العلم فى الراس مش فى الكراس
العلم فى الراس مش فى الكراّس ،
بهذه الحكمة البليغة كان أبى يختم حديثه التوجيهى لنا
عندما يرانى أو يرى أختى منكبيّن بنهم على الكتب نكاد أن نلتهمها من فرط
الحماس للمذاكرة. كان أبى يعتبرها حكمة خالدة تحكم كل العلم وترشد كل
العلماء. والحقيقة أن أبى كان على حق، فما يجرى فى عقل الانسان أهم ألف مرة من حفظ ما هو مكتوب فى الكتب والكراسات.
يمثل ذلك توجّهاً رئيسياً فى أى سعى لاصلاح التعليم..
ويمثل التفكير مطلباً محورياً فى أى جهد للتقدم الانسانى
، بل ان كل شىء تقريباً يمكن أن تشتريه بالمال إلا
التفكير، وكل شىء تقريباً يمكن أن تفوضه للآخرين إلا التفكير الذى
يجب أن تؤديه بنفسك. وبالمال يمكن أن تلحق ابنك بأفضل الجامعات وأن
توفده إلى أفضل البعـــثات ولكنك لا تستطيع بمال قارون أن تعوضه عن
التفكير، من هنا كان التفكير والتشجيع عليه علامة مهمة فى العمل التربوى.
وأدهش إذ أرى المهتمين بالتعليم و المهمومين به لا يولون
هذا الأمر
العناية الواجبة، فتطوير المناهج هو دائماً النصيـــحة
الكبــــــرى.. وينصرف تطوير المناهج إلى مراجعة نوع المعلومات وكميتها التى نحرص على تضـــمينها فى المنهج وإضــــــافة المـــــزيد من النصوص والنظريات،
ويميل
الناس إلى زيادة كمية المعلومات بمظنة أن ذلك يزيد فى
جودة المنهج،
وبالتالى جودة التعليم.
ونلاحظ بالمدارس أن المعلم معنى بالدرجة الأولى بنقل كم
من المعلومات إلى الطــالب والسعى لتحفيظها بمختلف الوسائل
وهذا عادة ما تركز عليه مراكز الدروس الخصوصية، بل إن
الموجه الذى توفده الوزارة إلى المدارس لتوجيه أداء المعلّم أو
تقويمه، هذا الموجه يعنى أول ما يعنى فى توجيهاته أو تقاريره بعدد الدروس
التى تم تدريسها أو كم القصائد التى تم حفظها أو ما شابه ذلك دون الالتفات
إلى ما حققه المعـــلم (أو لم يحققه) فى تنمية ملكات التفكير والتحليل لدى
الطلاب ويعتبر أن الاهتمام بالتحليل أو التفكير النقدى نوع من «التفلسف»
أو «المنظرة» التى يجب وأدها فى المهد
وأنا هنا أتحدث من منطلق خبرة عملية عملية حقيقية بعمل
كثير من الموجهين، بل إن هذا ما دعانى منذ عدة شهور إلى
اقتراح مشروع متكامل لتطوير عمل الموجهين بوزارة التربية و
التعليم و هو المشروع الذى رحّب به السيد الوزير ووعد بتنفيذه،
وأظن أن اعتصامات المعلمين على باب الوزارة و إضرابات الكادر وسنينه
قد شغلت الوزارة عن تطوير عمل الموجهين كى تتفرّغ للحرائق الماثلة أمام
بـــوابة الوزارة و التى أحياناً ما تعوق دخول الوزير نفسه إلى الوزارة.
مرة ثانية وثالثة ورابعة أود التأكيد على أن جيش
الموجـهين بــــوزارة التربية والتعليم يمكن أن يوظّف بشكل
أكثر فاعلية، فلدينا عشرات الآلاف من الموجهين إذا
أحسن تدريبهم أولاً ثم كلفّوا هم بتدريب المعلمين ومتابعتهم وحسن توجيههم
فيمكن أن نحقق قفزة فوّرية فى جودة التعليم دون تحمّل ميزانيات كبيرة
قد لا نستطيع تدبيرها الآن
إن تنمية ملكات التفكير والتحليل والانتقاد والتدريب على
المنهج العلمى فى شتى مناحى الحياة يمكن أن يبدأ، بل يجب
أن يبدأ من مرحلة الحضانة أو الابتدائى, ومرة أخرى أنا
لا أتحدث عن كمية معلومات سيحفظها التلميذ أو عدد من الدروس
سيلقنها المعلّم، وإنما أتحدث عن منهج حياة نغرسه فى التلميذ منذ الصغر،
ولما كان فاقد الشىء لا يعطيه، وبالتالى فإننا نصرّ على إحداث تغيير جذرى فى فلسفة التعليم ورســالته، وأن نحدث التغيير فى عمل
الموجه
والمعلم، ويتطلب ذلك بالتأكيد تدريباً وتوجيهاً للمعلمين
إضافة إلى تغيير منهج تفكير وعمل كبار المسئولين فى
الوزارة و مديريات التعليم
.
مطلوب أن ينشأ الطفل فى الحضانة والابتدائى على نظام
يشجّعه على التفكير، ويعّوده على التحليل، ويدربه على البحث العلمى.
ويسألنى المعلّم: وهل هذا ممكن مع طفل فى الخامسة أو
السادسة من عمـــره، وأرد بكل تأكيد.. بكل تأكيد، ولعلنى
أتحدث عن ذلك فى مقالٍ تالٍ.
آخر سطر
بالمال نشترى كل شىء تقريباً.. إلا القدرة على التفكير
بقلم : د/صديق عفيفى
العلم فى الراس مش فى الكراّس ،
بهذه الحكمة البليغة كان أبى يختم حديثه التوجيهى لنا
عندما يرانى أو يرى أختى منكبيّن بنهم على الكتب نكاد أن نلتهمها من فرط
الحماس للمذاكرة. كان أبى يعتبرها حكمة خالدة تحكم كل العلم وترشد كل
العلماء. والحقيقة أن أبى كان على حق، فما يجرى فى عقل الانسان أهم ألف مرة من حفظ ما هو مكتوب فى الكتب والكراسات.
يمثل ذلك توجّهاً رئيسياً فى أى سعى لاصلاح التعليم..
ويمثل التفكير مطلباً محورياً فى أى جهد للتقدم الانسانى
، بل ان كل شىء تقريباً يمكن أن تشتريه بالمال إلا
التفكير، وكل شىء تقريباً يمكن أن تفوضه للآخرين إلا التفكير الذى
يجب أن تؤديه بنفسك. وبالمال يمكن أن تلحق ابنك بأفضل الجامعات وأن
توفده إلى أفضل البعـــثات ولكنك لا تستطيع بمال قارون أن تعوضه عن
التفكير، من هنا كان التفكير والتشجيع عليه علامة مهمة فى العمل التربوى.
وأدهش إذ أرى المهتمين بالتعليم و المهمومين به لا يولون
هذا الأمر
العناية الواجبة، فتطوير المناهج هو دائماً النصيـــحة
الكبــــــرى.. وينصرف تطوير المناهج إلى مراجعة نوع المعلومات وكميتها التى نحرص على تضـــمينها فى المنهج وإضــــــافة المـــــزيد من النصوص والنظريات،
ويميل
الناس إلى زيادة كمية المعلومات بمظنة أن ذلك يزيد فى
جودة المنهج،
وبالتالى جودة التعليم.
ونلاحظ بالمدارس أن المعلم معنى بالدرجة الأولى بنقل كم
من المعلومات إلى الطــالب والسعى لتحفيظها بمختلف الوسائل
وهذا عادة ما تركز عليه مراكز الدروس الخصوصية، بل إن
الموجه الذى توفده الوزارة إلى المدارس لتوجيه أداء المعلّم أو
تقويمه، هذا الموجه يعنى أول ما يعنى فى توجيهاته أو تقاريره بعدد الدروس
التى تم تدريسها أو كم القصائد التى تم حفظها أو ما شابه ذلك دون الالتفات
إلى ما حققه المعـــلم (أو لم يحققه) فى تنمية ملكات التفكير والتحليل لدى
الطلاب ويعتبر أن الاهتمام بالتحليل أو التفكير النقدى نوع من «التفلسف»
أو «المنظرة» التى يجب وأدها فى المهد
وأنا هنا أتحدث من منطلق خبرة عملية عملية حقيقية بعمل
كثير من الموجهين، بل إن هذا ما دعانى منذ عدة شهور إلى
اقتراح مشروع متكامل لتطوير عمل الموجهين بوزارة التربية و
التعليم و هو المشروع الذى رحّب به السيد الوزير ووعد بتنفيذه،
وأظن أن اعتصامات المعلمين على باب الوزارة و إضرابات الكادر وسنينه
قد شغلت الوزارة عن تطوير عمل الموجهين كى تتفرّغ للحرائق الماثلة أمام
بـــوابة الوزارة و التى أحياناً ما تعوق دخول الوزير نفسه إلى الوزارة.
مرة ثانية وثالثة ورابعة أود التأكيد على أن جيش
الموجـهين بــــوزارة التربية والتعليم يمكن أن يوظّف بشكل
أكثر فاعلية، فلدينا عشرات الآلاف من الموجهين إذا
أحسن تدريبهم أولاً ثم كلفّوا هم بتدريب المعلمين ومتابعتهم وحسن توجيههم
فيمكن أن نحقق قفزة فوّرية فى جودة التعليم دون تحمّل ميزانيات كبيرة
قد لا نستطيع تدبيرها الآن
إن تنمية ملكات التفكير والتحليل والانتقاد والتدريب على
المنهج العلمى فى شتى مناحى الحياة يمكن أن يبدأ، بل يجب
أن يبدأ من مرحلة الحضانة أو الابتدائى, ومرة أخرى أنا
لا أتحدث عن كمية معلومات سيحفظها التلميذ أو عدد من الدروس
سيلقنها المعلّم، وإنما أتحدث عن منهج حياة نغرسه فى التلميذ منذ الصغر،
ولما كان فاقد الشىء لا يعطيه، وبالتالى فإننا نصرّ على إحداث تغيير جذرى فى فلسفة التعليم ورســالته، وأن نحدث التغيير فى عمل
الموجه
والمعلم، ويتطلب ذلك بالتأكيد تدريباً وتوجيهاً للمعلمين
إضافة إلى تغيير منهج تفكير وعمل كبار المسئولين فى
الوزارة و مديريات التعليم
.
مطلوب أن ينشأ الطفل فى الحضانة والابتدائى على نظام
يشجّعه على التفكير، ويعّوده على التحليل، ويدربه على البحث العلمى.
ويسألنى المعلّم: وهل هذا ممكن مع طفل فى الخامسة أو
السادسة من عمـــره، وأرد بكل تأكيد.. بكل تأكيد، ولعلنى
أتحدث عن ذلك فى مقالٍ تالٍ.
آخر سطر
بالمال نشترى كل شىء تقريباً.. إلا القدرة على التفكير
بقلم : د/صديق عفيفى