد يتهلل و الابتسامة ترتسم على
شفتيها... وإن اقترنت بوجوم عام للمرأى المحزن...
تعمّدت أن أسلك طريقا بعيدا عن بيتنا المحروق، خشية أن
تقفز الذكريات المؤلمة من جديد إلى قلبينا فتدميهما...

عندما وصلت إلى بيت أبي حسام، أوقفت السيارة و بقيت
ساكنا لبعض الوقت...

استدرت إلى رغد فوجدتها تنظر إلي ربما بنفاذ صبر...
قالت:

" هل أنزل ؟ "

قلت :

" تفضلي...
"

و سرعان ما خرجت من السيارة و اتجهت إلى بوابة المنزل
تقرع الجرس...

" كم سنبقى ؟ "

التفت إلى أروى التي طرحت السؤال و قلت :

" بعض الوقت... نلقي التحية و نسأل عن الأخبار "

قالت
:

" أرجوك وليد لا تطل المكوث... نحن متعبون و نريد
الوصول إلى المزرعة و النوم...
"

كان الوقت آنذاك أوّل الليل و لا يزال أمامنا مشوار طويل
حتى نصل إلى المزرعة...

عندما خرجنا من السيارة كانت البوابة قد فتحت و ظهر منها
أبو حسام و ابنه مرحبـَين...

و رغم ذلك لم تخل ُ نظراتهما إلي ّ من الريبة و
الاتهام... و لابد أنكم تذكرون الطريقة التي غادرنا بها هذا المنزل قبل ذهابنا إلى
لمدينة الساحلية...

اعتذرنا عن دعوة العشاء التي ألحت علينا عائلة أبي حسام
لقبولها... متحججين بطول السفر...
رغد بدت مرتاحة و سعيدة بلقاء أهلها كثيرا... منذ
الطفولة و هي تحب خالتها و عائلتها و كانت ستربى في حضنها لولا أن الظروف المادية
و العائلية لم تكن تسمح آنذاك...

و أخيرا حانت لحظة الفراق...
كنت أدرك... أنني لم أكن لأتحمّل ذلك و لكنني أردت أن
أحقق لرغد رغبتها و أنجز وعدي ... بتركها مع خالتها لبضعة أيام...

قبيل انصرافي طلبت منها مرافقتي لجلب أغراضها من السيارة
و كان قصدي أن أتحدّث معها منفردين...

حملت ُ حقيبتـَي سفرها الصغيرتين إلى داخل السور الخارجي
لحديقة المنزل و وضعتهما على مقربة و توقفت ... و التفت إلى رغد...

كانت تسير إلى جواري... تسبقني بخطوتين أو ثلاث... حاملة
ً كيسا...

ناديتها
:

" رغد
"

التفتت نحوي و توقفت عن السير...

ترددت ُ قليلا ثم قلت:

" رغد.. تعلمين أنه... أنني ... ما كنت ُ لأتركك
لولا إلحاحك الشديد بالبقاء هنا و لو تـُرك الأمر لي ... لأخذتك و عدنا جميعا إلى
المزرعة... "

رغد نظرت إلى الأرض...

قلت متعلقا بأمل أخير :

" هل هذه رغبتك فعلا يا رغد ؟؟ "

و هزت رأسها إيجابا... لم يكن باستطاعتي إلا أن أنفّذ
هذه الرغبة من أجلها هي...

قلت :

" حسنا... لكن... في أي لحظة تبدلين فيها رأيك و
مهما كان أعلميني فورا..."

نظرت إلي نظرة شبه مشككة فقلت :

" و سآتي لأخذك في الحال... أتعدين بذلك ؟ "

كأنها ترددت لكنها أخيرا قالت :

" سأفعل
"

قلت مؤكدا
:

" اتصلي بي في أي وقت... و متى ما احتجت ِ لأي
شيء... سأترك هاتفي المحمول مفتوحا على مدار الساعة... لا تترددي لحظة ... أتعدين
بذلك يا رغد ؟؟ "

ارتسمت علامة غريبة المعنى على وجهها ... أهي ابتسامة ؟
أم هو حزن؟ ... أهو رضا ... أم غضب ؟؟ أهي راحة أم ندم ؟؟ لست أدري...

" عديني يا رغد ؟ "

" أعدك...
"

شعرت بالطمأنينة لوعدها... ثم قلت :

" سأجلب شيئا... انتظري... "

و حثثت الخطى خارجا إلى السيارة، حيث استخرجت ظرفا يحوي
أوراقا مالية كنت قد أعددته من أجل رغد...

عدت إليها فوجدتها لا تزال عند نفس الموضع و على نفس
الوضع...
اقتربت ُ منها و مددت ُ إليها بالظرف قائلا:

" احتفظي بهذا لك "

سألتني
:

" ما هذا ؟ "

" إنها بعض النقود... انفقي منها كيفما شئت ِ و إذا
ما نفذت فابلغيني "

رغد طأطأت برأسها و نظراتها ربما حرجا ... فهي المرة
الأولى التي أقدّم فيها إليها ظرفا ماليا...

" تفضلي يا رغد "

و لكنها لم تبادر بأخذه !

قلت مازحا
:

" هيا صغيرتي ! لا يجب أن تشعر الفتاة بالخجل من
أبيها ! "

هنا نظرت إلي رغد بسرعة و المزيج المرتسم على وجهها حاو
ٍ على الدهشة و الضحك و الاستنكار معا
!

تشجّعتْ و مدّتْ يدها أخيرا و أخذت الظرف !

ابتسمت ُ مشجعا و قلت :

" اتصلي بي إذا احتجت ِ المزيد ... و لا تنتظري
شيئا من الآخرين أو تعتمدي عليهم ... أتعدين بذلك يا رغد ؟ "

هزّت رأسها إيجابا ...

و وضعت الظرف داخل الكيس... و استدارت متابعة طريقها نحو
المنزل...

و هي تبتعد... و أنا أشعر بأشياء تتمزّق في داخلي...
أشعر بأن حزمة كبيرة من الأعصاب الحسية كانت تربط فيما بيننا... و مع ابتعادها
أخذت تتقطع عصبا عصبا ... و تحدث في قلبي ألما فظيعا مهلكا...

كيف أطاعني قلبي...
مددت يدي محاولا الإمساك بذرات الهواء التي تبعتها... و
عادت إلي يدي خالية الوفاض...

هتفت
:

" رغد
... "

توقفت ْ و استدارت ْ نحوي... فحال الظلام دون رؤية
عينيها...
أو ربما حال دون ذلك... عبرة ولدت للتو... من أعماق عيني...

حملت ُ الحقيبتين و أقبلت ُ نحوها فلما صرت ُ قربها قلت :

" اعتني بنفسك جيدا ... يا صغيرتي... "

رغد... ربما تفهمت قلقي و رأت في وجهي ما لم نستطع لا
أنا و لا الظلام إن نخفيه...
ابتسمت ْ و قالت مطمئنة:

" اطمئن يا وليد... سأكون بخير... وسط أهلي"

و هبطت ببصرها للأسفل و نظرت إلى الكيس الذي كانت تحمله
مشيرة إلى ظرف النقود و أضافت بصوت خافت كالهمس:

" شكرا... بابا وليد !! "

ثم استدارت و أسرعت نحو الداخل !

آه يا رغد
!

أتسخرين منّي ؟؟

ليتك تعلمين كيف أشعر تجاهك... !

آه لو تعلمين
!

فيما بعد... و نحن نهم ّ بالمغادرة... وجهت كلامي لأم
حسام موصيا:

" أرجو أن... تعتنوا برغد جيدا... و إن احتجتم لأي
شيء فأبلغوني"

" لا داع لأن توصيني بابنتي يا وليد... سافر مطمئنا
في أمان الله "

" شكرا يا خالتي... سأعود قريبا... أرجوك... ارعي
الصغيرة جيدا باركك الله "

الجميع بدأ يتبادل النظرات إن سرا أو علنا... إن تضامنا
أو استنكارا...
و لكنني واصلت سرد وصاياي حتى آخر لحظة

بعد ذلك... و أنا أغادر البوابة الخارجية ألقيت النظرة
الأخيرة على رغد...
و قلت أخيرا
:

" أستودعك من لا تضيع ودائعه... "





privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد